ملاحقة جديدة للنساء في إيران... ما الجديد؟

ملاحقة جديدة للنساء في إيران... ما الجديد؟

ملاحقة جديدة للنساء في إيران... ما الجديد؟


10/06/2025

ما تزال المرأة الإيرانية تقع في دائرة العنف وخنق مجال الحريات، لا سيّما في ظل استمرار حملات الملالي القمعية وحربها على أجساد النساء. هذه الحملات القمعية والدموية أخذت منحنيات عديدة بداية من الضرب والإهانات علانية مروراً بالقتلن ووصلت إلى أشكال غرائبية وغير منطقية، مثل إرغام النساء المخالفات لقوانين الحجاب على تغسيل الموتى كعقوبة ربما ليست لها سابقة حتى في العصور الموغلة في التوحش والتخلف والرجعية. فنظام "الولي الفقيه" الذي يحتمي بالدين في شرعنة وتطبيق سياساته، لا يتورع عن استعمال كل الوسائط الممكنة في التأديب والإقصاء. إذ إنّ قضية الحجاب ليست مجرد رمز ديني أو ثقافي في إيران، بل هي أداة سياسية بامتياز منذ وصول الخميني إلى الحكم وتدشين ما عُرف بـ "الجمهورية الإسلامية". ويستخدمها النظام لترسيخ هيمنته وتبرير انتهاكاته المنظمة ضد النساء، ومن ثمّ، تحول الحجاب من خيار شخصي إلى قانون وسياسة تتبنّاها دولة الخميني

مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية: آية الله الخميني

رياح التغيير آتية

وفيما يبدو، فإنّ الحكومة في طهران لم يعد بمقدورها "كبح رياح التغيير" التي اندلعت لمحاولة التمرد على فرض الحجاب قسراً، وقد تحدث السياسي الإيراني المحافظ علي مطهري عن ميل الحكومة الإيرانية إلى التماس قواعد أخرى أكثر مرونة في ما يتصل بارتداء النساء للحجاب. وقال في حديث للصحفيين على هامش معرض الكتاب الدولي في العاصمة الإيرانية طهران: الشرطة لا تتدخل إلا في حالات الخروقات الخطيرة، موضحاً: "يجب أن تعلموا أنّه حتى في عهد الشاه ـ أي قبل ثورة 1979 ـ كان يتم اعتقال النساء اللاتي لا يرتدين ملابس محتشمة في الأماكن العامة". مطهري هو أحد السياسيين المحافظين الذين دعوا مرارًا وتكرارًا إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد النساء اللواتي ينحرفن عن قواعد اللباس الصارمة، وليس فقط الامتناع عن ارتداء الحجاب، حتى قبل الاحتجاجات التي اندلعت على مستوى البلاد إثر وفاة الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة في أيلول (سبتمبر) عام 2022، بعد إلقاء "شرطة الأخلاق" القبض عليها بسبب عدم ارتدائها الحجاب، وفق (دويتشه فيلة) الألمانية. وكان مطهري بصفته عضوًا في البرلمان قد وجّه سؤالًا إلى وزير الداخلية في عام 2014: "لماذا يُسمَح للنساء بارتداء السراويل تحت معاطفهن؟"، ودعا إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد النساء المعنيات.

جهود النساء الإيرانيات في انتزاع حريتهن أتت أكلها، وبدأت بوادر التغيّر في المجتمع الإيراني تظهر بوضوح، فكتبت باحثة في مجال النوع الاجتماعي وصحفية من طهران ردًّا على استفسار شبكة الإعلام الألمانية: "لم يعد بإمكان الدولة أن تسلبنا ما حققناه خلال الأعوام الـ (3)   الماضية". ولا ترفض الباحثة الاجتماعية ارتداء الحجاب في الأماكن العامة فحسب، بل تشجع النساء الإيرانيات على اتخاذ هذا القرار بأنفسهن، ما إذا كنّ يرغبن بارتداء الحجاب في الأماكن العامة أم لا. وبسبب مواقفها هذه تتعرض الباحثة إلى تحذيرات مستمرة من الحكومة الإيرانية، وتتلقى تهديدات بالقتل من متصلين مجهولين، وتضيف: "لم يعد بإمكانهم إجبارنا على اتباع قواعدهم وارتداء الحجاب في كل مرة نخرج فيها من المنزل".

 السياسي الإيراني المحافظ: علي مطهري

الحجاب أداة للتهميش

بعد الثورة الإسلامية أصدر الخميني مرسومًا يجبر النساء على ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، زاعمًا أنّ ذلك "يحفظ كرامة المرأة". لكنّ الواقع أثبت خبيئة السياسات الدينية المؤدلجة لزعيم ثورة الملالي؛ فتحول الحجاب إلى وسيلة لتحقيق جملة أهداف، منها إقصاء وتهميش المرأة، وإلغاء مكتسباتها التي سبقت وصول المعممين إلى الحكم، وتبديد كل فرص صعودهن في المجال العام عبر إخضاع الجسد الأنثوي، وتأبيد نموذج حكم ذكوري بطريركي لا يسمح بالتمايز. جعل النظام من حجاب المرأة علامة على الطاعة والإذعان تحت شعارات العفة التي هي بالأساس عفة قمعية وقهرية، وبالتالي أصبحت كل امرأة غير محجبة أو غير ملتزمة بالزي المطلوب هدفًا للعقاب.  

تكريس التمييز القانوني على أساس جندري كان ضمن رفع السيادة للرجل في ظل نمط الحكم الخميني، ولهذا صدرت ترسانة قوانين تباشر قمعها للنساء وتواصل عنفها على أجسادهنّ، منها قانون "حماية العفة والحجاب" (2023)، الذي منح الشرطة صلاحيات مطلقة لاعتقال النساء بتهمة "الفساد الأخلاقي"، بل فرضت عقوبات قاسية مثل الحرمان من التعليم أو العمل. ولم يكتفِ النظام بالملاحقة المباشرة، بل طور آليات مرعبة لضبط النساء، مثل شرطة الأخلاق، التي وصلت جرائمها حدودًا غير مسبوقة مع الاعتداء الوحشي على مهسا أميني للدرجة التي نجم عنها مقتلها. وتمارس هذه القوة الأمنية وسائل عديدة للتعذيب النفسي والجسدي. وتفيد تقارير حقوقية أممية أنّ بعض المعتقلات يتعرّضن للاغتصاب أو الإجبار على "اعترافات" مزيفة. 

يضاف إلى ذلك، الكاميرات الذكية، ففي عام 2023 أعلنت إيران استخدام تقنية التعرف على الوجوه لرصد "المخالفات"، ثم حرمان النساء من الخدمات العامة إذا انكشف شعرهن. وإلى جانب اقتصاديات العنف الهائلة التي توفرها طهران لقمع النساء في ظل أوضاع اقتصادية مأزومة، وتدني الوضع الاجتماعي، هناك العقوبات الجماعية، حيث شهدت بعض المدن إغلاق أيّ مقر عمل أو مقهى إذا دخلته امرأة "غير محجبة"، ممّا يفاقم الضغط الاجتماعي على النساء. لكن رغم القمع الوحشي المستمر لـ (4) عقود تقريبًا، لم تستسلم الإيرانيات. من حركة "الفتيات في الشوارع" عام 2018 حيث كنّ يخلعن الحجاب علنًا، إلى احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" عام 2022، ما تزال الحركة النسوية تراهن على قوتها ومقدرتها أن تكون رمزًا لقوة التغيير. 

بعد الثورة الإسلامية أصدر الخميني مرسومًا يجبر النساء على ارتداء الحجاب في الأماكن العامة

وفي حديثه لـ (حفريات) يقول الباحث المصري المختص في الشؤون السياسية سامح مهدي: إنّ المرأة الإيرانية المتعلمة والمتمردة تهدد أسس الثيوقراطية. فنسبة الإناث في الجامعات تفوق الذكور (65% حسب إحصاءات 2021)، والأخطر أنّ كثيرات منهنّ يطالبن بحقوق مدنية. النظام يدرك أنّ تحرير المرأة يعني سقوط خطابه الأبوي، لذا يحاربها بـ "خطابات الضبط والمراقبة والعقاب"، فضلًا عن تصوير المحتجات كـ "عميلات للغرب".  

وضمن محاولات عديدة لفرض سياسات العقاب والإكراه، يقوم بتدشين القوانين التي تعطل من إمكانية تفوق المرأة وكسب حقوقها، أو البحث عن امتيازات اجتماعية وتشريعية وسياسية وحرياتها المختلفة، ومنها تزويج القاصرات أو منع السفر بدون إذن الزوج.  

وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية تقول: إنّ السلطات الإيرانية صعدت حملتها القمعية ضد مدافعات عن حقوق المرأة، وصحفيات ومغنيات، وغيرهن من الناشطات المطالبات بالمساواة، أو اللواتي يتحدين قوانين الحجاب الإلزامي، وذلك باستخدام الاحتجاز التعسفي والملاحقة القضائية الظالمة والجَلد، وحتى عقوبة الإعدام، في محاولة لقمع حركة حقوق المرأة في إيران.

ومنذ اليوم العالمي للمرأة في 8 آذار (مارس) اعتقلت السلطات الإيرانية تعسفًا ما لا يقلّ عن (5) ناشطات في مجال حقوق المرأة. وتأتي هذه الاعتقالات وسط حملة قمع مكثفة شملت استدعاء ناشطات في مجال حقوق المرأة وصحفيات للاستجواب، واعتقال مغنيات لتقديمهنّ عروضًا فنية من دون التقيد بارتداء الحجاب الإلزامي بالتزامن مع إغلاق حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الفترة التي سبقت اليوم العالمي للمرأة جلدت السلطات مغنيًا (74) جلدة لأدائه أغنية احتجاجية ضد قوانين الحجاب الإلزامي التمييزية في إيران، وفي شباط (فبراير) 2025 حكمت على ناشطة في مجال حقوق المرأة بالإعدام.

وقالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: "في أعقاب انتفاضة المرأة، الحياة، الحرية، في عام 2022، تعتبر السلطات الإيرانية أنّ تحدّي النساء والفتيات المطالبات بحقوقهن يشكّل تهديدًا وجوديًا للمنظومة السياسية والأمنية. وعوضًا عن التصدي للتمييز والعنف الممنهجَيْن ضد النساء والفتيات، فإنّهم يحاولون سحق حركة حقوق المرأة في إيران".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية