معنى أن نعيش في "دولة حزب الله"

معنى أن نعيش في "دولة حزب الله"


24/09/2020

حازم الأمين

انفجار ثانٍ في لبنان وقع في بلدة عين قانا الجنوبية. علينا ألا نرتاب! انفجار يشبه انفجار المرفأ في غموض أسبابه. المطلوب من اللبنانيين ألا يرتابوا وإلا يكونون خونة! أيعقل أن نرتاب بأسباب انفجار كبير لم يوضح لنا أحد أسباب وقوعه؟ أيعقل أن نفكر في أن لـ "حزب الله" مخازن أسلحة بين منازل السكان؟ ونحن إذ ندرك أن للحزب قواعد ومخازن أسلحة بين المنازل، علينا بدورنا ألا نتحفظ على هذه الحقيقة. ممنوع أن نتحفظ عليها، وممنوع أن نعلن خوفنا، وممنوع أن نجاهر بأي مشاعر حيال هذا الموت المحدق بنا.

هذا ما جرى فعلا في يوم الانفجار الثاني. وحدها وسائل التواصل الاجتماعي من تولى مهمة بث الريبة، وهي إذ فعلت ذلك، فمن باب تأكيد ما نحن به من فصام. فالخبر على هذه الوسائل أشبه بإشاعة، وأقرب إلى وهمٍ منه إلى حقيقة. صمت "حزب الله" كان أبلغ مما نقلته وسائل التواصل الاجتماعي من أخبار وصور وفيديوهات. صمت ترافق مع خبر عن أن الحزب يضرب طوقا أمنيا يمنع فيه وسائل الإعلام من الوصول إلى مكان الانفجار. صمت ترافق مع تصريح لمصدر "مسؤول" يكشف عن أن الانفجار ناجم عن مخلفات قذائف تركها العدو. الصمت مترافق مع قناعة بأن تحقيقا بهذا الانفجار لن يجري.

إنه العدو إذا، لكنه هذه المرة، وكل مرة، لم يبادر لاستهداف مركز للحزب، إنما خلف قذائف تم ركنها منذ سنوات طويلة في هذا المنزل في عين قانا. العدو اليوم لا يجرؤ على استهداف المقاومة. علينا اليوم أن نكون شديدي الاقتناع بهذه المعادلة، وإلا سنكون من الخونة، الذين وظفتهم السفارات في ماكينتها الإعلامية. في البداية كان علينا أن نقول الاشتباك بين الحزب وبين هذا العدو هو عدوان، أما اليوم فالخيانة هي أن نتوهم بأن العدو يجرؤ على أن يفعلها.

لقد حول "حزب الله" لبنان إلى ساحة من الوقائع الضمنية غير المفصح عنها. الرجل الواقف في ساحة عين قانا والذي اقترب من مراسل تلفزيوني بهدف التحدث إلى الكاميرا، قال: "لا أريد أن أتحدث عن الانفجار. لا أعرف تفاصيل ما جرى. ما أريد قوله إن الناس غير خائفة، وما جرى ليس مهما، ولا داعي لكل هذه الكاميرات". ما قاله الرجل هو استجابة حرفية لما هو مطلوب منا نحن اللبنانيين في ظل جمهورية "حزب الله". يجب ألا يثير انفجار كبير كالذي وقع في عين قانا ريبتنا. يجب أن نستيقظ في الصباح وكأن شيئا لم يحصل. يجب على وسائل الإعلام أن تقول إن الانفجار لا يعدو كونه قذائف خلفها العدو أثناء حرب العام 2006.

وهل الاستبداد غير ذلك؟ وهو هنا انتقل من كونه فعلا تؤديه السلطة إلى كونه ممارسة اجتماعية تشترك فيها شريحة واسعة قبلت بأن انفجارا لم يقع، وأن الناس غير خائفة، وأن علينا ننام على شكوكنا، وأن نبقيها بيننا وبين أنفسنا. الاستبداد هو أن ينجح "حزب الله" في انتزاع حقه في أن نصمت. حتى انفجار بيروت شبه النووي، يثير البحث في أسبابه ريبة موازية لريبة الرجل الواقف في ساحة عين قانا، ذلك أن البحث في الأسباب قد تقف خلفه شكوك بالمقاومة، أو باستهداف المقاومة. فالتفكير بأن المقاومة مستهدفة صار ينطوي على خيانة، فهو قد يؤدي بصاحبه إلى توهم أن السلاح يجر علينا مخاطر، وأنه سبب الانفجارات التي تجري بين منازلنا وهذه ذروة الخيانة أيها اللبنانيون.

الاستبداد يكتمل حين تنجح سلطة في تدجين الناس وتدريبهم على إشاحة وجوههم. الرجل في ساحة عين قانا خائف، وهو يعرف أن الجميع يرى خوفا على وجهه. السلطة بدورها غير مكترثة من حقيقة أن خوفا ظاهرا على وجهه. الأهم بالنسبة لها أن يقول ما قاله على شاشة التلفزيون. تماما مثلما غير مهم بالنسبة إليها أن يعتقد اللبنانيون أن الانفجار خلفه مخزن سلاح بين منازل السكان. الأهم هو أن يصمتوا.

تنسحب هذه المعادلة على كل وقائع حياتنا في ظل جمهورية السلاح. فأن يُصر الثنائي الشيعي ("حزب الله" و"حركة أمل") على أن يتولى وزير شيعي وزارة المال وأن يجري إجهاض المحاولة الفرنسية لإنقاذ لبنان بهذه الذريعة، فهذه ليست ممارسة مذهبية، وعلينا أن نعتقد أن هذا لا ينفي حقيقة أن نبيه بري يريد دولة مدنية، وأن "حزب الله" ليس حزبا طائفيا.

إنها مقومات العيش في دولة "حزب الله"، وهذه وقائع خبرها قبلنا من عاشوا في دولتي البعث في سوريا والعراق، ويختبرها اليوم من يعيش في جمهورية ولاية الفقيه. إنها "جمهورية تفاهم مار مخايل".

عن "الحرة"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية