معركة تطهير القضاء التونسي من الإخوان... هل نجح سعيد في الاختبار؟

معركة تطهير القضاء التونسي من الإخوان... هل نجح سعيد في الاختبار؟

معركة تطهير القضاء التونسي من الإخوان... هل نجح سعيد في الاختبار؟


30/05/2023

عكفت حركة النهضة الإخوانية على زراعة أذرعها الطويلة في كل الإدارات التونسية، بما في ذلك القضاء، على مدار الأعوام الـ (10) الأخيرة، للاستعانة بهم وقت الحاجة، وهو ما حدث بالفعل إذ ساهم هؤلاء في حماية "النهضة" من أيّ مساءلة، رغم تعدد الملفات التي يرد فيها اسم الحركة بالإدانة.

وهو ما عُدّ التحدي الأصعب أمام الرئيس قيس سعيّد، الذي يعمل منذ 25 تموز (يوليو) 2021 على تخليص البلاد من كابوس الإخوان، وقد شهد المرفق القضائي كثيراً من الإجراءات، دخل على إثرها مرحلة الملاحقة الفعلية لقيادات التيارات المتطرفة بقيادة حركة النهضة الإخوانية، وفتح ملفات عدد من القضايا التي تورط فيها سياسيون وإعلاميون ومدونون ورجال أعمال مرتبطون بحركة النهضة خلال فترة هيمنتها على مقاليد الحكم في البلاد، وذلك بعد تحرير جانب كبير منه من قبضة جماعة الإخوان.

وفي سياق عمليات التطهير والقطيعة مع العشرية الأخيرة، كان سعيّد قد قرر في حزيران (يونيو) 2022 إعفاء (57) قاضياً، باعتبارهم محسوبين على حركة النهضة الإخوانية، ويحمّل سعيّد بعض القضاة، وتحديداً المحسوبين على "النهضة"، مسؤولية تعطيل سير العدالة في بعض الملفات المهمة التي يحل فيها اسم الحركة بالإدانة.

هل يكسب سعيّد معركة استقلالية القضاء؟

وكان الرئيس التونسي قد شدد الثلاثاء على "ضرورة محاسبة كل من أجرم في حق الشعب ونهب مقدراته، وما زال يعمل على بث الفتنة وتأجيج الأوضاع الاجتماعية"، مؤكداً إيمانه العميق باستقلالية القضاء والقضاة.

وقال خلال لقاء مع وزيرة العدل ليلى جفال: "كما نريد ألّا يُظلم أحد، لا نريد أيضاً أن يبقى من ظلموا الشعب ونكّلوا به، وما زالوا في غيهم في افتعال الأزمة تلو الأزمة خارج المساءلة، في إطار محاكمات عادلة يعامل فيها الجميع على قدم المساواة".

أكد سعيّد مراراً احترامه استقلالية القضاء، مشدّداً على حرصه على استقلال القضاء

وأكد سعيّد مراراً احترامه استقلالية القضاء، مشدّداً على حرصه على استقلال القضاء، وعلى الدور الموكول للقضاة في إرساء العدل الذي من دونه لن يستقيم أيّ شيء، فضلاً على أنّ القضاء هو الحامي للحقوق والحريات".

كما حث سعيّد على "التسريع في سد الشغورات وإعداد مشروع الحركة القضائية بناء على ما ورد في الدستور من أحكام، إلى جانب النصوص الأخرى المتعلقة بأهم وظيفة داخل الدولة، وهي القضاء".

وينفي سياسيون مقربون من سعيّد "أن يكون القضاء في تونس غير مستقل، بل يواجه الضغوط للتسريع في المحاسبة باعتبارها مطلباً شعبياً"، معتبرين أنّ "القضاء تم توظيفه في العشرية الماضية، كما تم تخريب المنظومة القضائية، أمّا اليوم، فقد بدأ القضاء يتخلص من سيطرة الأحزاب السياسية التي وظفته لمصالحها الضيقة".

ساهم هؤلاء في حماية النهضة من أيّ مساءلة رغم تعدد الملفات التي يرد فيها اسم الحركة بالإدانة

لكنّ الجمعية التونسية للقضاة، جددت في بيان لها، إثر انعقاد المجلس الوطني للجمعية، في 27 أيار (مايو) الجاري، رفضها كل "الإجراءات التي استهدفت السلطة القضائية ونزعت منها صبغة السلطة المستقلة، وجعلتها مجرد وظيفة في تبعية كاملة للسلطة التنفيذية، بما يشل من قدرتها على حماية الحقوق والحريات، والاضطلاع بدورها في تأمين محاكمة عادلة".

ودعت جمعية القضاة إلى "إعادة بناء مقومات السلطة القضائية، ومؤسساتها المستقلة، ووضع الآليات الكفيلة بحماية القضاة من الضغوطات والتهديدات المتزايدة معبرة عن مساندتها القضاة المعفيين".

هذا، ولم تصدر الحركة القضائية لعام 2022 - 2023 حتى الآن، ممّا حرم القضاة من حقوقهم في النقلة والترقية المهنية، وهو ما اعتبرته الجمعية "سابقة خطرة".

وأعفى سعيّد عدداً من القضاة الذين تورطوا في "التستر وإخفاء ملفات تتعلق بقضايا إرهاب وفساد مالي، وتلقي رشاوى، واتهامات بغسيل أموال، وتحرش جنسي، وصولاً إلى حماية مجموعات إرهابية، وتسهيل فرار عدد من المطلوبين للمثول أمام العدالة".

وسبق أن أوقف القاضي المقرّب من حركة النهضة بشير العكرمي؛ بسبب تورطه في جرائم إرهابية، وخضع الطيب راشد، الرئيس الأول لمحكمة التعقيب للإقامة الجبرية، بعد شبهات الفساد والإرهاب التي لاحقته.

ويواجه قضاة آخرون في تونس تهماً بالتورط في مخالفة القانون، من أجل تقديم خدمات لحركة النهضة في تونس.

مؤشرات تطهير القضاء

وقد ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات عن انطلاق المحاسبة القانونية للمتورطين في الجرائم السياسية والمالية والأمنية، وشملت التحقيقات بخصوصها قيادات من حركة النهضة الإخوانية وعدداً من المنتمين لذراعها السياسية (ائتلاف الكرامة).

وفي الوقت نفسه يواجه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، القابع في السجن منذ 14 نيسان (أبريل) الماضي، التحقيقات في جملة من القضايا المرفوعة ضده، وآخرها تتعلق باتهامات له بالتحريض على إشعال حرب أهلية في البلاد، وحضّ التونسيين على حمل السلاح، فضلاً عن قضية أخرى اتُهم فيها بالتحريض ضد قوات الأمن بعد وصفه لهم بالطواغيت في أحد تصريحاته.

القضاء تم توظيفه في العشرية الماضية، كما تم تخريب المنظومة القضائية

كما تتواصل التحقيقات معه في قضايا أخرى متعلقة بغسيل أموال وتلقي تمويلات أجنبية لحزبه، والتورط في ملف الاغتيالات السياسية، وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر والإرهاب، دون اعتبار الإيقافات الأخيرة التي شملت عدداً مهمّاً من قيادات الإخوان، بينهم رؤساء ووزراء سابقون، بتهم تتعلق بالتآمر على أمن الدولة، والتحضير لانقلاب.

ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات عن انطلاق المحاسبة القانونية للمتورطين في الجرائم السياسية والمالية والأمنية، وشملت التحقيقات قيادات إخوانية

والقرارات الأخيرة التي أصدرها القضاء التونسي تأتي بعد قرارات لافتة، من بينها توقيف رئيس الحكومة السابق، نائب رئيس (حركة النهضة)، علي العريض، بسبب ملف تسفير التونسيين نحو بؤر التوتر خلال حكم الترويكا في الفترة الممتدة بين 2011 ـ 2013.

وتمّ بعد ذلك أيضاً توقيف القيادي السابق بالحركة عبد الكريم سليمان بتهمة غسيل الأموال، وهي قضية تقدِّر فيها السلطات القضائية الأموال بحوالي (30) مليون دولار.

قضاء النهضة؟

وخلال الأعوام التي سبقت قرارات سعيّد، اُطلق على القضاء التونسي "قضاء نور الدين البحيري"، إذ عمل وزير العدل السابق، القيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري الذي تسلّم منصبه بعد انتخابات عام 2011، على تحقيق الهيمنة على السلك القضائي، وفق شهادات عدد من المعنيين.

وقاد حينها عملية "تطهير" السلك القضائي الذي كان في أيام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، وأرسى قضاءً تابعاً للنهضة من خلال فصل (82) قاضياً، ممّا جعل السلطة القضائية تعاني أزمة استقلالية، وانقسم الجسم القضائي في ذلك الوقت بين موالٍ للنهضة أو مستقلّ عنها، فيتم إبعاده.

مواضيع ذات صلة:

كلما ضاق الخناق لجؤوا إلى الخارج... لمن توجّه إخوان تونس هذه المرة؟

"خبز وماء وبن علي لا"... آخر شعارات الثورة التونسية التي أجهضها الإخوان



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية