معاريف: قطر ومصر لاعبان رئيسان في إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

معاريف: قطر ومصر لاعبان رئيسان في إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي


كاتب ومترجم فلسطيني‎
23/11/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

منذ سنوات طويلة تلعب الأمم المتحدة دوراً رئيساً في التواصل مع الحكومات الإسرائيلية، خاصة بالتوسط مع أعدائها في مناطق الصراع، فعمل مبعوثي الأمم المتحدة سابقاً في التوسط بين إسرائيل وحزب الله، كما تركّزت معظم مهام المبعوثين خلال الفترة القليلة الماضية حول التوسّط مع حماس في غزة، وحظيت جهود المبعوثين بتقدير كبير من قبل جميع الأطراف، فالعديد من المهام الأخرى كان مبعوثو الأمم المتحدة مكلفين بها في المنطقة، منها: زيادة رأس المال من أجل الاحتياجات الإنسانية خاصة في دعم سكان غزة، كما حصلت الأمم المتحدة، عام 2014، على نصف مليار دولار من الدول المانحة من أجل إعادة إعمار قطاع غزة، عندما وافقت إسرائيل على نقل الإسمنت لإعادة تأهيل المنازل المتضررة، وراقبت في الأثناء الأمم المتحدة استقباله عند حاجز إيرز الإسرائيلي، وعرفت كيفية توزيعه فقط على أولئك الذين دمّرت منازلهم أو تضررت، ومنعت وصوله إلى الجناح العسكري لحماس تحسباً من استخدامه في ترميم الأنفاق الأرضية، الآن وفي ظلّ الغياب الواضح لدور الأمم المتحدة عن المنطقة الإقليمية، تجد إسرائيل نفسها تحت رحمة قطر ومصر. بالنسبة إلى دولة قطر فلا تعدّها إسرائيل صديقة لها، بل صاحبة مزاج، وعندما تتطلب مصلحتها الانفصال ستدير ظهرها لإسرائيل وكأنّ شيئاً لم يكن، أما عن دور مصر؛ فإسرائيل ترى أنّ مهمتها الأساسية هي صنع السلام دون الحصول على مقابل.

دور مبعوثي الأمم المتحدة معقّد

يقدّر سياسيون إسرائيليون، بالتزامن مع تراجع دور الأمم المتحدة في الصراع الإسرائيلي مع غزة، فتح المجال أمام وسطاء آخرون كبديل عن الأمم المتحدة؛ فهناك مبعوثون دوليون كثيرون في الحقيقة لا يحتاجون، أو يرغبون، في فتح علاقات مع الإسرائيليين، كان معظم مبعوثي الأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط من الدبلوماسيين الدوليين وذوي الكفاءة العالية، ومن يتواصل معهم من أصحاب القرار في القيادة الأمنية والسياسية في إسرائيل يعرف أنّ دورهم معقّد ويتطلب الاستماع المستمر إلى كلّ طرف من الأطراف المتنازعة؛ حيث يجب على المبعوث الخاص بالأمم المتحدة التعرّف إلى المشاكل المتنوعة لكلّ طرف في النزاع، لكن في الفترة الأخيرة اتّخذت إسرائيل خطوات ضدّ عمل الأمم المتحدة في المنطقة الإقليمية؛ حيث أقدمت إسرائيل قبل سنوات على توجيه الضغط والانتقاد من قبل المواطنين الأمريكيين ضدّ جهود الأمم المتحدة، من خلال دعوتهم إلى تشكيل مبادرة تطالبهم من خلالها بالخروج ضدّ منظمة الأمم المتحدة التي يتواجد مقرّها الرئيس في ولاية نيويورك، ما يعني أنّ إسرائيل تشنّ حملة إعلامية قاسية ضدّ المنظمة الدولية، وحاولت إسرائيل استغلال الإدارة الأمريكية السابقة التي تبدي رضاها عن إجراء تغيير جوهري، ومراجعة لحجم التمويل المالي الذي تحصل عليه المنظمة الدولية، مثل: تقليص الدعم المقدم إلى الأونروا واليونسكو، إلى جانب أنّ هناك ملايين الدولارات يتم نقلها سنوياً إلى وكالات تابعة للأمم المتحدة وتموّل بعض منها الإرهاب، فالخطوة الإسرائيلية تقوم على خروج المواطنين الأمريكيين إلى الشوارع، لإبداء الاحتجاج والتذمّر من حالة الإنفاق والتبذير للأموال والموازنات المالية على وكالات الأمم المتحدة.

ينتاب إسرائيل قلق من تراجع دور الأمم المتحدة في غزة، ما يعني إفساح المجال أمام تنامي دور الجهات الأخرى، مثل مصر وقطر وحركة حماس

 منذ تلك الخطوة وحتى اليوم لم تهدأ إسرائيل؛ فقد جاء تصنيف وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، لستة منظمات للجبهة الشعبية بأنّها منظمات إرهابية، وبعض من هذه المنظمات تعمل في مجال العمل الخيري، تعمدت إسرائيل بعد جمع معلومات استخبارية عن هذه المنظمات نقل المعلومات إلى كثير من دول أوروبا، بعضها دعمت هذه المنظمات اقتصادياً، وكذلك للإدارة الأمريكية، لكنّ الخارجية الأمريكية لم تأخذ بخطوات إسرائيل كثيراً، بل طلبت إيضاحات حول الموضوع، في حين اتّهم يساريون إسرائيل بالتنكيل بمؤسسات حقوق الإنسان وبمنظمات اجتماعية وبأعمال خيرية بشكل عام.

دور الأمم المتحدة آخذ بالتراجع

اليوم، وبعد غياب هذا الدور من قبل الأمم المتحدة، أصبحت قطر ومصر فعلياً لاعبين رئيسَين في قضايا الخلاف القائمة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، أما بالنسبة للأمم المتحدة؛ فهي كانت تلعب دوراً محورياً في أيّ تحرّك سياسي، أو اتصال مهم بين إسرائيل وغزة أو السلطة الفلسطينية، ويبدو أنّ موقف الأمم المتحدة آخذ في الضعف بلا عودة في الوقت الحالي، وربما قد ينسحب هذا الدور مع وجود بدائل مؤثرة، فاستبعاد المبعوث الأممي كطرف في اتفاق حل مشكلة قطاع غزة في أعقاب التصعيد الأخير في الجنوب، يعزز وجود السفير القطري، محمد العمادي، الذي أصبح مؤخراً محبباً للقيادة السياسية في إسرائيل من جهة، ومحبوباً أيضاً من جانب حماس، التي ينقل إليها حقائب الدولارات شهرياً، وهذا التدخل من قبل قطر يحظى بقبول من السلطة الفلسطينية أيضاً، خاصة فيما يتعلق باتصالاتهم مع الولايات المتحدة وإسرائيل؛ إذ إنّ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، اعتاد أن يرى الأمم المتحدة شريكة في كلّ خطوة سياسية في المنطقة، لكنّه يتجاهل وجودها هذه الأيام، ويفضّل تنمية علاقاته والتقرب من قطر ومصر بشكل أكبر، فالقراءة الإسرائيلية تتحدث عن أنّ المصالحة الجديدة بين مصر وقطر ستمهد الطريق للهدوء الحالي الذي يسود قطاع غزة؛ حيث ستدفع قطر لمصر ملايين الدولارات شهرياً، في المقابل سينقل المصريون الوقود لإدارة حركة حماس، وتمّ التوقيع على الاتفاقية دون تدخّل إسرائيلي، ودون دور من الأمم المتحدة، لكن ترى إسرائيل أنّ الاتفاقية التي تم توقيعها بين مصر وقطر وحدهما دون تدخل إسرائيلي ودون مشاركة من الأمم المتحدة دعم قطري طويل الأمد لأضلع جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من المنظمات الإرهابية في قطاع غزة، التي يراها النظام المصري عدوّته.

لا بديل عن دور قطر ومصر

وبهذا لا يوجد مخرج أمام إسرائيل إلا القبول بقطر ومصر كوسطاء حاليّين، بسبب غياب الدور الأممي عن الأوضاع في الساحة الفلسطينية، وعدم رغبة أيّ طرف دولي بالتوسط في النزاع القائم، وحماس، هي الأخرى، بدأ ينفذ صبرها من ممثلي الأمم المتحدة؛ فبعد شهر من انتهاء جولة التصعيد في قطاع غزة، في أيار (مايو) الماضي، استقبل زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، وخرج السنوار للصحفيين الذين كانوا ينتظرونه عند مغادرته الاجتماع، وتحدث إليهم عن أنّ الاجتماع كان سيئاً جداً، غضب حماس ما يزال قائماً مع مرور الأيام؛ لأنّها تعتقد أنّ الأمم المتحدة في حاجة إلى اتخاذ موقف أكثر فاعلية بشأن إعادة إعمار غزة، لكن في الوقت الذي تسبّبت فيه السياسة الإسرائيلية بإعاقة تنفيذ التفاهمات الإنسانية المبرمة مع الفصائل الفلسطينية، عقب وقف المظاهرات على حدود قطاع غزة، فإن مستوى التوتر ما يزال مهيَّأ لتصاعده مجدداً في القطاع. اللافت هنا؛ أنّ التقييمات الإسرائيلية تتحدث عن تدهور متسارع لدور الأمم المتحدة في النزاع المتجدد في غزة، كما أنّ إسرائيل باتت تبدي لامبالاة تجاه دور الأمم المتحدة، وكلّ ذلك يعني أنّ مكانة الأمم المتحدة كوسيط في المنطقة آخذة في التدهور في الآونة الأخيرة، في المقابل ينتاب إسرائيل قلق من تراجع دور الأمم المتحدة في غزة، ما يعني إفساح المجال أمام تنامي دور الجهات الأخرى، مثل مصر وقطر وحركة حماس، ورغم ما تلعبه السلطة الفلسطينية، مع إسرائيل والأمم المتحدة، من دور لإضعاف دور حماس من خلال ما تقوم به وراء الكواليس، ما سيتيح لحماس أن تلعب دوراً أكثر جدّية في إعادة تأهيل قطاع غزة، كما أنّ المعطيات الإسرائيلية تشير إلى أنّ بوادر المصالحة القريبة بين مصر وقطر، ستخدم طموحات حماس وتمهّد الطريق لهدوء في قطاع غزة.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.maariv.co.il/journalists/Article-875562




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية