تستهدف الحكومة المصرية تنفيذ اعتماد كلي على الطاقة الكهربائية النظيفة الناتجة عن إعادة تدوير المخلفات، في إطار برنامج التنمية المستدامة الذي تنفذه الدولة بتوجيهات رئاسية ويستمر حتى عام 2030، وحتى الآن نجحت الحكومة في تدشين منظومة متكاملة لإنتاج الطاقة من مخلفات القمامة التي كانت في السابق تمثل العبء الكبير على البيئة خاصة داخل المحافظات المكتظة بالسكان مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية، وتستمر عملية التنفيذ الفعلي للمشروع بعدد من المحافظات الأخرى، وفق ما أعلنت عنه الحكومة.
وفي سياق الإجراءات التحضيرية للمشروع، عقدت وزارتا الإنتاج الحربي والبيئة مطلع كانون الأول (ديسمبر) الجاري اجتماعاً للوقوف حول المستجدات، أكد خلاله وزير الإنتاج الحربي المصري محمد صلاح أنّ بلاده تستهدف من خلال المشروع تحويل المخلفات بطاقة (1200) طن يومياً إلى طاقة كهربائية بقوة (30) ميغاواط في الساعة، من خلال مشروع محطة أبو رواش لتحويل المخلفات إلى طاقة.
ومن جانبها، أكدت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد أهمية مشروعات تحويل المخلفات إلى كهرباء، بهدف خلق بيئة صحية ونظيفة وتحقيق عائد اقتصادي وإنتاج طاقة كهربائية صالحة للاستخدام.
ويأتي مشروع تحويل المخلفات إلى طاقة كهربائية بمنطقة أبو رواش تنفيذاً لتوجيهات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بشأن ضرورة رفع كفاءة منظومة المخلفات البلدية والتغلب على مشاكل تراكم المخلفات والتخلص الآمن منها، واتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على البيئة من خلال منظومة جديدة للإدارة المتكاملة للمخلفات.
النفايات من أزمة إلى فرصة
يرى الباحث المصري المختص بشؤون الطاقة والنفط أحمد سلطان أنّ الحكومة المصرية من خلال تنفيذ مشروع تدوير النفايات، فهي تعمل على تحويل الأزمة المتفاقمة في المجتمع منذ أعوام إلى فرصة عظيمة لخدمة مجالات البيئة والطاقة.
ويقول سلطان في دراسة منشورة بموقع المرصد التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية تحت عنوان: "المخلفات في مصر من أزمة إلى ثروة مستغلة": إنّ المشروع الذي يتم تنفيذه بجهود مشتركة بين (4) وزارات، هي البيئة والإنتاج الحربي والتنمية المحلية والكهرباء، يستهدف تحويل المخلفات التي كانت تمثل مشكلة مزمنة بالشارع المصري لعصور طويلة إلى مصدر مهم للطاقة الكهربائية، وذلك تماشياً مع التوجه المصري للعمل على إيجاد بدائل لدعم منظومة الطاقة المصرية ببدائل متجددة أخرى نظيفة لا تضر بالبيئة وحياة الإنسان.
ويشير إلى أنّ مشروعات إدارة النفايات في مصر تمثل جزءاً كبيراً من الجهود المبذولة من أجل الحفاظ على البيئة بالإضافة إلى تعظيم الموارد المتاحة.
ما حدود الدعم الحكومي في مجال الاسثتمار البيئي؟
بحسب سلطان، تسعى الحكومة المصرية إلى جذب العديد من الاستثمارات في تلك الصناعة الاستراتيجية، حيث إنّها تجذب استثمارات أكثر من حوالي مليار دولار في مجال تدوير المخلفات لإنتاج الكهرباء، فضلاً عن استثمارات مباشرة تتراوح من (17) إلى (18) مليار جنيه مطروحة أمام القطاع الخاص، للدخول وتقديم هذه الخدمة وتحقيق عائدات على استثماراته.
ويرى سلطان أنّ الأطنان الضخمة من النفايات والمخلفات لم تعد تُمثل مشكلة في مصر، بل أصبحت ذات قيمة اقتصادية مضافة، وذلك عن طريق إدارة شاملة لملف النفايات.
باحث في شؤون الطاقة: تستهدف الحكومة المصرية جذب استثمارات أكثر من حوالي مليار دولار في مجال تدوير المخلفات لإنتاج الكهرباء، فضلاً عن استثمارات مباشرة تتراوح من 17 إلى 18 مليار جنيه مطروحة أمام القطاع الخاص للدخول وتقديم هذه الخدمة وتحقيق عائدات على استثماراته
وفي السياق ذاته، يشير سلطان إلى أنّ أكبر مصدر للمخلفات الصلبة في مصر منذ أكثر من (30) عاماً تمثل في المخلفات البلدية أو القمامة المتولدة من القطاع السكني والقطاع التجاري والمحال التجارية وكافة الأنشطة الإنسانية، حيث بلغ حجم المتولد طبقاً لآخر حصر فعلي ما لا يقل عن (26) مليون طن سنوياً من المخلفات الصلبة.
ويشير إلى أنّ ما يتم تدويره كان لا يتعدى نسبة (20%)، حيث إنّ مخلفات البلدية الصلبة هي في الأساس النفايات المجمعة من البلديات متمثلة في نفايات سكنية، وتجارية، وقمامة من الشوارع، ومحتويات حاويات النفايات وتنظيف الأسواق.
ما أهمية المشروعات البيئية لمصر؟
وفق سلطان، تُعدّ مشروعات إدارة النفايات الشاملة، أو فيما يخص مسألة تحويلها إلى طاقة، بمثابة مشروعات قومية يتحقق من خلالها كافة الأبعاد للمشروع الناجح، وهي البعد الاقتصادي والبيئي والاجتماعي، بالإضافة إلى الجانب السياحي.
ولعلّ أبرز منافع تلك المشروعات يتمثل في العمل على خلق بيئة صحية ونظيفة، تعمل على تعزيز الأمن المناخي، وإنتاج كهرباء صالحة للاستخدام بأشكالها المختلفة.
كذلك تخفيض حجم المخلفات التي يتم دفنها في المدافن الصحية، حيث إنّه سيتم توصيل المخلفات إلى بوابات منشأة المعالجة بأنواعها، لكي نصل إلى أنّ ما يتم إخراجه من مخلفات كميات لا تتجاوز حوالي (25%) من إجمالي المخلفات التي يتم تدويرها يتم توجيهه للمدافن الآمنة، ممّا سيحقق توفيراً في الأراضي المحولة لمدافن آمنة، وكان يتم دفن أكثر من حوالي (80%) من المخلفات التي يتم جمعها، وتهدف تلك المشروعات إلى خفضها لتصل إلى حوالي (20%) فقط.
وزير الإنتاج الحربي المصري محمد صلاح: مصر تستهدف من خلال المشروع تحويل المخلفات بطاقة (1200) طن يومياً إلى طاقة كهربائية بقوة (30) ميغاواط في الساعة، من خلال مشروع محطة أبو رواش لتحويل المخلفات إلى طاقة
بالإضافة إلى فوائد أخرى تتعلق بدعم صحة المواطن، وخلق فرص عمل، وتعزيز آليات الاعتماد على الطاقة المستدامة، ودعم البيئة النظيفة، وتوفير قطاعات جديدة لدعم القطاع الخاص، والمساهمة في زيادة الناتج المحلي.
مقترحات لتحقيق استفادة قصوى من المشروع
يطرح الباحث في نهاية دراسته مجموعة من المقترحات من شأنها تعزيز الاستفادة من المشروع للحد الأقصى.
ويرى الباحث أنّ أزمة المخلفات تبدأ بالمواطن المصري وتصرّفه، والدولة وحدها لن تستطيع القضاء عليها، ولذلك يجب العمل على تحفيز المواطن عن طريق مبادرات وعروض قوية مقابل المساعدة في تصنيف تلك المخلفات الناتجة، لأنّ مرحلة الجمع من أصعب مراحل إدارة المخلفات.
ويشدد سلطان على ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي من خلال الدراسات الفنية لكي يتم التغلب على التحديات في تلك الصناعة.
ويؤكد على أهمية ألّا يقتصر النظر إلى الاقتران بين إدارة المخلفات وإنتاج الكهرباء منها على التقلبات في مسألة العرض، ولكن يجب أن يشتمل على توافر البنية التحتية لتلك العمليات.
ويقترح إطلاق حملة إعلامية موسعة تهدف إلى رفع الوعي البيئي للمواطن، مع التأكيد على الأهمية الاستراتيجية لتلك المخلفات وعمليات تحويلها إلى طاقة من الممكن استغلالها.
ويؤكد أيضاً على ضرورة العمل على تقديم العديد من الحوافز المالية للقطاع الخاص، لكي تصبح تلك الصناعة أكثر ربحية للقطاع الخاص.