مسودة دستور تونس الجديد بين يدي قيس سعيد... هل باب التعديل مفتوح؟

مسودة دستور تونس الجديد بين يدي قيس سعيد... هل باب التعديل مفتوح؟


21/06/2022

بعد شهر من تعيينه رئيساً منسقاً للهيئة الوطنية الاستشارية المكلفة بصياغة مشروع دستور جديد، سلّم أستاذ القانون الصادق بلعيد مساء أمس الرئيس التونسي قيس سعيّد مسودة مشروع الدستور الذي تم إعداده في إطار الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة.

جاء ذلك خلال استقبال سعيّد لبلعيد في قصر قرطاج مساء أمس، في لقاء وصفته الرئاسة التونسية، في بيان على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بأنّه يمثل "فرصة" للتداول بشأن جملة من المفاهيم والأفكار الجديدة، فضلاً عن التطرق إلى مجريات الحوار في الفترة الماضية وما شهده من تبادل لوجهات نظر متعدّدة.

 وفي 20 أيار (مايو) الماضي، عيّن الرئيس سعيّد أستاذ القانون بلعيد رئيساً منسقاً للهيئة الوطنية الاستشارية المكلفة بصياغة مشروع دستور جديد.

وقد دعم بلعيد مشروع سعيّد لإنقاذ تونس من حركة النهضة بعد عشرية يصفها معارضو الحركة بـ"السوداء"، وسط تقارير غير رسمية أنّ بلعيد كان من بين مهندسي إجراءات 25 تموز (يوليو) 2021 التي أدت إلى حلّ البرلمان الذي تسيطر عليه الحركة الإخوانية، وإقالة الحكومة المتحالفة معها.

قابل للمراجعة

وسط العديد من الاعتراضات على عدد من المواد الدستورية، ولا سيّما تلك المتعلقة بالهوية الدينية للدولة التونسية، أكّد سعيّد على أنّ "مشروع الدستور ليس نهائياً، وعلى أنّ بعض فصوله قابل للمراجعة والمزيد من التفكير".

 
لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد مع العميد الصادق بلعيد

لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيد مع العميد الصادق بلعيد

Posted by ‎Présidence Tunisie رئاسة الجمهورية التونسية‎ on Monday, June 20, 2022

وتأتي تصريحات سعيّد وسط جدل محتدم أثارته تصريحات بلعيد في 7 حزيران (يونيو) الجاري حول محو الهوية الدينية للدولة التونسية، لإغلاق الباب الدستوري في وجه حركة النهضة الإخوانية وعودتها إلى المشهد السياسي من أيّ بوابة دينية.

وقال بلعيد: إنّه سيعرض على الرئيس التونسي مسودة لدستور "لن تتضمن ذكر الإسلام كدين للدولة، بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة"؛ الأمر الذي أزعج على ما يبدو الأحزاب الإسلاموية وحركة النهضة وعناصرها، وفجّر موجة من الاتهامات ضد بلعيد، وصلت إلى اتهامه بـ"الكفر".

مزايا الدستور الجديد

لم يكن الهدف من تغيير الدستور التونسي التخلص فقط من نسخة رديئة صيغت خصيصاً لخدمة أغراض جماعة معينة، بل أيضاً لمعالجة عواره الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، فقد قال بلعيد، في حوار مع "يورو نيوز" الخميس الماضي: إنّ "ميزة الدستور الجديد هي التركيز على مسائل جديدة، لم يتم التطرق إليها في الدساتير السابقة، وكانت مهمّشة، وهي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وبشكل خاص الرقمنة والشباب."

 

سلّم أستاذ القانون الصادق بلعيد أمس الرئيس التونسي مسودة مشروع الدستور الذي تم إعداده من أجل جمهورية جديدة

 

وأوضح أنّ الوضع الحالي في البلاد وخاصة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد حتمت تغيير الدستور، مضيفاً: "الهدف من اتخاذ مثل هذه الخطوة في هذه الفترة هو الخروج من جميع الأزمات التي نعيشها... إنّ مقاربتنا براغماتية تقوم على تشخيص الأزمة وإيجاد الحلول".

وحول الفصول التي كانت تمثل إشكالاً، والتي عطلت العمل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، قال بلعيد: إنّ "نص الدستور القديم لم يسمح بالتعاون والتفاعل بين السلطة، وكان العطل منذ الدساتير القديمة وكثرة الأحزاب، إضافة إلى النص الفاسد داخل الدستور، هي التي خلقت هذه العلّة"، وفق تعبيره.

تجنب التأويل

منذ بدأ بلعيد مهمته في صياغة دستور جديد، بدت حركة النهضة وغيرها من المتربحين من عوار وثغرات الدستور الحالي لتونس متربصين بالتأويل والتفسيرات المغلوطة، لتكون لهم بمثابة نقطة انطلاق جديدة للعودة إلى المشهد السياسي التونسي، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار تونس.

وفي هذا الشأن، قال بلعيد: إنّه يتمّ العمل على تجنب سوء الفهم والتأويل لفصول الدستور الجديدة، وذلك في إشارة إلى تصريحه السابق بخصوص أنّ الرئيس سيكون موظفاً لدى الدولة، وأنّه لن يكون هناك كلمة سلطة تنفيذية أو سلطة تشريعية، مبيّناً أنّ "المقصود بمصطلح سلطة يحيلنا على كلمة سلطان أو دكتاتور، في حين أنّ الرئيس مكلف بمهمة. أمّا بالنسبة إلى البرلمان، فهو ليس سلطة، وإنّما يستمد وجوده من تكليف الشعب له، الذي يبقى هو صاحب السلطة الأصلي"، وفق تعبيره.

بلعيد: ميزة الدستور الجديد هي التركيز على مسائل جديدة، لم يتم التطرق إليها في الدساتير السابقة

وأشار بلعيد إلى أنّ ما طُلب منه هو تقديم كتيب (الدستور)، وليس تقديم ضمانات قانونية ودستورية تحول دون حصول تزوير في الاستفتاء، وتابع: "مهمتي هي تحضير مسودة الدستور، وما سيجري في ما بعد لا يمكن أن يحكم عليه الحقوقيون، هذا الأمر سياسي".

 

أكّد سعيّد على أنّ مشروع الدستور ليس نهائياً، وعلى أنّ بعض فصوله قابلة للمراجعة والمزيد من التفكير

 

واستدرك: "إنّ مسألة التزوير موجودة في كلّ البلدان، حتى في البلدان المتقدمة. هناك لجان دولية أشرفت على انتخابات سابقة في تونس، مثل "لجنة البندقية"، التي أقرت بسلامة الانتخابات السابقة وأشرفت عليها، ولكن اكتشفنا أنّها مزورة، ووقعت فيها خروقات عدة".

الهوية الدينية

بعد نحو أسبوعين من الجدل حول ما أثاره بلعيد من محو الهوية الدينية لإغلاق الباب الدستوري في وجه حركة النهضة وعودتها إلى المشهد السياسي من أيّ بوابة دينية، اعتبر بلعيد، في حواره مع "يورو نيوز" أنّ ذكر الدين في الفصل الأول من الدستور ليس مسألة مصيرية من حيث تنظيم السلطة في البلاد، وهذا الفصل له تبريرات، وجاء لفضّ الجدال في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بين التقدميين والمحافظين، مضيفاً: "المسألة الدينية موجودة في توطئة دستور (59)، وفي التحوير العميق لدستور (76)، وفي دستور 2014، الذي فيه تأكيد على إسلامية الشعب التونسي، والواجبات الإسلامية تهم علاقة الفرد بالإله، وليست تطبيقاً للفصل الأول من الدستور، فلا اختلاف على أنّ التونسيين مسلمون".

 

تأتي تصريحات سعيّد وسط جدل محتدم أثارته تصريحات بلعيد في 7 حزيران الجاري حول محو الهوية الدينية للدولة التونسية

 

ونفى الصادق بلعيد تلقيه تعليمات من رئيس الجمهورية قيس سعيّد حول حذف المرجعية الدينية من الدستور، نافياً أن يكون الدستور الجديد "مفصلاً على مقاس الرئيس".

وقال: "أؤكد لكم من جانبي أنّني لم أتلقّ تعليمات من رئيس الجمهورية، بل تركني أنا وضميري، وسأبقى على هذا الدرب حتى نهاية هذه المهمّة".

دستور 2014

على الرغم من الهجوم المسبق عليه واتهامه بنسف مكتسبات دستور النهضة، كشف بلعيد أنّه سيتم الاستئناس بالعديد من المبادئ الموجودة في الدساتير السابقة وإدراجها في الدستور الجديد، وسيتم اختيار أفضل المبادئ في هذه الدساتير، وستتم الاستعانة بالفصول المتعلقة بالحقوق والحريات في دستور 2014، والتنصيص على القسم الأكبر منها في الدستور الجديد.

وشدّد على أهمية إدراج فصل خاص بإحداث المجلس الاستشاري الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والبيئي، "لأنّه يلعب دوراً مهمّاً جداً، فهو يتقبل طلبات الشعب، وفي الوقت نفسه يبتكر الحلول الملائمة ويقدّمها للبرلمان، ويصيغها في شكل قوانين".

وفي سياق متّصل، وحول طبيعة نظام الحكم في الدستور الجديد، قال الصادق بلعيد: إنّ المطلوب هو نظام متوازن ومستقر وقادر على تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وليس مهمّاً تسمية النظام إن كان برلمانياً أو رئاسياً، وإنّما المهم التقدّم بالبلاد في ظلّ توازن وتنسيق بين جميع الأطراف.

مواضيع ذات صلة:

قضاة تونس المعزولون: فاسدون مرتبطون بالإخوان أم ضحايا قرار فرديّ؟

التمويل الخارجي لحركة النهضة الإخوانية تحت مجهر العدالة التونسية.. ما الجديد؟

الاتحاد التونسي للشغل يعلن إضراباً عاماً.. فهل خانه اختيار التوقيت؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية