مراكز الحوثيين الصيفية.. تجييش طائفي وأكبر أماكن تجنيد للأطفال في العالم

أكبر مراكز تجنيد للأطفال في العالم

مراكز الحوثيين الصيفية.. تجييش طائفي وأكبر أماكن تجنيد للأطفال في العالم


11/05/2023

منذ انقلاب الحوثيين واستيلائهم على صنعاء ومدن يمنية أخرى، وهم يسعون لتغيير تدريجي للهوية اليمنية على مستويات عدة؛ تأتي في مقدمتها تغيير الهوية المذهبية إلى المذهب الشيعي المتطرف، بعد أن كانت اليمن تنعم اجتماعياً بتنوع مذهبي وسطي يتعايش فيها الجميع دون حزازات أو ضغائن.

برمجة نظرية وعملية

إحدى وسائل ذلك التغيير التي يعتمدها الحوثيون هي المناهج التعليمية، فقد عمدوا إلى تغيير محتوى بعض المناهج بما يتوافق مع إيديولوجيا جماعة الحوثيين، وخاصة الترويج لما يسمّونه الجهاد في سبيل الله؛ لإغراء التلاميذ للانضمام إلى جبهات القتال. وقد وصل المحتوى العقائدي إلى مادة الرياضيات من خلال أمثلة تضع "المجاهدين" وخصومهم "الكفار" في عمليات حسابية؛ فيتعلم الطالب الحساب وفي الوقت نفسه يخبرونه أنّ المجاهدين هم "أنصار الله" ومن والاهم، والكفار هم كل ما عداهم! المدارس بهذا المحتوى تُعدّ مراكز تدريب وتجنيد نظري، وربما لا يقلّ خطرها عن المراكز الصيفية.

ثمّة وسيلة أخرى توازي تغيير المناهج، وهي المراكز الصيفية. هنا يقترن التعليم النظري بتعليم عملي على استعمال السلاح وتنظيفه وكيفية التعامل مع الغارات الجوية، إلى غيرها من أساليب القتال والحروب التي أخرجت المخيمات الصيفية من طبيعتها المعروفة كوسيلة تعليمية للأنشطة والبرامج السلمية الحياتية إلى كونها مراكز تدريب عسكرية. التحضيرات والاستعدادات التي يقوم بها الحوثيون مع اقتراب الإجازة الصيفية تشي بذلك، إضافة إلى ما يعبّر عنه الأهالي من مخاوف، وما تنشره المنظمات من نتائج خطيرة وأخرى متوقعة من هذه المخيمات.

معسكرات تدريب عسكرية لتجنيد الأطفال والقتال وغرس إيديولوجية الحوثيين الحربية

بحسب أولياء أمور وتربويين، فإنّ هذه المراكز أقرب إلى المعسكرات؛ فالأطفال لا يغادرونها لفترات طويلة، "ويتضمن برنامجها تدريباً عسكرياً، وتعبئة مذهبية وطائفية ترى اليمنيين هدفاً مشروعاً للقتل، لرفض أغلبهم الاعتراف بما يُسمّى ولاية آل البيت". والأمر هنا لا يقتصر على تكهنات أو مبالغات؛ ففي شباط (فبراير) 2021، نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وكذلك منظمة سام للحقوق والحريات، تقريراً بعنوان "طفولة عسكرية"، تمّت الإشارة فيه إلى أنّ "الحوثيين جنّدوا أكثر من (10) آلاف طفل منذ 2014، وحوّلوا المدارس والمؤسسات التعليمية إلى معسكرات تدريب عسكرية لتجنيد الأطفال والقتال وغرس إيديولوجية الحوثيين الحربية".

الأسلوب الذي ينتهجه الحوثيون يشبه ذلك الذي يتبعه العديد من الجماعات والتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش

الأسلوب الذي ينتهجه الحوثيون يشبه ذلك الذي يتبعه العديد من الجماعات والتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش. وفقاً لمصادر تربوية حوثية، فقد "حددت الميليشيات مطلع تموز (يوليو) المقبل موعداً لانطلاق مراكزها الصيفية، وستستمر الأنشطة على مدى (40) يوماً متواصلة". وسيشرف على المخيمات آلاف المشرفين. ويتضح من حجم التجهيزات أنّ المخيمات "ستكون معسكرات صيفية، وليست مراكز صيفية لطلاب مدارس صغار سن وشباب مراهقين".

بالطبع، الحوثيون يعطون صورة مثالية لمراكزهم الصيفية، فهم يصفونها بأنّها مراكز للتعليم والتدريب والحصانة من "الثقافات الزائفة". لكنّ الحقيقة التي لم تعد خافية هي أنّ هذه المخيمات تعيد برمجة عقول الأطفال، "ليخرجوا جاهزين للاستشهاد دفاعاً عن الوصي والولي".

المكتوب على السبورة يظهر نوعية التعليم الحوثي في المراكز الصيفية

وقد بات الناس يعرفون ماذا يحدث داخل تلك المخيمات، وماذا يقال لأبنائهم، يعرفون هذا من خلال أعداد المجندين الأطفال خلال الأعوام السابقة، ومن خلال مئات الأطفال الذين اعتقلتهم قوات الشرعية في جبهات القتال. ومن خلال ما يقال لهم طوال العام الدراسي في المدارس ومحتوى المناهج الدراسية. وهي الرسالة نفسها التي تتكرر منذ أعوام من منابر عدة: جوامع وقنوات تلفزيونية وإذاعات...، حتى أنّ أتباعهم يتسللون إلى مجالس تجمعات الأهالي، وبعد اختلاطهم بالحاضرين يرفعون قبضاتهم ويصدعون بالصرخة الحوثية التي تبشر بالنصر مرة وبالموت ثلاث مرات.

في الأخير يخرج الأطفال والفتيان من تلك المخيمات وهم يؤدون الصرخة الحوثية المعروفة، ويتغنون بالزوامل (أناشيد شعبية حماسية تمجد الموت في الغالب)، ويربطون بين الرجولة والبطولة واستعمال السلاح، وبمزيد من الإغراءات المادية يصبح إقناعهم بالانضمام إلى جبهات القتال سهلاً للغاية.

جيش احتياطي

أعلنت مصادر عدة، من بينها مصادر إعلامية حوثية، عن عدد التلاميذ الذين تم تسجيلهم للانضمام للمراكز الصيفة: مليون ونصف مليون تلميذ، أغلبهم من الأطفال والمراهقين. ويمكن النظر إلى عدد من تم تجنيدهم فعلاً (10) آلاف، كجيش أطفال أساسي، فيما الجيش الاحتياطي يتمثل في عدد التلاميذ الذين تحشدهم جماعة الحوثيين كل عام وتوزعهم على أكثر من (88) مركزاً صيفياً جهزتها الميليشيات على مدى الأسابيع الماضية في أمانة العاصمة والمناطق التي تسيطر عليها. وبحسب المصادر الصحفية المختلفة، بما فيها مصادر الحوثيين أنفسهم، من المتوقع أن تضم هذه المخيمات عدد مليون ونصف المليون تلميذ. التحضير لهذه العملية يبدأ في آلاف المدارس، وكذلك عبر عُقال الحارات وأئمة المساجد ومخاطبة أولياء الأمور. ويكشف هذا الرقم الكبير، إن صحّ، (مليون ونصف المليون طالب) عن قدرة الحوثيين على الحشد، لكنّه يتناقض مع الغضب الشعبي من ممارسات وسياسة الحوثيين التجويعية التي أنهكت اليمنيين!

رسالة من وزارة التعليم الفني والتدريب المهني.

ويذهب البعض إلى أنّ هذا الرقم مبالغ فيه؛ فالحوثيون يتعمدون نشره للتأكيد على أنّهم يحظون بقبول شعبي إلى درجة تدفع أهالي الطلاب للتضحية بأبنائهم، رغم أنّهم يعلمون جيداً ما ينتظرهم داخل هذه المراكز. وهناك من يرى أنّ الرقم، مليون ونصف المليون، يعبّر عن حالة المجاعة التي يعيشها اليمنيون، إلى درجة يضحون فيها بأبنائهم للحصول على سلة غذائية!

عجز أم خنوع؟

استفاد الحوثيون خلال أعوام الحرب السابقة من ضربات التحالف العربي أكثر ممّا أضرتهم. فهم يستعملون مصطلح "العدوان" كدعاية متواصلة يستقطبون بها الأبرياء والسذج من الناس، ويقدمون أنفسهم كمدافعين عن اليمن واليمنيين. وقد أفلحت هذه الدعاية في تجنيد مئات الآلاف وما زالت حتى اليوم تجدي نفعاً، على الرغم من الهدنة المعلنة والتقارب الإيراني السعودي، والسعودي الحوثي. لكن يبدو أنّ الحوثيين لن يعدموا وسيلة لتحشيد الناس والأطفال في ظل سياسة إمامية قديمة تقول "جوِّع كلبك /شعبك يتبعك".

مقت الناس لسلطة الحوثيين وتبرمهم من سياساتهم على الأصعدة كافة ازداد هذا العام، وقد انعكس هذا الشعور في مقاطعة كثير من الأهالي إرسال أبنائهم إلى المراكز الصيفية، وبوسع هذا الخيار أن يكون فاعلاً أكثر إذا ما وعى الناس أهمية العصيان المدني بأشكاله المختلفة

اتبع الحوثيون هذا العام سياسة جديدة للترويج للمراكز الصيفية، فقد أرسلت وزارة التعليم الفني والتدريب المهني في محافظة الحديدة، التي يسيطر عليها الحوثيون، رسالة إلى مدراء معاهد تعليم اللغات والمراكز الخاصة، موضوعها "حث الطلاب والطالبات على الالتحاق بالمراكز الصيفية... وإيقاف أيّ إعلانات أو ترويج لأيّ برامج أو أنشطة". ويهدف إيقاف أنشطة معاهد تعليم اللغات والمهارات المختلفة إلى أن تكون مراكز الحوثيين الصيفية هي المكان الوحيد المفتوح خلال إجازة الصيف. ومن ضمن وسائل الإغواء التي يتبعها الحوثيون لحث التلاميذ على الانضمام للمراكز الصيفية هي إعفاء من يحضر من الرسوم المدرسية. لكن قد تكون هذه الوعود مجرد فخ لاستغلال حاجة الفقراء.

التوصيف المطابق للواقع سيجعل من هذه المراكز والمدارس أكبر معسكرات لتجنيد الأطفال في العالم، ومع هذا التوصيف يمكن ضمها إلى موسوعة جينيس للأرقام القياسية. وسواء صحّ هذا الرقم: مليون ونصف المليون طالب، أو قلّ عنه حتى إلى النصف، فالرقم يعني أنّ ملايين الأسر، أو الآلاف على الأقل، ما زالت توافق على أن يكون أطفالهم جنوداً في معارك تأكلهم بعد أن أحرقت كل شيء تقريباً، فلماذا يقبل أولياء الأمور بانضمام فلذات أكبادهم إلى مخيمات صيفية يعلمون جيداً ما يدور داخلها وما تهدف إليه؟ لماذا لا يمارسون أبسط أشكال المقاومة برفض تدريس أبنائهم المناهج التي تغسل أدمغتهم، وبرفض انضمامهم إلى المخيمات الصيفية التي تستكمل عملية غسل الأدمغة النظرية بالتطبيق العملي على أرض المخيمات، ثم لاحقاً بتسليح هؤلاء الطلاب ليكونوا وقوداً في معارك الدفاع عن سلطة عبد الملك الحوثي؟

اتبع الحوثيون هذا العام سياسة جديدة للترويج للمراكز الصيفي

مقت الناس لسلطة الحوثيين وتبرمهم من سياساتهم على الأصعدة كافة ازداد هذا العام. وقد انعكس هذا الشعور في مقاطعة كثير من الأهالي إرسال أبنائهم إلى المراكز الصيفية. وبوسع هذا الخيار أن يكون فاعلاً أكثر إذا ما وعى الناس أهمية العصيان المدني بأشكاله المختلفة. ثمّة جدوى من مقاطعة مراكز الحوثيين وجدوى أكبر إذا ما امتنع الناس عن إرسال أبنائهم إلى المدارس الحكومية والأهلية التي صارت مراكز ثابتة ومعسكرات لتفريخ الجهل وزرع بذور الطائفية. لكن لا يمكن لهذا الخيار أو الاقتراح أن يكون فاعلاً بدون بديل يوفر تعليماً للتلاميذ عن بُعد. لقد أثبت هذا النوع من التعليم نجاحه أثناء جائحة كورونا، ويمكن تطبيقه على المناطق التي تسيطر عليها جائحة أخطر تتمثل في الحوثيين، وذلك باعتماد وثائق دراسية معتمدة، وابتكار مدارس إلكترونية توفر تعليماً عن بُعد تشرف عليه الحكومة الشرعية.

مواضيع ذات صلة:

رغم جهود التهدئة... استمرار معسكرات الحوثي الصيفية لتجنيد الأطفال

اليمن يطالب بقائمة أممية سوداء للمسؤولين عن تجنيد الأطفال.. ما الجديد؟

هل توقف الحوثيون عن تجنيد الأطفال؟.. تقرير حقوقي جديد يكشف المخفي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية