بعد سنوات من إعلان القضاء على تنظيم "داعش"، عادت المخاوف الدولية بشأن تمدده، خصوصا بعد الهجوم الإرهابي في نيو أورليانز، الذي نفذه جندي أميركي سابق موالي لتنظيم "داعش" وأودى بحياة 15 شخصا وإصابة 30 آخرين خلال احتفالات رأس السنة،
هذا الهجوم اعتبره مراقبون دليل على استمرار قدرة التنظيم على إلهام الهجمات في الغرب، حتى مع تراجع سيطرته الجغرافية في مناطق نفوذه، خصوصا انه تزامن مع تصاعد المخاوف من محاولات التنظيم المتطرف إعادة بناء نفوذه في سوريا.
وقد تعززت هذه المخاوف بعد انهيار نظام بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول / ديسمبر الماضي، على يد فصائل المعارضة المسلحة والفراغ السياسي والأمني الحاصل في البلاد، بعد أن استولى على مخزونات من الأسلحة والمعدات التي خلفها جيش النظام السوري والميليشيات الموالية له. ووفقا لتقارير وخبراء عسكريين، يعمل التنظيم حاليا على تدريب مجندين جدد وحشد قواته في الصحراء السورية، في محاولة لإحياء مشروعه المتطرف.
وتشير تقارير إلى استغلال التنظيم للظروف الأمنية والسياسية الجديدة لإعادة ترتيب صفوفه، فيما تتزايد التحديات الأمنية وسط انقسامات داخلية وضغوط إقليمية ودولية، نظرا للسجون المكتظة بمقاتلي "داعش" والمخيمات التي تؤوي عائلاتهم.
هجوم نيو أورليانز هل هو جزء من مخطط أوسع لـ"داعش"
يشار إلى أن جبار- وهو مواطن أميركي من مواليد تكساس ومحارب قديم في الجيش الأميركي خدم سابقا في أفغانستان- كان يعمل كوكيل عقاري ويواجه مشكلات مالية وإجراءات طلاق وقت وقوع الهجوم. إلا أن وجود علم "داعش" على شاحنته، إضافة إلى احتوائها على جهاز متفجر بدائي الصنع، دفع المحققين إلى استنتاج ارتباطه بالجماعة المتشددة.
ورغم احتمال وجود دوافع أخرى لدى شمس الدين جبار، المشتبه به الرئيس في هجوم الشاحنة الذي وقع في شارع بوربون الشهير في نيو أورليانز وأسفر عن مقتل 15 شخصا وإصابة 30 آخرين، فإن رفعه لعلم تنظيم "داعش" على مركبته يزيد من الشكوك حول ارتباطه بالتطرف الإسلامي، وفقا لما أورده موقع "المجلة".
ومنذ وقوع الهجوم في يوم رأس السنة، أفاد مكتب التحقيقات الفيدرالي بالعثور على أجهزة متفجرة محتملة أخرى في "الحي الفرنسي" بمدينة نيو أورليانز.
وقد اكتشف المحققون قنابل أنبوبية محشوة بالمسامير ومتفجرات من نوع "سي فور" مخبأة داخل صندوق تبريد في نيو أورليانز. ووُضع الصندوق بجوار سيارات دورية الشرطة عند تقاطع شارعي بوربون وأورليانز، بالقرب من موقع الهجوم. كما عُثر على قنبلة أنبوبية أخرى داخل صندوق تبريد آخر على بعد مبنى واحد، إضافة إلى جهاز مشتبه به ثالث مخبأ داخل حقيبة بنفسجية.
وكان جبار يقيم في منزل مستأجر بحي سانت روش، على بُعد حوالي ميلين من "الحي الفرنسي"، وعثر المحققون على مسكنه محترقا ومليئا بمواد تُستخدم في تصنيع القنابل. وقد شوهد جبار وهو يرتدي درعا واقيا وزيا مموها عند خروجه من شاحنته.
هجمات داعش في سوريا تضاعفت ثلاث مرات في 2024 مقارنة بالعام الذي سبق لتصل إلى حوالي 700
وتزايدت المخاوف من أن يكون هجوم نيو أورليانز جزءا من مخطط أوسع لـ"داعش" يستهدف الولايات المتحدة. وتحقق السلطات الأميركية في وجود صلة عسكرية محتملة بين المشتبه به في هجوم نيو أورليانز وسائق شاحنة "سايبرتراك"، التي انفجرت خارج فندق ترمب في لاس فيغاس بعد ساعات قليلة من وقوع الهجوم.
خطر داعش مازال قائما
ورغم تضاؤل سيطرته الجغرافية، تشير القيادة المركزية الأميركية إلى وجود نحو 2500 عنصر نشط لـ"داعش" بين العراق وسوريا، إلى جانب آلاف المعتقلين في سجون ومخيمات شمال شرقي سوريا.
في السياق، يقول الخبير الأمني العراقي العسكري السابق سرمد البياتي لـ"سكاي نيوز عربية"، إن داعش "لا يملك القدرة على السيطرة على القرى أو الأراضي، لكنه قادر على إلحاق الأذى بقوات الأمن عبر خلاياه النائمة التي تنشط في المناطق النائية والصحراوية".
ويتركز النشاط الأساسي للتنظيم في محافظات مثل الحسكة ودير الزور وحمص، حيث يستغل الفوضى الأمنية في بعض المناطق، كما أن "داعش" يسعى لإعادة بناء هياكله من خلال تجنيد أفراد جدد، مع استغلال الصراعات الإقليمية لإثبات وجوده.
ومع ذلك، يحذر البياتي من الاستهانة بالخطر، كما يشير إلى أن التهديدات ليست مرتبطة فقط بالداخل السوري، بل تمتد إلى دول أخرى مثل مصر وتونس، التي تتخذ إجراءات احترازية لمنع عودة المقاتلين الأجانب من سوريا عبر تركيا.
ووفقا لتقرير حديث نشرته مجلة" CTC Sentinel" المتخصصة في شؤون مكافحة الإرهاب، كشفت الباحثة جيسيكا ديفيس، أن التنظيم في العراق وسوريا يحتفظ بأصول سائلة تتراوح بين 10 و20 مليون دولار، معظمها على شكل نقد.
ورغم أن هذا المبلغ يقل كثيرا عما كان يمتلكه التنظيم في ذروة قوته، إلا أنه يكفي، بحسب موقع "الحرة"، لتمويل عملياته الحالية منخفضة المستوى وتقديم الدعم المالي لفروعه المنتشرة عالميا.
خطر يتجدد
وتراجع نشاط داعش بشكل ملحوظ خلال عام 2023، إذ انخفض عدد عملياته العالمية إلى أكثر من النصف ليصل 838 هجوما مقارنة بـ 1.811 هجوماً في العام الذي سبق
وشمل هذا الانخفاض معظم مناطق نفوذه التقليدية، إذ تقلصت عملياته في العراق من 401 إلى 141 هجوما، وفي سوريا من 292 إلى 112 هجوما، كما توقفت عملياته تماما في سيناء، بعد أن كان قد نفذ 102 هجوما في 2022.
وشهد العام الماضي تحولا في عمل التنظيم الذي استطاع تنفيذ عدة عمليات نوعية كبيرة، أبرزها هجوم موسكو في مارس الذي أوقع 143 قتيلا، وهجوم كيرمان في إيران في يناير الذي أسفر عن مقتل نحو 100 شخص، وصولا إلى هجوم نيو أورليانز.
وبحسب تحليل لمركز "صوفان" للشؤون الأمنية، فإن هجمات داعش في سوريا، تضاعفت ثلاث مرات في 2024 مقارنة بالعام الذي سبق، لتصل إلى حوالي 700.
في السياق، قال الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهابية منير أديب، في تصريح لموقع "الحرة"، إن تجدد خطر داعش يعود إلى أسباب عدة. ويقسّمها إلى عوامل ذاتية ترتبط بمحاولته إعادة ترتيب صفوفه وإعادة تموضعه في منطقة الشرق الأوسط وترتيب بنيته التنظيمية.
بالإضافة إلى عوامل أخرى ترتبط بالتغيرات الجيوسياسية الأخيرة في المنطقة، وخاصة "ما حدث في سوريا وصعود تنظيمات إسلاموية راديكالية"، وفقا للمتحدث الذي يحذر من تنامي نشاط التنظيم في المنطقة العربية والعالم.
ويشير أديب إلى أن "هناك مساحة من الفوضى ربما تسمح لهذا التنظيم بإعادة تموضعه في الداخل السوري.
يُذكر أن التحالف الذي يضم أكثر من 70 دولة تتزعمها الولايات المتحدة، تمكن من طرد التنظيم من آخر معاقله في الباغوز شرقي سوريا عام 2019، ولم يعد للخلافة أي وجود مادي يذكر، لكنها كأيديولوجية ظلت قائمة.