محور صراع جديد داخل الإخوان... ما التفاصيل؟

محور صراع جديد داخل الإخوان... ما التفاصيل؟

محور صراع جديد داخل الإخوان... ما التفاصيل؟


05/06/2023

أضافت حركة الهيكلة الأخيرة داخل جبهة لندن محوراً جديداً إلى أزمة الصراع المتفاقم داخل جماعة الإخوان على مدار أعوام، وتذهب التوقعات إلى مواجهات أكثر ضراوة بين قيادات التنظيم المتناحرين على منصب القائم بأعمال المرشد العام، وعدد من المواقع التنفيذية الأخرى خلال الأسابيع المقبلة. 

ويتمثل محور الصراع الجديد بشكل محدد في توظيف ثقل التنظيم الدولي للإخوان، كأداة جديدة من أدوات حسم الصراع الراهن داخل الجماعة، بعد اختيار القيادي الإخواني محمود الإبياري أميناً للتنظيم الدولي خلفاً لإبراهيم منير، وفي المقابل التحركات المكثفة من جانب جبهة إسطنبول لاحتواء الموقف، والتي من المتوقع أن تسفر عن اختيار أمين للتنظيم الدولي من جهتها، لتستمر أزمة الانفصال البنيوي داخل الجماعة. 

وبالرغم أنّ الصراع قد بلغ ذروته بالفعل في أعقاب وفاة القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وما تبعه من تناحر حول أحقية كلٍّ جبهة في تولي المنصب، وما نتج عنه من انفصال تنظيمي وتولي قائمين بأعمال المرشد، هما محمود حسين، وصلاح عبد الحق، إلّا أنّ القرارات التابعة داخل كل جبهة تسببت في تصاعد وتيرة الصراع بشكل كبير. 

وفي هذا الصدد، تناولت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية للباحث محمد فوزي أبعاد ومآلات الصراع الراهن داخل التنظيم، في ضوء التطورات الأخيرة المرتبطة بحالة الهيكلة الجديدة. 

توظيف ثقل التنظيم الدولي 

يشير الباحث في دراسته إلى بُعد جديد يتعلق باختيار القيادي محمود الإبياري أميناً عاماً للتنظيم الدولي، خلفاً لإبراهيم منير، وما يمثله من أهمية قصوى ترتبط بعملية حسم الصراع التنظيمي لصالح جبهة لندن. 

 القيادي محمود الإبياري

وبحسب الدراسة، تحظى خطوة اختيار أمين عام للتنظيم الدولي للإخوان بأهمية كبيرة، تجعلها لا تقلّ أهمية عن الخطوة السابقة الخاصة باختيار صلاح عبد الحق قائماً بأعمال المرشد، في ضوء اعتبارين أساسيين: 

الأوّل يرتبط بالأهمية التي يحظى بها التنظيم الدولي في البناء التنظيمي لجماعة الإخوان، لكونه يمثل الذراع الخارجية للجماعة المسؤول عن إدارة علاقاتها وتفاعلاتها الخارجية، سواء مع الدول، أو مع التنظيمات الإسلامية الأخرى الموجودة في معظم دول العالم، وتوفير التمويلات الخاصة بالتنظيم وإدارة اقتصادياته، فضلاً عن دوره في إدارة الهياكل المؤسسية الخاصة بالجماعة في الخارج.

يتمثل محور الصراع الجديد بشكل محدد في توظيف ثقل التنظيم الدولي للإخوان، كأداة جديدة من أدوات حسم الصراع الراهن داخل الجماعة، بعد اختيار القيادي الإخواني محمود الإبياري أميناً للتنظيم الدولي خلفاً لإبراهيم منير

أمّا الاعتبار الثاني، فيرتبط بخصوصية اللحظة الراهنة التي تعيشها الجماعة، بمعنى أنّ الخطوة ترتبط بشكل رئيس بسعي جبهة لندن لسدّ أيّ فراغ تنظيمي قد تستغله جبهة إسطنبول لتعزيز نفوذها، ومن هنا جاء حرص الجبهة في الأشهر الأخيرة على استكمال إعادة بناء الهياكل المؤسسية الخاصة بها.

لماذا الإبياري دون غيره؟ 

بحسب الدراسة، لم يأتِ اختيار الإبياري للمنصب بشكل عشوائي، ولكن وفق مجموعة من المحددات الرئيسية، يرتبط أهمها بحالة الغموض التي يحظى بها داخل تنظيم الإخوان، إذ يشبه في ذلك القيادة السرّية للجماعة التي كانت تُدير كافة شؤونها وترسم توجهاتها، خصوصاً ما يتعلق بالتنظيم الدولي من خلف الأسوار. 

وقد عاش الإبياري منذ عقود في النمسا، ثم انتقل منها إلى لندن التي يقيم بها حتى اليوم، وشغل مؤخراً منصب عضو الهيئة العليا للجماعة، فضلاً عن عضويته لمجلس شورى الإخوان في أوروبا. 

القائم بأعمال المرشد العام الراحل إبراهيم منير

أيضاً، كان الإبياري مسؤولاً بشكل رئيس عن كتابة بيانات الإخوان ورسم توجهاتها، وكذلك عن إدارة عدد من شركات الإخوان في بريطانيا، ومن بينها: (نيل فالي)، و(ميديا سيرفس)، فضلاً عن سيطرته على عدد من أصول الجماعة في تركيا في منطقة كوجاتيبي في إسطنبول، وإدارته رفقة شقيقه محمد الإبياري لمجموعة من الشركات في الولايات المتحدة وكندا. 

كما تولى الإبياري بشكل رئيس في الأعوام الأخيرة مسؤولية نشاط شركات ومؤسسات الجماعة في أوروبا، بتكليف من التنظيم الدولي، ويتولى مسؤولية الإشراف على رعاية عناصر الجماعة الموجودين في أوروبا.

ما أهمية التنظيم الدولي للإخوان؟ 

وفق الدراسة، يحظى البناء التنظيمي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بهيكل مشابه إلى حدّ كبير للبناء الأم الخاص بالجماعة، متمثلاً في الأمين العام للتنظيم الدولي (الذي يقوم بدور المرشد)، ومكتب الإرشاد العام للتنظيم الدولي، ومجلس الشورى العام للتنظيم الدولي، لكنّ التنظيم الدولي يضم بين طياته العديد من المنظمات السياسية والدينية والإعلامية التي تقوم بالعديد من المهام التي تخدم أنشطة التنظيم.

اختيار أمين عام جديد للتنظيم الدولي يرتبط بالأهمية التي يحظى بها التنظيم الدولي في البناء التنظيمي لجماعة الإخوان، لكونه يمثل الذراع الخارجية للجماعة المسؤول عن إدارة علاقاتها وتفاعلاتها الخارجية، سواء مع الدول، أو مع التنظيمات الإسلامية الأخرى الموجودة في معظم دول العالم

وللوقوف على أهمية خطوة اختيار الإبياري أميناً عاماً للتنظيم الدولي للإخوان، أوردت الدراسة الطبيعة التنظيمية لهذا الكيان الإخواني، وطبيعة المهام التي يقوم بها كل هيكل. ويتألف الهيكل البنائي للتنظيم الدولي للإخوان من بعض الوحدات البنائية، وفق ما حددته اللائحة المعدلة للنظام العام للإخوان المسلمين في 28 آذار (مارس) 1994.

ووفق لائحة الجماعة يُعدّ الأمين (المرشد العام للتنظيم الدولي) "مركز القرار والتوجيه في التنظيم الدولي للإخوان، وممثلها الشرعي، ومرجعها العقدي والسياسي، خصوصاً فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية العامة".

ويعكس ذلك، وفق الباحث، طبيعة المهام الاستثنائية للأمين العام للتنظيم الدولي للجماعة، فهو المشرف على إدارة شؤون الجماعة في الخارج، وإدارة الأفرع المختلفة والتنظيمات التي تدخل في كنف الجماعة وتنتمي إليها.

زعيم جبهة اسطنبول محمود حسين

ورغم أنّ الجماعة حاولت، وتحاول دائماً، إضفاء الطابع المؤسسي على عملها، بما في ذلك ما يرتبط بالأمين العام للتنظيم الدولي، فإنّ هناك اعتبارين يفندان هذه السردية: الأوّل يتمثل في مخالفة هذا الاختيار للوائح التنظيمية الخاصة بالجماعة، والتي تنص على ضرورة موافقة قادة الإخوان في الأقطار المختلفة المعتمدة لدى التنظيم الدولي على هذا الاختيار، أو ثلث أعضاء مجلس الشورى الخاص بالجماعة.

التنظيم الدولي للإخوان سيكون في الفترات المقبلة محور صراع رئيس بالنسبة إلى جبهتي لندن وإسطنبول، في ضوء إدراك الجانبين لما يحظى به التنظيم الدولي من أهمية، سواء على مستوى إدارته للعلاقات الخارجية الخاصة بالجماعة، أو على مستوى الاقتصاديات التي ستتاح للطرف الذي سيسيطر عليه

أمّا الاعتبار الثاني، فيرتبط بالتجربة التاريخية للإخوان، والتي تُشير إلى أنّ التنظيم الدولي وأمينه العام يُديران الأمور بشكل تسلطي، وهو ما يتجسد في تعامل التنظيم مع أيّ أفرع إقليمية تتبنّى وجهات نظر مخالفة، وهو ما عبّر عنه نهج التنظيم الدولي مع عصام العطار المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سوريا، وحسن الترابي الزعيم السابق للجبهة القومية الإسلامية في السودان.

وبشكل عام، تعبّر طبيعة المهام التي حددتها اللائحة العامة للإخوان المسلمين عن طبيعة الأهمية التي يحظى بها منصب الأمين العام للتنظيم الدولي، الأمر الذي يمكن في ضوئه فهم أهمية خطوة جبهة لندن.

سيناريوهات ما بعد الهيكلة

بحسب الدراسة، سوف تدفع خطوة جبهة لندن باختيار محمود الإبياري كأمين عام للتنظيم الدولي، متى تم الإعلان عنها بشكل رسمي، باتجاه تفاقم الأزمة البنيوية الكبيرة التي تعيشها الجماعة بالأساس، وفي ضوء ذلك تتوقع الدراسة العديد من الإجراءات التي ستتخذها الجبهتان في ضوء الصراع المحتدم. 

أوّلاً: يتوقع الباحث أن تسعى جبهة لندن لإحكام سيطرتها على مفاصل التنظيم الدولي للجماعة، كجزء من مساعيها للسيطرة على كافة الهياكل المؤسسية، وفي هذا الإطار لا يُستبعد أن يُقدم صلاح عبد الحق ومن خلفه محمد البحيري وحلمي الجزار ومحمود الإبياري على إعادة بناء مكتب الإرشاد الدولي ومجلس شورى التنظيم الدولي، على أن تشمل هذه التعيينات الجديدة اختيار الشخصيات المحسوبة على جبهة لندن.

مرشد الجماعة صلاح عبدالحق

وثانياً: من المتوقع أن تبدأ جبهة إسطنبول في تبنّي مجموعة من التحركات التي تستهدف احتواء وتطويق تحركات جبهة لندن، لعل أوّلها سيكون استنساخ محمود حسين لنموذج إبراهيم منير على مستوى الجمع بين القيام بأعمال المرشد العام والأمين العام للتنظيم الدولي، وسوف يستغل في ذلك كونه أحد أعضاء مجلس شورى الجماعة المتبقيين.

وسيكون الهدف من ذلك، وفق الدراسة، إطالة أمد الصراع، والتأكيد على عدم شرعية قرارات جبهة لندن، إلى حين حدوث متغيرات جديدة ترجح كفة أحد الطرفين.

وختاماً؛ تقول الدراسة: إنّ "التنظيم الدولي للإخوان سيكون في الفترات المقبلة محور صراع رئيس بالنسبة إلى جبهتي لندن وإسطنبول، في ضوء إدراك الجانبين لما يحظى به التنظيم الدولي من أهمية، سواء على مستوى إدارته للعلاقات الخارجية الخاصة بالجماعة، أو على مستوى الاقتصاديات التي ستتاح للطرف الذي سيسيطر عليه."

مواضيع ذات صلة:

الإخوان المسلمون: عكس التيار في تونس وانتهازية في المغرب واستقالة مدوية في موريتانيا

الإخوان المسلمون: حصار في تركيا ومسيرة للعنف في ماليزيا ومناوشات في المغرب

الإخوان المسلمون: تفجير المشهد في المغرب واحتجاجات في اليمن وسرقة الأراضي في غزة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية