محمد رفيقي لـ"حفريات": جماعة الإخوان تعاني من تحولات في جوهر بنيتها الفكرية والأيدولوجية

محمد رفيقي لـ"حفريات": جماعة الإخوان تعاني من تحولات في جوهر بنيتها الفكرية والأيدولوجية


03/02/2022

أجرى الحوار: رامي شفيق

قال المفكر والباحث المغربي المتخصص في الدراسات الإسلاميّة محمد عبد الوهاب رفيقي، إنّ "جماعة الإخوان المسلمين كحركة، تؤدي دوراً وظيفياً لحساب قوى إقليمية ودولية متعددة، وهي تعاني الآن فقدان هذه الحالة الرعائية، من تلك البلدان"، مضيفاً في حواره مع "حفريات" أنّ "السياسات التي نفّذها الإخوان خلال وجودهم في الحكم كانت عكس كافة القيم الوطنية، وحتى الدعائية التي روّجوا لها" ودلّل على ذلك أنّ "المغرب نبذ عملياً، وعبر التصويت في الانتخابات الأخيرة جماعة الإخوان، وذراعها السياسي، وذلك بعد إخفاق حزب العدالة والتنمية في تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية الملحّة".

       القطع مع الأيدولوجيا المتشدّدة احتاج مني إلى القراءة والاطلاع على معارف أخرى متنوعة

وأكد "أبو حفص"، المتخصص في الدراسات الإسلاميّة الذي انتقل من تيار السلفية إلى الدفاع عن الدولة المدنية وانتقاد الحركات المتطرفة، أنّه "إذا أكرهنا الناس على أن يعتقدوا اعتقادات معينة، سواء كانت دينيّة أو غير دينيّة، فنحن نربيهم على النفاق.. وهنا أهمية الحقوق الإنسانية مع الحق في الإيمان الحر وعدم الوصاية على العقل وخياراته في أيّ انحياز شعاري".

وهنا نص الحوار:

التحول الفكري وأثر التجربة

 كيف تقيّم تجربتك مع التيار الإسلامي؟ وما الذي تذكره من هذه المرحلة التي انخرطت فيها ضمن أنشطة الجماعات المتشددة؟

عندما كنت أحد المنتمين للسلفية، وأخطب على المنابر، قبل الدخول للسجن تحت ذمة قانون الإرهاب، في العام 2003، حتى الخروج بعفو من العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بعد أن قضيت تسع سنوات فقط من العقوبة المقررة لربع قرن، عرفت الخطاب المتشدّد، وانخرطت في الترويج والدعاية للمقولات التي تبعث على العنف في درجاتها القصوى، وكنت ألامس حدود السلفية الجهاديّة، غير أنّ القطع مع الأيدولوجيا المتشدّدة، كان يحتاج مني إلى القراءة والاطلاع على معارف أخرى متنوعة؛ لإحداث قفزة تاريخية في مسار الوعي، والقطيعة مع الوعي القديم؛ فالفكر الديني المتطرف الذي يساهم في صناعة الأحزاب الإسلاموية بحاجة للمراجعة والنقد والمساءلة، الأمر الذي لن يحدث إلا بالمعرفة، والجسارة على الفكر النقدي، الذي بمقدوره النفاذ للفقه الذي يدعو للكراهية، وتفكيك مقولاته، كل ذلك يعد بمثابة مشروع يتعين أن تتبنّاه المؤسسات في الدولة؛ حتى لا تترك المواطنين في فخ الجماعات.

 كيف حدث هذا التحول المهم في مسارك؟ وكيف تسنّى لك الدخول إلى هذا الانفتاح الفكري؟

في بادئ الأمر، لم تكن الانعطافة الكبرى في حياتي، التي ساهمت في إخراجي من دوائر العنف والتشدّد، إلا بواسطة الاطلاع على العلوم غير الدينيّة، والانفتاح على طاقات جديدة وطازجة في المعارف الإنسانية، والتي لعبت دوراً مؤثراً ساعد على تحرير ذهني من الأوهام، والحالة العصبية والمتخيلة في الدين، والسياسة، والمجتمع، والأخلاق.

إقرأ أيضاً: أستاذ القانون الدولي أيمن سلامة لـ "حفريات": تركيا تتبنى دبلوماسية البوارج الحربية

من ثم انتقلت من قراءة الفلسفة إلى علوم القانون، والعلوم الاجتماعية والإنسانية؛ حتى حصلت على شهادة البكالوريوس في تخصص القانون الدولي، كما انفتحت على الأدب العالمي، خلال فترة السجن، كما اطلعت على كتب التاريخ، وكل ذلك ساعدني على فهم أمر مهم، وهو أنّ الحقوق الإنسانية أمر مهم ومشروع، مع الحق في الإيمان الحر، وعدم الوصاية على العقل وخياراته، في أيّ انحياز شعاري، فالقاعدة المركزية هي "لا إكراه في الدين".

    الفكر الديني المتطرف بحاجة للمراجعة والنقد والمساءلة الأمر الذي لن يحدث إلا بالمعرفة

ليس ثمة أيّ إشكال فيما تنص عليه المواثيق الدولية في هذا الباب، فهذا الأمر هو أقل ما يمكن أن يكون من حقوق الإنسان، لأنّه إذا أكرهنا الناس على أن يعتقدوا اعتقادات معينة، سواء كانت دينيّة أو غير دينيّة، فنحن نربيهم على النفاق، ونحن لا نريد أن نؤسس لمجتمع يقوم على النفاق، نريد أن نؤسس لمجتمع حر، يفكر بكل حرية، إن كنا نريد من هذا المجتمع أن ينتج ويبدع.

مستقبل الإخوان وانهيار التنظيم

 تبدو مسارات الحركة في عدد من الأقطار العربية، ضد استمرار جماعة الإخوان المسلمين؛ في تقديرك ما الرؤية السليمة لواقع حال الإسلام السياسي كتنظيم بشكل عام؟

يقيناً؛ تعاني تنظيمات الإسلام السياسي من أزمة مركبة في عدد من الأقطار العربية، التي شهدت تحركات احتجاجية في نهاية العام 2010، ومطلع العام 2011، الأمر الذي سمح لهم أن يصلوا إلى السلطة في مصر وتونس، بيد أنّ مجريات الأحداث كشفت واقعهم، وسوء الإدارة والحكم، مما دفع الشعوب العربية إلى الثورة والخروج عليهم، رافضة حضورهم الثقيل.

الانعطافة الكبرى بحياتي التي ساهمت في إخراجي من دوائر العنف والتشدّد بعد الاطلاع على العلوم غير الدينيّة

إلى ذلك أستطيع القول إنّ ما جرى في القاهرة وتونس، كان أمراً إيجابياً، كشف خدعة الإسلام السياسي في استخدم الدين وظيفياً، كقناع لتمرير مقولات الحكم والسلطة، غير أنّ ذلك كلّه سقط أمام وعي الشعوب العربية.

وهل اختلفت التجربة المغربية برأيكم؟

هي تأتي في ذات السياق، حيث نجد أنّ المغرب نبذ عملياً، وعبر التصويت في الانتخابات الأخيرة جماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسي، وذلك بعد إخفاق حزب العدالة والتنمية في تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية الملحة، بل إنّ السياسات التي نفذها خلال وجوده في الحكومة، كانت عكس كافة القيم الوطنية، وحتى الدعائية التي روّج لها الإخوان المسلمون.

أهمية الحقوق الإنسانية مع الحق في الإيمان الحر وعدم الوصاية على العقل وخياراته في أيّ انحياز شعاري

 فالمغرب من ناحية أخرى أنهى قضايا عديدة تتصل بالتيار الديني الطائفي، ومنها حرية المعتقد، فمجمل المواقف الرسمية تؤشر على أنّ البلاد تتبنى حرية المعتقد، رغم عدم التأكيد على ذلك في الدستور.

ثمة من يرى أنّ ثمة رابطاً سياسياً يفسر الصراع بين أجنحة الإخوان المسلمين، بينما يؤكد آخرون أنّ التصدع موجود في داخل الجماعة من عدة سنوات، أيّ العاملين أكثر تأثيراً وفق قراءتك لصراع التنظيمي؟

لا شك أنّ هناك تغيرات جيواستراتيجية مركبة، عصفت بجماعة الإخوان المسلمين، مع تحولات خريطة الدعم الإقليمي، مالياً ولوجيستياً، حيث إنّ تلك المتغيرات أخرجت الدوحة أولاً، ونأت بأنقرة ثانياً من خريطة الدعم، وذلك أثّر لا ريب في حضور الجماعة وواقعها السياسي.

   إذا أكرهنا الناس على أن يعتقدوا اعتقادات معينة سواء كانت دينيّة أو غيرها فنحن نربيهم على النفاق

لكنني في الحقيقة أميل إلى القول بمركزية تأثير الأوضاع التنظيمية الداخلية، التي تعصف بالجماعة منذ عدة سنوات، وجاءت أحداث العام 2011، والعام 2013 في القاهرة، لتضفي تأثيراتها على المشهد التنظيمي في داخل الجماعة.

إقرأ أيضاً: الباحث أحمد سلطان لـ "حفريات": الإخوان يعيشون أحلك الفترات

نجد الأمر نفسه، بتنويعات مختلفة بعض الشيء، في تونس، من خلال أزمات الخروج المتكرر لعدد من قيادات النهضة على راشد الغنوشي.

كيف تقرأ حالة التصدع البنيوي داخل الإخوان؟ وكيف انعكس ذلك على تماسك التنظيم؟

تنظيم الإخوان يعاني من تصدع بنيوي، وتحولات هيكلية في جوهر البنية الفكرية والأيدولوجية، الأمر الذي له انعكاسات متباينة وكثيرة على الناحية الحركية، وعلى تماسك الأعضاء تنظيمياً، واللافت أنّ هناك فجوات عميقة فيما يتصل بالعلاقة بين القواعد والقيادات، ظهرت بوضوح في الآونة الأخيرة، وكذا على مستوى القيادات وبعضهم البعض، في ظل تباين وجهات النظر التكتيكيّة، والرؤى الخاصّة بخروج الجماعة من محنتها، بعد إخفاقها المرير في تجربة السياسة والحكم، في مصر، وتونس، والمغرب، وحالة الشتات التي يتعرضون لها.

مجريات الأحداث كشفت واقع الإخوان وسوء الإدارة والحكم مما دفع الشعوب العربية إلى الثورة والخروج عليهم رافضة حضورهم الثقيل

ومن الضروري الأخذ في الاعتبار أنّ الجماعة كحركة، تؤدي دوراً وظيفياً لحساب قوى إقليمية ودولية متعددة، وهي تعاني الآن فقدان هذه الحالة الرعائية، من تلك البلدان، حتى وضعها في تركيا بات قاب قوسين أو أدني، كما أنّ هذا الوضع يمر عبر تعقيدات جمة؛ تفرض محاذير في الحركة والنشاط، المحسوبين على مصالح أنقرة السياسيّة والإقليميّة.

بالتالي فإنّ الجماعة تقع تحت وطأة الانحسار، وليس أدل على ذلك من انسلاخ عدد من أعضاء وعناصر التنظيم، على المستوى التنظيمي، والتحاقهم بتنظيمات أخرى، تنتمي لأجنحة تتبنّى العنف، دون إدانة من الأجنحة الأخرى، فضلاً عن آخرين التحقوا بالتنظيمات المسلحة مثل: داعش، وجبهة النصرة، والانخراط في الصراعات في السودان وليبيا وسوريا، وعلى مستوى آخر، تبلغ الصراعات والتصدعات بين القيادات ذروتها، كما هو الحال بين جبهتي محمود حسين، في اسطنبول وإبراهيم منير في لندن، والتي تعكس انهيار التنظيم من الداخل، بحيث لم يعد متبقياً منه سوى كيانات ماليّة، لها مصالح فئوية، وولاءات محدودة ومرتبكة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية