محاكمة الدواعش في الموصل: العدالة رغم الغضب الشعبي

محاكمة الدواعش في الموصل: العدالة رغم الغضب الشعبي


24/11/2017

قال عمرو عزام (45 عاماً)، وهو بائع جبن وزبادي في سوق مفتوح بالموصل: "إنّ الإعدام ليس عقوبة كافية بحقّ مقاتلي داعش". وفيما يتحلّق حوله عدد قليل من باعة الخضار، الذين يشيرون برؤوسهم موافقين على كلامه، أضاف: "إنّ هذا لا يقارن حتّى بما فعلوه بنا".

وعلى بعد حوالي 10 كيلومترات خارج المدينة، في بلدة تلكيف، تمضي عمليّة محاكمة الآلاف من المقاتلين المشتبه بهم، وهي العمليّة التي يصفها القضاة بـ"العادلة"، رغم الغضب الشعبيّ المحرّض على الانتقام.

يرفض القضاة انتقادات جماعات حقوق الإنسان التي تقول إنّ المحاكمات القصيرة والملاحقات القضائيّة واسعة النطاق تنتهك حقوق المتّهمين. غير أنّهم يقولون إنّ الفوضى وانعدام الموارد والمخاطر الكبيرة كلّها أمور تُعيق عمليّة المحاكمة، وتؤخّر عقاب المذنبين، والإفراج عن الأبرياء، ومُدَاواة جراح الشعب.

وقال أحد المحامين، الذي لا يريد أن يذكر اسمه بسبب تهديدات وجّهت له لدفاعه عن منتسبين لداعش: "نبذل قصارى جهدنا للعمل بشكل أسرع". وأضاف: "إنّنا نعرف أنّ ثمّة أبرياء وأيضاً مذنبين في الحجز".

وقال إنّ السجون لن تفرغ عندما تنتهي هذه المحاكمات. لأنّ عشرات الآلاف من الأسماء ما تزال موجودة على قوائم المقاتلين المشتبه بهم بشكل عام.

أن يكون المرء مسؤولاً قضائيّاً في الموصل لهو أمر خطير، وذلك يرجع لفترة طويلة من استهداف "داعش" للقضاة

الضحايا يطالبون بعقوبات قاسية

يرد عزّام وزملاؤه، في السوق، بشكل غاضب على الأسئلة المتعلّقة بحقوق الإنسان والمحاكمات العادلة لمحتجزي داعش المشتبه بهم. فيقول معترضاً: "من يأبه؟". ويضيف: "انظر هناك، هناك بالضبط، رأيتُ امرأة قام مقاتلون برجمها. لقد اتّهِمت بممارسة الجنس خارج إطار الزواج لكنّهم لم يظهروا أيّ دليل على ذلك".

يقول إنّ المرأة كانت قد أصيبت بجروح خطيرة حين أعلن أحد المقاتلين أنّ العقاب قد انتهى. لكن جادل آخر بأنّها تستحق الموت ورماها بحجر في الرأس.

ويمتلك الجميع في هذا الحشد المتزايد قصّصاً عن أحباء فقدوهم تحت حكم داعش، وفي المعركة الوحشيّة التي استمرت تسعة أشهر حتّى وضعت حدّاً لحكم التنظيم. ويسردون حكايات حول إصابات وإذلال ومعاناة بدنيّة وأهوال لا يمكنهم أبداً نسيانها.

يقول محمّد (18 عاماً)، فيما يرشّ الماء على عربة الخس الخاصّة به، إنّه فقد عمه وابن عمه وشقيقه البالغ من العمر 10 أعوام في المعارك. وما تزال هناك شظايا في جسد كلّ من أمه وأخته، كما توفي بعض جيرانه بسبب نقص الطعام.

ويضيف: "إنّه لأمر واضح أنّ المقاتلين يستحقون الإعدام".

فقد الناس في الموصل ممتلكاتهم وأحبتهم ومعالم حياتهم

محاكمات قصيرة

لكن في قاعات المحاكم، كانت المحاكمات سريعة جداً، كما حظيت بانتقادات لاذعة من جانب منظّمة هيومن رايتس ووتش؛ حيث نعتتها بالمحاكمات "العشوائيّة" و"الانفعاليّة" التي تضمّ انتهاكات للإجراءات القانونيّة الواجبة.

ويقف محمد عوض، وهو شخص يشتبه بانتمائه إلى مقاتلي داعش، أمام القضاة الثلاثة، بجسده الهزيل الذي يزداد ضآلة في البذلة الصفراء القذرة التي يرتديها. وبينما هو غير مقيّد للخلف كالعادة، ترتعش يداه عندما تأتي لحظة قراءة اعترافه بصوت عال.

يقول معترضاً: "لقد تعرّضت للتعذيب، وأجبرت على الاعتراف". ويضيف: "لا أعرف حتّى كلمات القسم الذي يحلفونه".

وتقول الأوراق إنّ عوض قد اعترف بأنه حضر تدريبات على الأسلحة مع تنظيم داعش، وأقسمَ على الولاء للرجل الذي نصّب نفسه "خليفة"، أبو بكر البغداديّ، وقام بمعاقبة مدنيين على مخالفتهم للقواعد الداعشيّة الوحشيّة، وانخرط في قتال ضدّ جنود عراقيّين.

وبعد أقل من نصف ساعة من بدء المحاكمة، حُكِم على عوض بالإعدام شنقاً حتّى الموت، ريثما يتم البتّ في الاستئناف الذي يجري تلقائيّاً.

سأله أحد القضاة: "هل لديك أيّ أقوال أخرى؟". وبعد ذلك، ترك عوض القاعة متعباً، ولكن دون دهشة.

يمتلك الجميع قصصاً عن أحباء فقدوهم تحت حكم داعش، وفي المعركة الوحشيّة التي استمرت تسعة أشهر

المحتجزون المفقودون

وفقاً للقضاة، يمكن لمحكمة تلكيف أن تنظر فيما يصل إلى 15 قضية في اليوم، ولكن في هذا اليوم يمثُل فقط خمسة من المشتبه بهم أمام المحكمة. وفي بعض الأحيان، يُنظَر في عدد أقلّ من القضايا؛ لأنّ المحتجزين لا يتم إحضارهم إلى المحكمة.

يقول القاضي جمال داود سنجاري، الذي يترأس الإجراءات، "لدينا أجهزة كمبيوتر وتكنولوجيا لكن النظام ليس جيداً".

وبعد يومين، تُغلِق المحكمة أبوابها في وقت مبكر لعدم وجود مشتبه بهم حالياً. وبعد الحكم على رجل بالسجن لمدة 15 عاماً لانتسابه إلى داعش، تأجّل النظر في قضية أخرى لأنّ أحد الشهود كان مريضاً. وفيما يُنادى على الاسم النهائيّ، يقول الحرّاس إنّ الرجل لم يحضر إلى المبنى. ومن ثمّ يتّصل القاضي بالشرطة عبر هاتفه المحمول لمعرفة مكان وجوده.

وبعد انتهاء المكالمة يقول سنجاري لزملائه: "لقد نُقِل إلى بغداد". ويضيف: "إنّني متأكّد بنسبة 99 % أنّه لن يكون هناك المزيد من القضايا اليوم".

ويقول أحد الحرّاس الموجودين خارج المحكمة إنّ غياب المدّعى عليهم يمثّل لغزاً مستمراً بالنسبة إليه. ويشير إلى أنّهم ربّما لم يتمكنوا من العثور على مشتبه بهم مناسبين للملفّات العديدة الموجودة في سجون الموصل.

ويضيف: "لكنّنا لا نعرف بالضبط ما هي المشكلة. أحياناً يقولون لنا إنّه ليس ثمّة سيارة متوفّرة لنقل السجين".

يتم القبض على الإرهابيين وتقديمهم للمحاكمات في الموصل رغم كل المخاطر

العدالة الخطرة

أن يكون المرء مسؤولاً قضائيّاً في الموصل لهو أمر خطير، وذلك يرجع لفترة طويلة؛ حيث عمل داعش وأسلافه -تنظيم القاعدة والجماعات الأخرى- على استهداف القضاة والمحامين قبل وقت طويل من استيلائهم على المنطقة.

وفي عام 2014، عندما اجتاح داعش العراق وسوريا حتّى نجح في انتزاع مدن وبلدات وقرى ومساحات من الريف، كان القضاة من بين أوّل من تعرضوا للهجوم.

يقول سالم محمد نوري، رئيس المحكمة العليا لمحافظة نينوى، في مكتبه بالموصل: "لقد هربنا من ديارنا عندما جاءوا". ويضيف: "لقد أخذوا منزلي مباشرة بعد أن غادرته. لو أنّني بقيت هناك لبضع ساعات فقط، الله وحده يعلم ما كان يمكن يحدث".

وبينما فقد تنظيم داعش تقريباً كلّ أراضيه، تستمر الهجمات، حيث قتل 27 شخصاً في تفجيرات في بغداد هذا الأسبوع.

ويقول محامي الدّفاع، الذي لم يرغب في الكشف عن اسمه لأسباب أمنيّة، "يمكننا أن نتعرّض لهجوم من جانب مقاتلي داعش المتخفّين". ويضيف: "أو يمكن أن أتعرّض لهجوم من جانب ضحايا داعش الغاضبين من وجود جهة تدافع عن المقاتلين".

 

هيذر موردوك- في أو أي نيوز

الصفحة الرئيسية