ما هي حظوظ المقاومة الوطنية الأفغانية ضدّ طالبان؟

ما هي حظوظ المقاومة الوطنية الأفغانية ضدّ طالبان؟


29/08/2021

بخلاف الاكتساح اليسير للجيش الأفغاني في غضون أيام، تترقّب حركة طالبان بحذر قبل الإقدام على الصدام مع قوات المقاومة الوطنية في إقليم بانشير، موطن الزعيم الراحل أحمد شاه مسعود، والذي يقود المقاومة اليوم فيه نجله، أحمد مسعود، الذي يعقد عليه شعب بانشير الآمال لقيادتهم في صدّ هجوم طالبان.

وبمقارنة القوة العددية والعتاد، يميل ميزان القوى لصالح لطالبان بشكل كبير، لكن على عكس الجيش الأفغاني؛ فالقوات التي يقودها أحمد مسعود مدرّبة بشكل جيد، وتتمتّع بروح قتالية عالية، فضلاً عن الطبيعة الجغرافية الجبلية التي تعدّ خطّ الدفاع الأول لوادي بانشير، والذي استغله الزعيم أحمد شاه مسعود كمعين في هزيمة السوفييت، ثم طالبان، ومنعهم من دخول الوادي حتى اليوم.

الوادي المحاصر

وسيطرت حركة طالبان (الإمارة الإسلامية) على جميع أراضي دولة أفغانستان، عدا وادي بانشير، الذي يبعد 130 كم شرق العاصمة كابول، وتسكنه عرقية الطاجيك، ويحظى بحكم محلي ذاتي منذ عقود، وتحاصر الحركة الإقليم من جميع الجهات، في انتظار أوامر قيادتها بشنّ هجوم على المداخل المحدودة عبر سلسلة الجبال الشاهقة التي تحيط بالوادي، الذي يشكّل ولاية مستقلة بذاته، وتبلغ مساحته 3.610 كم مربعاً، ويبلغ عدد سكانه حوالي 128.6 ألف نسمة، ويقع شمال شرق البلاد، ولا يتصل بحدود مع دول الجوار.

أحمد مسعود نجل الزعيم أحمد شاه مسعود

وشهدت الأيام الماضية قتالاً في منطقة أندراب المجاورة لوادي بانشير بين السكان الطاجيك الذي يتبعون المقاومة الوطنية وحركة طالبان، وذكرت مصادر محلية عبر حساباتها على "تويتر"؛ أنّ حركة طالبان قتلت عدداً من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وخطفت عدد من النساء.

وأخبر الناشط والأكاديمي من عرقية الطاجيك، جاويد أحور، "حفريات" بأنّ "المقاومة الوطنية تمتلك ألفي مقاتل مدربين، وانضم إليها 500 من القوات الأفغانية الذين فروا من الجبهات، بعضهم من القوات الخاصة، وتمّ تخريج 6 آلاف متدرب جديد خلال الآونة الأخيرة".

انتهجت إيران سياسة مهادنة متبادلة مع طالبان، لضمان حقوق الهزارة الشيعة، وشارك الهزارة في القتال جنباً إلى جنب مع طالبان في عدد من المواقع

وقال أحور؛ الوضع في بانشير أشبه بوقف إطلاق نار بين الجانبَين، وهناك مفاوضات مع طالبان، لكنّ الأكيد أنّ خيار الاستسلام غير وارد تحت أيّ ظرف، ولولا عزلة الإقليم لكانت قوات أفغانية لحقت بالمقاومة الوطنية.

وأكّد أحور أنّ وقوع الصدام أمر حتمي، لكنّ الطرفين الآن يفضّلان الهدنة، وطالبان تخشى أن يتسبّب قتالها في بانشير في إطلاق شرارة المقاومة ضدّها في الشمال والغرب؛ حيث المناطق التي لا تحظى فيها بغطاء قبلي بشتوني قوي، إلى جانب رمزية صمود بانشير منذ الغزو السوفيتي، عام 1979.

اقرأ أيضاً: صورة "طالبان" الأولى: الثابت والمتغير في خصائص الحركة

وهناك مفاوضات جارية بين وفدي طالبان والمقاومة الوطنية لبحث مستقبل إقليم بانشير، وذكرت وسائل إعلامية باكستانية أنباء عن التوصل لاتفاق بين الطرفين، ونفى رئيس العلاقات الخارجية للمقاومة، علي نزاري، هذه الأنباء.

وأشار الناشط أحور إلى أنّ المقاومة لا تتلقى دعماً من أية قوى دولية، عدا طاجيكستان التي أرسلت مواد إغاثة إنسانية إلى الإقليم.

وذكر عدد من الناشطين الطاجيك ومن بانشير أنّ ثلاث طائرات هليكوبتر طاجيكية محمّلة بعتاد عسكري هبطت في إقليم بانشير لدعم الطاجيك.

 وكان الرئيس الطاجيكي، إمام علي رحمن، قد أكّد أنّ؛ بلاده لن تعترف بأيّة حكومة تشكّلها طالبان، ما لم تضمن تمثيلاً عادلاً للطاجيك الذي يمثلون 46% (بحسب قوله) من عدد السكان، وكذلك بقية الإثنيات.

الناشط والأكاديمي الأفغاني، جاويد أحوّر

وعلى الحدود الطاجيكية - الأفغانية تجمّع عدد من المتطوعين المسلحين من طاجيكستان، مطالبين بالسماح لهم بدخول أفغانستان للقتال مع المقاومة الوطنية ضدّ طالبان.

الصراع الإثني

وفي تصريحات لـ "حفريات"، قال صحفي من بانشير، فضّل عدم الكشف عن اسمه؛ أنّ غالبية السكان في الولايات الشمالية ينتظرون اللحظة المناسبة لحمل السلاح ضدّ طالبان، وهو ما تعلّق عليه المقاومة الوطنية الآمال، وأكّد أنّ سكان هذه المناطق كانوا يخططون لمقاومة تقدّم طالبان، لولا صدور أوامر من الرئيس السابق، أشرف غني، للجيش بالانسحاب.

اقرأ أيضاً: سقوط "طالبان"... حلم متحقّق أم واقع يتحقّق؟

وذكر الصحفي الأفغاني؛ أنّ أكثرية سكان الشمال من عرقيات غير البشتون، ويتعرّضون للقتل بناء على الهوية على يد مقاتلي حركة طالبان.

وإلى جانب التخوّف من النهج الديني المتشدّد لطالبان، تخشى الأعراق غير البشتونية من القومية المتطرفة لدى الحركة، وبحسب الأكاديمي جاويد أحور؛ فحركة طالبان هي حركة قومية متطرفة إلى جانب كونها دينية، وتمثّل القبائل وسكان الريف من البشتون، بخلاف الطاجيك والشمال الحضري.

وأضاف؛ حتى غير المنتمين لطالبان من البشتون يفضّلون حكم طالبان على حكم ديمقراطي تشارك فيه جميع الأعراق، فضلاً عن الماضي الدموي من الصراع بين البشتون والطاجيك، والذي يلقي بظلاله على الوضع الراهن.

الزعيم الأفغاني، أحمد شاه مسعود

وتعرضت قومية الهزارة، التي تمثّل 9% من السكان وتدين بالإسلام الشيعي، إلى عمليات قتل وتعذيب وثّقتها منظمة العفو الدولية، في منطقة ماليستان بولاية غزني، في شهر تموز (يوليو) الماضي. وفي تصريح صحفي، لقناة "دويتشه فيليه" الألمانية، قال رئيس حزب الوحدة الاسلامية الشعبية الأفغاني، وأحد رموز الهزارة، محمد محقق: "إذ لم تمتثل طالبان لمطلب حكومة شاملة، تضمّ الجميع، وتهاجم وادي بانشير، فإنّنا سندعم أحمد مسعود".

وفي حوار مع قناة "بي بي سي" الفارسية، شدّد قائد المقاومة الوطنية، أحمد مسعود، على أنّهم؛ لا يقاتلون من أجل منطقة بانشير الجغرافية فقط، بل من أجل الحرية وحقوق الشعب الأفغاني: "لن نقبل بسلام مفروض علينا باسم الاستقرار، الحرية والحقوق أكثر أهمية من أن نعيش في سجن باسم الاستقرار".

أزمة نظام الحكم

وتخشى الأعراق غير البشتونية في أفغانستان قيام حكم مركزي بشتوني بقيادة طالبان، ويطالب أحمد مسعود بتأسيس جمهورية فيدرالية على غرار النظام السويسري.

وفي مقابلة مع "بي بي سي" قال رئيس العلاقات الخارجية بالمقاومة الوطنية، علي نزاري: "من أجل تحقيق السلام علينا أن نركز على أصل المشكلة، وهي النظام السياسي، "أفغانستان بلد مكون من أقليات عرقية، ولا أحد يمثل أغلبية، وهي دولة متعددة الثقافات؛ لذا فهي في حاجة إلى تقاسم السلطة، ليكون الجميع ممثّلاً في الحكم".

صحفي أفغاني لـ "حفريات": غالبية السكان في الولايات الشمالية ينتظرون اللحظة المناسبة لحمل السلاح ضدّ طالبان، وهو ما تعلّق عليه المقاومة الوطنية الآمال

وتلعب دول الجوار دوراً كبيراً في السياسة الداخلية للبلاد، وتقيم كلّ دولة علاقاتها على أساس حماية مصالح العرقية التي تنتمي إليها، ولهذا تشددت طاجيكستان في علاقاتها مع طالبان، ورهنتها بضمان حقوق الطاجيك، بينما رحّبت أوزباكستان بسيطرة حركة طالبان على البلاد.

وانتهجت إيران سياسة مهادنة متبادلة مع طالبان، لضمان حقوق الهزارة الشيعة، وشارك الهزارة في القتال جنباً إلى جنب مع طالبان في عدد من المواقع، ما جعل الحركة أكثر انفتاحاً على الشيعة وتقبلاً لخصوصيتهم الدينية في مراكز تجمعهم السكاني، واستجابت إيران لطلب الحركة بتزويد البلاد بالغاز والمشتقات النفطية، وسلمت سلاح الجنود الفارين إليها للحركة.

قوات المقاومة الوطنية في بانشير

وترتبط باكستان بعلاقات وطيدة مع حركة طالبان، وحول ذلك يقول الصحفي الأفغاني من بانشير: "تموّل باكستان حركة طالبان بالمال والعتاد، وتقيم معسكرات تدريب على الحدود، واستفادت إستراتيجياً من سيطرة الحركة على أفغانستان، وستوظف ذلك في النزاع مع الهند على منطقة كشمير".

وأضاف لـ "حفريات"؛ تشهد كشمير مظاهرات واسعة ضدّ الحكم الهندي، وهناك جماعات مقاتلة في الإقليم تبحث عن دعم من حركة طالبان، وكذلك نقلت باكستان العديد من أسلحة الجيش الأفغاني السابق إلى أراضيها، ومن المحتمل أنّ تُسلح بها الموالين لها في كشمير".

ويبلغ عدد سكان البلاد 32.8 مليون نسمة، وفق تقديرات عام 2020، ويشكّل البشتون حوالي 42% من عدد السكان، والطاجيك 27%، والهزارة 9%، والأوزبك 9%، والبقية من البلوش والتركمان والأيماق، وآخرين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية