ما مدى تأثير الإعلام الرقمي في نشر ثقافة التسامح والتعايش؟

ما مدى تأثير الإعلام الرقمي في نشر ثقافة التسامح والتعايش؟


10/05/2022

تلعب وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تعزيــز مبـادئ التسامح التعايش السـلمي والاحترام المتبادل وتقبّل الآخر وتفهّمه وحفـظ الكرامة الإنسانية وتحقيق الصداقة بيـن البشـر على تنوع واختلاف أديانهم ومعتقداتهم وثقافاتهم ولغاتهم.

واليوم، في ظلّ التواجد الواسع للتنظيمات المتشددة والمتطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي واستغلالهم لانتشارها الواسع على مستوى العالم، نحن في أشد الحاجة إلى تفعيل مبدأ ثقافة التعايش والتسامح الديني، خاصة أنّ التقارب بين الأمم والحضارات والثقافات أصبح واقعاً كبيراً بفعل ثورة الاتصالات التي جعلت العالم (غرفة واحدة) يستوطنها الجميع، مُزيلة كافة الحواجز الزمانية والمكانية بين الجماهير الغفيرة المتباينة.

وكانت صحيفة الوطن الخليجية قد حددت عدداً من الاستراتيجيات الإعلامية للتعامل مع خطاب الكراهية، عبر الإعلام ومواقع التواصل، وهي: اعتماد لغة الحوار الحضاري، وتعزيز ثقافة الاختلاف، واعتماد الخطاب المتصالح وتجنب الخطاب الانفعالي، ونبذ لغة الكراهية والابتعاد عن التحريض، ونشر القيم الإنسانية الجامعة، هذا بالإضافة إلى تصحيح الصور النمطية (الدينية) وضبط المصطلحات، والتوقف عن استخدام مصطلحات ملغومة يراد بها العنف والتحريض الديني والعنصري والطائفي والمذهبي، ووقف تغذية الصفحات والتطبيقات الإلكترونية فيها.

الإمارات أخذت على عاتقها تعزيز ثقافتي التعايش والتسامح بين أكثر من (200) جنسية تعيش على أراضيها، وتحظى بالحياة الكريمة والاحترام

ويُعتبر التسامح، في الوقت الحالي، من أهم المواضيع التي يجب التركيز عليها؛ نظراً لدوره الكبير وأثره الإيجابي والفعّال في ظل ما يواجهه العالم من مشكلات عديدة وأزمات وحروب انعكست آثارها السلبية على البشرية جمعاء، وجعلت العالم بأسره بأمسّ الحاجة إلى التسامح بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، والعمل على تطبيقه قولاً وفعلاً، ويُعدّ ضرورة حتمية لتحقيق مصالح الأفراد والمجتمعات ككل.

 

للتعامل مع خطاب الكراهية يجب اعتماد لغة الحوار الحضاري وتعزيز ثقافة الاختلاف، ونبذ لغة الكراهية، والابتعاد عن التحريض ونشر القيم الإنسانية الجامعة

 

ووفقاً لمقالة نشرتها صحيفة البيان الإماراتية للكاتبة فاطمة عبد الله الدربي، فإنّه لنشر التسامح بالمعنى الصحيح "نحتاج لمواقع تواصل اجتماعية ملتزمة بالمبادئ والخطوط العامة للإنسانية، البعيدة كلّ البعد عن الكره وعن تكفير الآخر وعن التصنيفات المتعلقة بالديانة أو بالطائفة".

وأضافت الدربي: "وذلك يكون ببث رسائل توعوية تستهدف تعزيز قيم التسامح عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وترسيخ آداب وأخلاقيات التصرف المسؤول في استخدام الإنترنت واحترام الطرف الآخر وتجنب الإساءة للآخرين، والابتعاد عن السلوكيات السلبية في استخدام الفضاء الرقمي، وتجنب خطاب الكراهية وسلوكيات التمييز والعنصرية وإثارة النعرات الطائفية والدينية، واحترام خصوصيات الآخرين، والتسامح تجاه ما يصدر من الآخرين والإيجابية في التعامل، والحرص على تقديم الأفضل".

وبحسب دراسة لمركز تريندز، فإنّ التعايش والتسامح نموذجان ثقافيان، وهما مبدآن إنسانيان يطمحان إلى توفير سياق إيجابي للتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، وهو فكر يواجه كلّ ما هو متشدد ومتطرف.

 

لنشر التسامح نحتاج لمواقع تواصل اجتماعية ملتزمة بالمبادئ والخطوط العامة للإنسانية، البعيدة عن الكره والتصنيفات المتعلقة بالديانة أو بالطائفة

 

لذا، ففي الأوقات التي يسودها الخوف من التطرف والإرهاب يسعى العديد من الدول والمجتمعات لتأمين الأفراد وتحصينهم من هذه الآفة، من خلال نشر قيم التعايش والتسامح وثقافتها وتعزيزها بين الأفراد بمختلف جنسياتهم، وأعراقهم، وأديانهم ومعتقداتهم، وفق ما أورده الكاتب سلطان حميد الشامسي، في مقاله "التعايش والتسامح... جذور متشابكة".

ولفت الشامسي إلى أنّه من دون ثقافتي التعايش والتسامح سيصبح الإنسان منغلقاً تماماً عمّن حوله، ومنعزلاً ثقافياً وفكرياً، وبالتالي قد يتحول هذا الانغلاق والانعزال إلى تطرف وتشدد بكلّ سهولة، مؤكداً أنّ أهمية التعايش والتسامح تأتي في أنّهما يمثلان العوامل الرئيسية لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في أيّ مجتمع.

الإعلام الرقمي يمكن أن يُستخدم من قِبل محاربي قيم التعايش والتسامح من جماعات متطرفة لبث الكراهية والعنف

وتابع الكاتب: "ومن هنا تأتي أهمية اللجوء إلى الإعلام الرقمي الذي من الممكن أن يكون الوسيلة الأكثر نجوعاً وتأثيراً، لأنّه وسيلة نقل حيوية للمعلومات والآراء تتجاوز جميع الحدود الجغرافية، ومنصة في غاية الأهمية لتثقيف الأفراد وتشكيل العقل الجمعي الإلكتروني الذي يرتد ليعكس خصائصه على سلوك أفراد المجتمع، ولذا فإنّه من أهمّ وسائل تحقيق التعايش والتسامح في وقتنا الحاضر".

وفي سياق تعزيز قيم التعايش والتسامح، قالت البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة: "إنّه يمكن أن يكون الإعلام الرقمي وسيلة يتمّ من خلالها تفكيك الخطابات المتطرفة والأفكار التي لا تتفق مع قيم التعايش والتسامح، ونشر قيم السلام والوئام. وفي هذا الصدد تمثل الإمارات نموذجاً يشار إليه بالبنان في العالم، حيث أخذت على عاتقها تعزيز ثقافتي التعايش والتسامح بين أكثر من (200) جنسية تعيش على أراضيها، وتحظى بالحياة الكريمة والاحترام. وفي تموز (يوليو) 2015 أصدر رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مرسوماً بشأن مكافحة التمييز والكراهية، وتمّ إنشاء "المعهد الدولي للتعايش" و"مركز هداية"، و"مركز صواب"، لنبذ الطائفية والتعصب القومي والديني.

 

العديد من الدول والمجتمعات تسعى لتأمين الأفراد وتحصينهم من التطرف والإرهاب، من خلال نشر قيم التعايش والتسامح وثقافتها وتعزيزها بين الأفراد

 

ويمثل عرض ثقافات الشعوب الأخرى وخبراتها في التسامح والتعايش واحداً من أهمّ الفرص التي من الممكن أن يوفرها الإعلام الرقمي أيضاً، وخير مثال على ذلك ما فعلته دولة الإمارات العربية المتحدة خلال أسبوع التسامح في إكسبو 2020، الذي أقيم في دبي بين عامي 2021 و2022، والذي عرض من خلاله تجارب بعض الدول وخبراتها في التسامح والتعايش، وفق وكالة الأنباء الإماراتية (وام).

أمّا التحديات التي قد تواجه تعزيز ونشر التسامح عبر الإعلام الرقمي، وفقاً لدراسة مركز تريندز التي أعدتها الباحثة نوف يعقوب السعدي وجاءت بعنوان "فرص التعايش والتسامح وتحدياتهما في ظل الإعلام الرقمي"، فتتمثل في إمكانية أن يستخدم الإعلام الرقمي من قِبل محاربي قيم التعايش والتسامح من جماعات متطرفة لبث الكراهية والعنف من خلال الخطابات التأجيجية التي تثير القلاقل بين مختلف الأديان والجنسيات والأعراق.

وأضافت الدراسة أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ الإعلام الرقمي قد أسهم بدرجة كبيرة في عولمة التطرف، وأنّ تصاعد أنشطة الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية في الفترة الأخيرة كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالإعلام الرقمي، فالجماعات المتطرفة نجحت في استغلال هذا الإعلام بفعالية في عمليات التجنيد والدعاية لإيديولوجياتها والتنسيق فيما بينها، ممّا كان مصدراً مهمّاً يتغذى عليه الاحتقان الطائفي والمذهبي، وقد لجأت التيارات الفكرية التي ترفض قبول الآخر إلى الإعلام الرقمي (يوتيوب، فيسبوك، تويتر… إلخ) لأنّه وسيلة سريعة لإيصال رسائلها وكسب عدد من المتعاطفين والأتباع الجدد، خصوصاً من الشباب، ونشر ثقافة رفض الآخر وعدم القبول به أو التعايش معه.

ومن التحديات التي تواجه التعايش والتسامح في الإعلام الرقمي، وفق الدراسة، استغلال  بعض التيارات الفكرية هذه المنصات لإثارة النزاعات الطائفية والعرقية؛ حيث يستخدم بعضهم منصات الإعلام الرقمي مثل؛ مواقع التواصل الاجتماعي لتفكيك أيّ مجتمع مترابط، ممّا يُشكّل تحدياً كبيراً لنشر ثقافتي التعايش والتسامح وتفعيلهما في المجتمعات، فالإعلام الرقمي بات متاحاً لجميع، للواعي وغير الواعي، وللمثقف وغير المثقف، وللمُحصّن فكرياً وغير المُحصّن فكرياً. إنّ الفرد غير الواعي يتمّ اختراق اعتقاداته بسرعة كبيرة والتأثير فيه بسهولة باستخدام وسائل الإعلام الرقمي، وفق الدراسة.

ومن هنا فإن دور وسائل الإعلام الرقمي فيما يتعلق بالتسامح والتعايش سلاح ذو حدّين، وإنّ تأثيرها يتوقف على أهداف وغايات المستخدم، وعلى درجة وعي المتلقي.

مواضيع ذات صلة:

غوغل.. هكذا غير عملاق البيانات الرقمي العالم

توقف منصة الجزيرة الرقمية "رايتلي" في أمريكا.. ما القصة؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية