ما خطأ الولايات المتحدة الاستراتيجي في تقويض فعالية إيران بالمنطقة؟

ما خطأ الولايات المتحدة الاستراتيجي في تقويض فعالية إيران بالمنطقة؟

ما خطأ الولايات المتحدة الاستراتيجي في تقويض فعالية إيران بالمنطقة؟


08/02/2024

تتخوف إيران من التصعيد مع الولايات المتحدة، بينما تتفادى توسيع الصراع المباشر، وذلك منذ اندلاع "طوفان الأقصى" بعد الهجمات المباغتة التي شنتها حركة حماس ضدّ إسرائيل. لكنّ تصاعد التوتر مؤخراً، خاصة بعد الهجوم على القاعدة الأمريكية في شمال شرق الأردن (برج 22)، ثم إعلان تنظيم ما يُعرف بـ"كتائب حزب الله" العراقي تجميد عملياته، يؤشر إلى احتمالات تفلت الأوضاع الميدانية، لا سيّما بعد الرد الأمريكي باستهداف مناطق نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق.

العراق على حافة الخطر

وفق تصريحات رئيسة البعثة السياسية للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت لمجلس الأمن الدولي، فإنّها ترجح التنحي عن منصبها في أواخر شهر أيار (مايو)، لافتة إلى وقوع العراق "على حافة الخطر". وأوضحت هينيس بلاسخارت أمام مجلس الأمن المؤلف من (15) عضواً: "لكي يواصل العراق السير على طريق الاستقرار والتقدم، فمن الضروري توافر البيئة المواتية، ومثل هذه البيئة تتطلب ضبط النفس من جميع الأطراف".

وتابعت: "ندرك طبعاً أنّ سلطات وجهات مؤثرة كثيرة تسعى إلى تقليص التصعيد، لكن من الواضح أنّ الوضع ما زال هشاً. وما زال العراق، بل المنطقة كلها، على حافة الخطر، حيث يهدد أصغر خطأ في الحسابات بسقوطه في صراع كبير".

وهناك "حاجة ملحة لوقف الهجمات، سواء كانت من داخل العراق أو من خارجه. وقد أشير إلى ذلك مرات كثيرة في الأعوام الماضية، يتعين أن يشمل ذلك كبح جماح الجهات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة".

رئيسة البعثة السياسية للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت

ويقع العراق تحت وطأة الصراع بين الميليشيات الإيرانية من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، بما قد يجعل البلاد أمام احتمالات وسيناريوهات عديدة بحسب مصدر عراقي، لافتاً إلى أنّ الزيارة التي قام بها قبل أيام قليلة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر حمديان كانت لـ "تهدئة أو بالأحرى ضبط الفصائل بعد عجز وعدم مقدرة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني عن أداء تلك المهمة"، ويشير المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ (حفريات) إلى أنّ علي أكبر حمديان جاء يحمل رسالة "الدولة العميقة في إيران لأكثر من طرف في بغداد، سواء على مستوى تهدئة الخلاف الذي نشب مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بفعل خطوة كتائب حزب الله غير المحسوبة، فضلاً عن القوى الولائية وإبلاغ الأخيرة ضرورة عدم الخروج عن الطوق الإيراني، وبما يربك حسابات طهران الأمنية والاستراتيجية". 

إنهاء مهمة التحالف الدولي ببغداد

ونقل التلفزيون الرسمي بإيران عن الرئيس إبراهيم رئيسي قوله: إنّ "بلاده لن تبدأ حرباً، لكنّها سترد بقوة على كل من يستأسد عليها"، وأردف: "لن نبدأ بأيّ حرب، لكن إذا أراد أحد الاستئساد علينا، فسيتلقى رداً قوياً".

وبالتزامن مع تلك التطورات، أكد محمد شياع السوداني على ضرورة إنهاء مهمة التحالف الدولي، الأمر الذي سيترتب عليه تصفية كل الحجج التي تؤدي إلى الهجمات المتباينة في البلاد، مؤكداً على أنّ "أيّ هجوم عسكري على أراضي العراق مرفوض من أيّ جهة كانت"، وفق قناة (العربية)، وقال السوداني: "التحالف الدولي بدأ بطلب عراقي، وسينتهي أيضاً بطلب عراقي". وذكر أنّه تمّ التوصل إلى "معادلة أن توقف الفصائل هجماتها، مقابل وقف الردّ الأمريكي".

 

تتخوف إيران من التصعيد مع الولايات المتحدة، بينما تتفادى توسيع الصراع المباشر، وذلك منذ اندلاع "طوفان الأقصى"، بعد الهجمات المباغتة التي شنتها حركة حماس ضد إسرائيل.

 

إنّ استهداف القوات الأمريكية على الحدود الأردنية السورية من قبل ميليشيات تابعة لإيران وضع إدارة الرئيس جو بايدن في "موقف حرج"، حيث أصبح من شبه المستحيل عدم الرد عسكرياً على هذا الاعتداء، وخصوصاً أنّها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها ميليشيات مدعومة إيرانياً بضرب القواعد الأمريكية، حسبما يوضح الباحث المختص في الشؤون الدولية والمقيم في واشنطن زياد سنكري، لافتاً إلى أنّ تلك الميليشيات قد ازداد "تماديها حتى سجلت أعلى نسبة ضحايا بمقتل (3) جنود وجرح العشرات". 

والعقدة الأساسية هي أنّ إدارة بايدن تحاول جاهدة عدم توسيع رقعة المواجهة وعدم تحويل المشهد إلى مواجهة مباشرة مع طهران.

ومن هذا المنطلق، عكف البنتاغون والقيادة المركزية الأمريكية على إعداد خطط واقتراحات على البيت الأبيض لكيفية الرد على هذا الهجوم. 

المقاربة الحالية تشمل توجيه ضربة قوية للنظام الإيراني، ثم استهداف مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني مباشرة، مع الحرص ألّا تكون هذه المواقع على الأراضي الإيرانية، ولكن في سوريا والعراق.  

يجري كل هذا في"وقت سياسي حساس" في أمريكا، وفق سنكري، حيث تقف واشنطن على أعتاب انتخابات رئاسية يحاول الرئيس بايدن أن ينفي الاتهامات الموجهة له من الجمهوريين بالضعف، وذلك من خلال توجيه ضربة، والتي يجب أن تكون قوية ورادعة، في محاولة لإرسال رسالة واضحة إلى نظام طهران بأنّ هناك "خطوطاً حمراء" يجب عدم تجاوزها، وأهمها استهداف جنود الولايات المتحدة. فالإدارة الأمريكية لا تتحمل خسارة أيّ جندي في ظل ضغط سياسي وشعبي في فترة انتخابية مهمة، والتي من المرجح أن تكون "متخمة بالأحداث" ومفصلية في تحديد مستقبل الولايات المتحدة، في ظل انقسام عامودي في الشارع الأمريكي. 

ويردف: "المشكل الأساسي في التعامل مع طهران وسياستها العدائية هو وجود نوع من الفوبيا الأمريكية من التصعيد والمواجهة المباشرة معها، وذلك على خلفية التجارب الأمريكية في أفغانستان والعراق، حيث تقوم أيّ إدارة أمريكية بعمل ألف حساب قبل اتخاذ قرار من شأنه أن يورط واشنطن في حرب ومستنقع يصعب الخروج منه، وما لذلك من تداعيات بشرية واقتصادية".  

كلّ ما نراه اليوم هو نتيجة فشل سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة لاحتواء طهران وسياستها التوسعية في المنطقة. لقد اعتمدت واشنطن على سياسة "القطعة" في مقاربتها للملف الإيراني، واتبعت سياسة رد الفعل، بحسب الباحث المختص في الشؤون الدولية والمقيم بواشنطن.

 زياد سنكري: تلك الميليشيات ازداد "تماديها حتى سجلت أعلى نسبة ضحايا بمقتل (3) جنود وجرح العشرات"

ويقول: إنّ "التغير المفصلي كان عقب الاجتياح الأمريكي للعراق، وهو القرار الذي ما يزال يعتبر البعض أنّه أكبر خطأ استراتيجي وجيوسياسي ارتكبته واشنطن، والذي نتج عنه توسع نفوذ إيران في بلاد الرافدين، وهي ما كانت لتحلم به لولا الاجتياح الأمريكي الذي جعل القوات الأمريكية تحت مرمى إيران وميليشياتها التي قامت بتدريبها وتسليحها، والتي تنفذ السياسة الإيرانية على الأرض". 

هذا بالإضافة إلى انفلات الوجود الإيراني ليشمل سوريا ولبنان، ويمتد حتى اليمن مروراً بتحالف قوي مع الجناح السنّي بغزة، أي حماس، بحسب المصدر ذاته. وكل هذا أعطى إيران نفوذاً استراتيجياً ومحورياً في المنطقة، فقد أصبحت أغلب الدول العربية والمصالح الغربية فيها مكشوفة، وتقع تحت تهديد إيراني مباشر وصريح. وكل هذا جرى ويجري تحت أعين الولايات المتحدة، ولم تتخذ أيّ إجراء من شأنه لجم إيران وخططها التوسعية، حتى عندما تم التفاوض على البرنامج النووي الإيراني. وجلّ ما تم التوصل إليه هو إبطاء هذا المشروع، وليس إيقافه، في مقابل إغراءات مادية واقتصادية طهران في أمس الحاجة إليها. 

 

في حديثه لـ (حفريات) قال الباحث المختص بالشؤون الدولية زياد سنكري: "إدارة الرئيس جو بايدن في موقف حرج، فقد أصبح من شبه المستحيل عدم الرد عسكرياً على هذا الاعتداء".

 

ويختتم سنكري حديثه قائلاً: "عندما أخذ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قراره بتصفية الجنرال قاسم سليماني، الذي تم اغتياله في أكبر ضربة مباشرة للنظام الإيراني، كان قرار التصفية خطوة منفصلة، ولم تكن ضمن سياسة واضحة لكيفية التعامل مع إيران وسياستها في إطار طويل الأمد. 

وحتى الأشهر القليلة الماضية، أبرمت إدارة بايدن اتفاقاً مع إيران تقوم بموجبه واشنطن بتحرير (6) مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة مقابل إطلاق سراح عدد من المحتجزين الأمريكيين، ولكنّ هذه الصفقة جمّدت في اللحظات الأخيرة.

وبمراجعة بسيطة، قامت إيران باستهداف باكستان، وقامت ميليشيات تابعة لها بأكثر من (160) استهدافاً للقوات الأمريكية في آخر (3) أشهر، وهي تتبجح بأنّها تسيطرعلى (4) عواصم عربية. 

كلّ هذا يجري من دون أن تواجه أيّ ردود فعل رادعة من واشنطن، وفي ظل صمت وضعف عربي مريب. والوضع الحالي لا يختلف كثيراً عن سوابقه، حتى وإن قامت واشنطن بتوجيه ضربة قوية للنظام الإيراني، فستبقى بلا فعالية، إذا لم تأتِ ضمن استراتيجية سياسية وعسكرية لمقاربة ومجابهة هذا الطموح الإيراني، الذي من شأنه أن يشعل منطقة الشرق الأوسط، حيث سيكون من شبه المستحيل السيطرة عليه".

مواضيع ذات صلة:

ما رسائل تركيا من الاعتداءات بحق المدنيين في شمال شرقي سوريا؟

الانهيار الاقتصادي في سوريا يضاعف تهريب المخدرات إلى الأردن

إسرائيل تقصف دمشق... والأسد يرد على المدنيين في شمال غربي سوريا




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية