ما حقيقة علاقة التغيّر المناخي والسدّ العالي بفيضانات السودان؟

ما حقيقة علاقة التغيّر المناخي والسدّ العالي بفيضانات السودان؟


13/09/2020

يشهد السودان، منذ نهاية شهر آب (أغسطس) الماضي، سيولاً وفيضانات عارمة، تسبّبت في مقتل 103 أشخاص، وجرح 50 آخرين، وهدم عشرات آلاف المنازل، وغرق مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وفق آخر تقرير رسمي.

وتسبّبت الأمطار الموسمية التي هطلت على السودان بالجزء الأكبر من الكارثة، بينما يتحمّل ارتفاع منسوب المياه التاريخي في النيلين الأبيض والأزرق الجزء الباقي. ولم يشهد السودان أمطاراً بهذه الغزارة منذ عقود.

اقرأ أيضاً: السودان: آمال وشكوك حول مستقبل اتفاق جوبا للسلام

وربط البعض الفيضانات الكارثية بسدّ النهضة، وروّجت حسابات إثيوبية دعاية عن حماية سدّ النهضة، حين اكتماله، للسودان من مثل هذه الفيضانات، كما طالب البعض بفتح بوابات السدّ العالي لاستيعاب زيادة المياه في نهر النيل، وعزى كثيرون سبب الأمطار الغزيرة إلى التغيرات المناخية التي يشهدها العالم؛ فما هو الرأي العلمي حول ذلك؟

الأمطار لا نهر النيل

المسؤول عن الكارثة التي يشهدها السودان ليس نهر النيل في المقام الأول، بل الأمطار التي هطلت على معظم أنحاء البلاد، وتسبّبت في حدوث سيول وفيضانات في الأنهار والروافد الصغيرة داخل السودان، والتي لا علاقة لها بنهر النيل.

تسبّبت الأمطار الموسمية التي هطلت على السودان بالجزء الأكبر من الكارثة

ويشرح ذلك خبير المياه الدولي، ورئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، قائلاً: "يشهد السودان نوعَين من الفيضانات؛ فيضان نهر النيل وروافده، وتنتج عن أمطار تسقط خارج السودان؛ فوق الهضاب الإثيوبية، التي تنتقل عبر النيل الأزرق إلى السودان، حتى التقائها بالنيل الأبيض في الخرطوم، وجزء من هذه الأمطار يذهب عبر نهر السوباط إلى النيل الأبيض في جنوب السودان، ويتابع شمالاً".

اقرأ أيضاً: هل تُرفع السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب قريباً؟

ويتابع شراقي، لـ "حفريات"، قائلاً: "القسم الآخر من فيضانات النيل يأتي من النيل الأبيض، عبر المياه التي تسقط على بحيرة فيكتوريا، ويتكرّر هذا النوع من الفيضانات كلّ عام، ويختلف بحسب كميات الأمطار في إثيوبيا والمنابع الإستوائية، ويتحسّب السودان لذلك بعدم البناء على ضفاف النهر، حتى المسافة التي تمتلئ بمياه الفيضان، يستخدمها في الزراعة".

أما النوع الآخر من الفيضانات؛ فهو ما ينتج عن هطول الأمطار داخل السودان، والتي تتسبّب في تشكّل سيول وفيضانات من الأنهر الصغيرة داخله، وهي المسؤولة عن الكارثة الحالية بشكل كبير.

اقرأ أيضاً: بعد السودان... هذا ما فعلته الفيضانات في الجزائر

وشهد العام الجاري ارتفاع نسبة الأمطار على المناطق الإستوائية، وتبع ذلك هطول أمطار غزيرة على الهضاب الإثيوبية، مما أدّى إلى ارتفاع منسوب المياه في نهر النيل، وتسجيل أعلى مستويات له منذ بداية القياس في السودان وبحيرة فيكتوريا.

وبحسب توقعات خبير المياه الدولي، عباس شراقي؛ فإنّ فيضان نهر النيل لا تتجاوز مشاركته في كارثة السودان نسبة 10%، بينما الأمطار الداخلية مسؤولة عن 90% من السيول والفيضانات في الجداول والأنهار الصغيرة"، ولا تصل إلّا نسبة ضئيلة من الأمطار الداخلية في السودان إلى نهر النيل.

فتح بوابات السدّ العالي

وتحدّث البعض عن حلّ يتمثّل في فتح بوابات السدّ لتنساب المياه الزائدة إلى نهر النيل، حتى البحر المتوسط، لكنّ هذا الافتراض مبني على جملة من الأخطاء، هي: أنّ الخرطوم تقع على ارتفاع 350م فوق سطح البحر، بينما السدّ العالي على ارتفاع 182م، ما يعني أنّ كلّ قطرة مياه كان بإمكانها الانحدار من الخرطوم المرتفعة إلى السدّ المنخفض تحركت بالفعل، والأمر الثاني أنّ بحيرة ناصر لم تصل للحدّ الأقصى للتخزين بعد، بمعنى أنّها استوعبت كلّ ما جاء بالفعل من الخرطوم.

اعتبرت وزارة الداخلية السودان منطقة كوارث طبيعية

ويزيد الخبير شراقي بقوله: "لدى مصر خطط لتصريف كميات المياه الزائدة عن حاجة التخزين؛ أولها التصريف اليومي للسدّ العالي، ويبلغ 250 مليون متر مكعب، ومفيض توشكى، وقناة احتياطية تصل لما وراء السدّ، ولكلّ منهما 250 مليون متر مكعب، لكن بما أنّ السيول والفيضانات في السودان لا علاقة لها بنهر النيل إلا بنسبة قليلة، فما يزال بإمكان بحيرة ناصر استيعاب الزيادة".

هل لسدّ النهضة علاقة؟

وربط البعض الفيضانات بتخزين إثيوبيا كمية 4.9 مليار متر مكعب وزيادة الأمطار في السودان، نتيجة للتبخر الذي يحدث، كما اتّهم آخرون الحكومة السودانية بملء خزانات سدودها، حتى لم تعد قادرة على استقبال الزيادة في النيل.

اقرأ أيضاً: الإمارات تواصل إرسال طائرات المساعدات إلى السودان

وحول ذلك يبيّن شراقي قائلاً: "الأمطار التي تشهدها السودان ترتبط بظواهر مناخية عالمية، إلى جانب أنّ بحيرة سدّ النهضة بها كميات ضئيلة لا تكفي لإحداث تغيّر مناخي، بل حين تمتلئ عن آخرها لن تؤثر إلا بشكل بسيط على البيئة المحلية لها، ولدينا مثال في مصر؛ وهو بحيرة ناصر، التي رغم استيعابها لما يصل إلى 164 مليار متر مكعب، لم تشهد المنطقة المحيطة بها تغيرات مناخية تتعلق بالأمطار".

ويكمل شراقي حديثه: "أما عن السدود السودانية فكانت سعتها التخزينية عند النصف، ولا يملؤها السودان في بداية الفيضان، بل في منتصفه، وسعتها التخزينية ليست كبيرة، فلا سبب لها في الفيضانات".

فرضية التغير المناخي؟

هناك حديث يدور حول علاقة التغير المناخي بالأمطار الغزيرة في السودان، لكن من المبكر اتباع هذه الفرضية؛ لأنّه من الصعب التنبؤ بدقة لأكثر من شهر زمني، إلى جانب أنّ التغيّر يحتاج إلى أعوام طويلة، وديمومة، حتى يصحّ اعتباره سبباً.

اقرأ أيضاً: هل ينزلق السودان إلى صراع هوياتي بعد إعلان علمانية الدولة؟

وتعليقاً على ذلك؛ يرى شراقي؛ أنّ هناك مبالغة في ربط الأمطار بالتغير المناخي، فهطول الأمطار بكثافة ظاهرة تتكرر، ففي عام 1981 حتى 1987 شهدت منابع النيل جفافاً ممتداً، حتى وصل منسوب بحيرة ناصر إلى 3 أمتار فقط، وتبعت ذلك أمطار غزيرة في العام التالي، أدّت إلى حدوث أكبر فيضان تمّ تسجيله حتى اليوم، تسبّب في دمار كبير في السودان، أكبر مما يشهده اليوم، لكنّ مصر لم تتأثر؛ لأنّ بحيرة ناصر استوعبت كلّ المياه التي وصلت لمصر".

 هناك مبالغة في ربط الأمطار بالتغير المناخي، فهطول الأمطار بكثافة ظاهرة تتكرر

ويعزو شراقي سبب الأمطار في السودان إلى ما يحدث في المحيط الهادي؛ حيث ارتفعت درجة حرارة سطح المياه، وأعقبها ارتفاع حرارة الهواء فوقها، فتحرّكت كتل الهواء الدافئة نحو الكتل الباردة، ومع حدوث رياح، إضافة إلى التبخّر، تشكّلت سحب وصلت إلى شرق أفريقيا، وهي التي تسبَّبت في هطول أمطار شديدة على بحيرة فيكتوريا، ثم هضبة الحبشة ثم السودان.

وكان شراقي، خلال تصريحاته لصحيفة "اليوم التالي" السودانية، في أيار (مايو) الماضي، قد حذّر السودان من زيادة نسبة الفيضان هذا العام، بناء على قراءة لنسبة الأمطار فوق بحيرة فيكتوريا والمنابع، والتي تعدّ مقياساً لنسبة الأمطار فوق الهضاب الإثيوبية.

وحتى نرجع ما حدث في السودان إلى التغير المناخي، يجب أن تتكرر الظاهرة لمدة 30 عاماً، حتى يتبدل مناخ السودان، وفق "شراقي".

وكانت الحكومة السودانية قد أعلنت البلاد منطقة كوارث، في السادس من الشهر الجاري، وقدمت العديد من الدول مساعدات إغاثة إليها، من بينها مصر والإمارات والسعودية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية