ما يزال الوضع في ليبيا يقع تحت وطأة تداعيات سياسية، محلية وإقليمية، عديدة، كما أنّه يخضع لتعقيدات وتحديات متفاوتة، لا سيما في ظلّ الانقسامات السياسية الداخلية، والتي برزت إثر انتخاب المجلس الرئاسي الجديد، بينما انعكست آثارها في أزمة منح الثقة للمجلس المنتخب، ومعارضة عدد من أعضاء مجلس النواب. وتضاف إلى ذلك المطالبات الأممية بصدد إنهاء وجود الميليشيات، كحالة أمنية وسياسية، ومن ثم، تصفية وجود القوات الأجنبية والمرتزقة المسلحين.
الحكومة الليبية.. من يقود الخلاف؟ ولماذا؟
مطلع الشهر الحالي، طالبت الأمم المتحدة بعقد جلسة للبرلمان الليبي للتصويت على منح الثقة لحكومة موحدة، كما هو مقرر بعد انتخاب المجلس الرئاسي، الذي تمّ برعاية الأمم في جنيف؛ إذ إنّه من المقرر أن يجتمع البرلمان، في مدينة سرت الليبية، يوم 8 آذار (مارس) الحالي، للتصويت على الثقة للحكومة.
وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وشركاؤها؛ إنّها "تشجع البرلمان بشدة على الاجتماع، لمناقشة وبحث التصويت على الثقة للحكومة التي يقترحها رئيس الوزراء المكلف، عبد الحميد الدبيبة"، مضيفة في بيان: "إنّهم يشجعون رئيس الوزراء المكلف على تقديم تشكيلة الحكومة دون مزيد من التأخير".
وفي ظلّ تعثّر مسألة حسم تسمية وزراء الحكومة الجديدة، ألمح رئيس الحكومة في ليبيا إلى "اللجوء لأعضاء ملتقى الحوار السياسي للحصول على الثقة، في حال عدم توافق البرلمان، واستمراره في الانقسام حول جلسة منح الثقة للحكومة".
اقرأ أيضاً: هل سيغادر المرتزقة ليبيا؟.. وماذا عن منح البرلمان الثقة لحكومة الدبيبة؟
وغرّد الدبيبة، عبر حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "لدينا خياران في عملية اختيار شكل الحكومة، وعدم توافق النواب يدفعنا لاعتماد الخيار الثاني".
دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إلى ضرورة احترام كلّ الأطراف الليبية لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، ومغادرة جميع المقاتلين الأجانب
وقال الدبيبة، إنّه قدم، الخميس الماضي، مقترحاً بحكومة وحدة وطنية لمجلس النواب في إطار خطة للسلام، وستحل الحكومة الجديدة محل إدارتين متنافستين، وستشرف على الفترة التي ستسبق الانتخابات العامة، المقرر إجراؤها في كانون الأول (ديسمبر) عام 2021، بحسب خارطة الطريق المتفق عليها في ملتقى الحوار الوطني.
ودعا الدبيبة "84 عضواً بمجلس النواب الليبي، إلى الإسراع بعقد جلسة منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية"، بينما قال النواب في بيان رسمي، مؤخراً، إنّه "في الوقت الذي كان يجب علينا بذل الجهد لرفع هذه المعاناة، نجد أن بعض النواب يترشحون لتولي مناصب تنفيذية".
بدائل منح الثقة
ومن جهته، أوضح الناطق الرسمي بلسان مجلس النواب الليبي، عبد الله بليحق؛ أنّ "رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، سيتسلم التشكيل الوزاري في مدينة طبرق"، مضيفاً أنًه "سيتم بعد ذلك تحديد موعد لجلسة منح الثقة للحكومة في مدينة سرت، بيد أنّ تحديد موعد الجلسة مرتبط بموعد استلام التشكيلة الحكومية الجديدة".
اقرأ أيضاً: ليبيا: اتفاقيات تركيا مع حكومة الوفاق.. هل تنفجر في وجه الدبيبة؟
وبحسب الدكتور عادل ياسين، مفوّض عام مجلس التعاون الدولي والعلاقات الدبلوماسية في ليبيا؛ فإنّ الخلاف القائم سببه أنّ أعضاء البرلمان كلّ منهم يريد أن يكون في الحكومة، أو أحد من طرفهم، وهذا "تسبّب في إنزعاج رئيس الحكومة وترتب عليه صراع بين التنفيذي والتشريعي، كما تسبّب في بداية أزمة حقيقية، سوف يكون الشعب هو الضحية فيها".
ويضيف ياسين لـ "حفريات": "تدخل أعضاء النواب في كلّ حكومة واغتنام الوزارات للمجموعات السياسية المتجانسة معهم، للاستحواذ على المكاسب المادية والسياسية، يعدّ مخالفاً لكلّ القوانين، ويتسبّب في عرقلة الحكومة تبعاً لتنامي الصراعات والأزمات".
اقرأ أيضاً: حادثة باشاغا.. هل تنعش قرارات حظر السلاح في ليبيا؟
ومن ثم، هناك مؤشرات قوية على تعطيل الحكومة وولادتها من أعضاء البرلمان، وستكون النتائج مخيبة لتطلعات الشعب الليبي، حسبما يقول مفوض عام مجلس التعاون الدولي والعلاقات الدبلوماسية في ليبيا، وهو ما أدّى إلى فقدان الأمل في خروج البلاد من أزماتها المفتعلة، لكن ثمة خيار آخر في حالة عرقلة الحكومة من مجلس النواب وهو التوجه إلى جنيف وأخذ الثقة منها بعد انقسام البرلمان.
وإلى ذلك، قال السفير البريطاني لدى ليبيا، نيكولاس هوبتون، قبل أيام، إنّ "بلاده سوف تقدم الدعم الكامل على جميع الأصعدة للمجلس الرئاسي المنتخب والحكومة، من أجل الوصول للاستحقاقات القادمة"، مضيفاً أنّ "بريطانيا تدعم مخرجات حوار جنيف، وسوف تقدم الدعم الكامل".
جهود إقليمية ودولية لإنهاء الخلاف
كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إلى ضرورة "احترام كلّ الأطراف الليبية لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، ومغادرة جميع المقاتلين الأجانب للأراضي الليبية".
د. عادل ياسين لـ "حفريات": تدخل أعضاء النواب في كلّ حكومة واغتنام الوزارات للمجموعات السياسية المتجانسة معهم، للاستحواذ على المكاسب يعدّ مخالفاً لكلّ القوانين
وتابع : "لقد حققنا اختراقاً، مؤخراً، في عملنا لاستعادة الاستقرار، لقد تحدثت مع رئيس الوزراء ورئيس المجلس الرئاسي المكلفين، وتمنيت لهم التوفيق في تفويضهم لقيادة البلاد خلال بقية المرحلة التحضيرية للانتخابات الوطنية".
اقرأ أيضاً: هل أصبحت ليبيا ميداناً مفتوحاً لأطماع القوى الأجنبيّة؟
وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية؛ فإنّ "اجتماعاً غير معلن، عقده الدبيبة خلال الأيام القليلة الماضية مع فائز السراج، للاتفاق على مراسم تسليم السلطة، في اليوم التالي لاعتماد مجلس النواب للحكومة الجديدة"، وتابعت أنّ "دبيبة عرض على السراج تنظيم احتفال رسمي بالمناسبة، ورغم أنّ السراج وعد بالاستجابة لتسليم السلطة، فإنّه يسعى للبقاء، وتعطيل تشكيل الحكومة".
كما أوضحت الصحيفة؛ أنّ "اجتماعات عقدها في هذا الإطار، أحمد معيتيق، نائب السراج، مع أعضاء في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، قبل أيام في القاهرة"، متهمة السراج "بإجراء اتصالات مع أطراف دولية وإقليمية لتشكيل حكومة بديلة".
ويشير الأكاديمي والسياسي الليبي، أحمد عبد الله العبود، إلى أنّ الإشكالية الرئيسة لاعتماد تشكيل حكومة الدبيبة، يكمن في انعقاد مجلس النواب الليبي؛ حيث يعيش مجلس النواب الليبي لسنوات عديدة في حالة انقسام حقيقي، لأسباب متعددة، ترجع إلى عام 2016، وذلك كنتيجة للخلاف الكبير حول اعتماد اتفاق الصخيرات عام 2015، والموقف من حكومة فايز السراج، كما لعبت الظروف والمتغيرات الداخلية والدولية، خاصة بعد عملية الجيش الأخيرة لتحرير طرابلس من الميليشيات، دوراً مؤثراً في رفع وتيرة الانقسام".
اقرأ أيضاً: تركيا توظف موانئ ليبيا لحساب أحد أصدقاء أردوغان.. كيف؟ وما موقف الليبيين؟
ويلفت الاكاديمي والسياسي الليبي، في حديثه لـ "حفريات"، إلى أنّ "الوساطات الإقليمية مهمة لتوحيد مجلس النواب"، موضحاً أنّ "مصر اجتهدت من خلال رئاسة مجلس النواب المصري في محاولة توحيد مجلسي النواب الليبي، ورأب الصدع الموجود بين الأطراف وبعضها، واستضافت جلسات تشاورية لأعضاء البرلمان الليبي، والمسؤولية الوطنية تقتضي التوحد لإنجاز الاستحقاقات، بما يقود إلى إنهاء المراحل الانتقالية، وإعداد البلاد للانتخابات التشريعية والرئاسية".