ما الذي يغذي رحلة التحول إلى التطرف في أفريقيا؟

ما الذي يغذي رحلة التحول إلى التطرف في أفريقيا؟

ما الذي يغذي رحلة التحول إلى التطرف في أفريقيا؟


15/10/2023

أجمعت أغلب التقارير الأمنية والاستخباراتية والدراسات على أنّ أنشطة الجماعات المتطرفة في أفريقيا قد تزايدت خلال الأعوام الأخيرة، وسُجّل العديد من الهجمات لجماعات موالية لـ (داعش والقاعدة)، إذ تمكنت الجماعات المتطرفة في أفريقيا من استقطاب وتجنيد العديد من الشباب من خلال الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي لشن هجمات مستقبلية.

أمّا جماعات التطرف العنيف الأكثر مسؤولية عن حوادث الإرهاب، فهما: (داعش، ونصرة الإسلام والمسلمين)ن على رغم تبنّي هذه الجماعات وغيرها الإيديولوجيات البلاغية التي تشتهر بها جماعات التطرف العنيف.

ويُنذر توسع الجماعات المتطرفة في الدول الأفريقية بهجمات أكثر تعقيداً خلال عام 2023، ممّا يستدعي استراتيجية أعمق لمكافحة الإرهاب في أفريقيا، وحول ذلك أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً باللغة الإنجليزية يحمل عنوان: "رحلة التحول إلى التطرف في أفريقيا: مسارات التجنيد وفك الارتباط".

التقرير ألقى الضوء على رحلة التطرف، ومسالكها، ونهاياتها، ويتأسس على نتائج تقرير سابق صدر عام 2017 عن المؤسسة نفسها، عنوانه رحلة التحول إلى التطرف في أفريقيا: الدوافع والحوافز ونقاط التحول التي تدفع للتجنيد، وفقاً لما نقله (المركز العربي لدراسات التطرّف).

المؤلفة الرئيسة للتقرير هي (نيرينا كيبلاغات)، التي تشغل منصب رئيسة الفريق الفني لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المعني بالحدّ من التطرف العنيف في أفريقيا، وهي التي ترأست فريق البحث.

أنشطة الجماعات المتطرفة في أفريقيا قد تزايدت خلال الأعوام الأخيرة

استعان البحث بالمقابلات الشخصية التي أجريت ما بين عامي 2021 و2022، وقد مكنت الباحثين من استطلاع آراء (2200) من مواطني (8) بلدان في أفريقيا جنوب الصحراء، وهي بوركينا فاسو وتشاد والسودان والصومال والكاميرون ومالي والنيجر ونيجيريا.

(1200) من المشمولين بالاستطلاع كانوا أعضاء في تنظيمات عنيفة، خصوصاً (بوكو حرام، وحركة الشباب، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة). وقد انضموا إليها طوعاً أو كرهاً، ممّا مكّن الباحثين من استكشاف مسارات اعتزال التطرف العنيف، وتحديد أسباب جاذبية التطرف، وأسباب الخيبة التي دفعت هؤلاء "التائبين" إلى الانسحاب من التنظيمات العنيفة، وفكّ ارتباطهم بها.

التقرير توصل إلى حقيقة أنّ 25% سعوا للانضمام طلباً لفرصة عمل، وهذا العامل مرتبط بالفقر متعدد الأبعاد.

ويقدّم التقرير كذلك بيانات مصنفة بحسب النوع الاجتماعي تساعد على فهم ديناميات الانضمام إلى جماعات التطرف العنيف، من منظور المرأة، والشباب، وغيرهم.

النتائج

التقرير توصل إلى حقيقة أنّ 25% سعوا للانضمام طلباً لفرصة عمل، وهذا العامل مرتبط بالفقر متعدد الأبعاد، و22 % اقتدوا طوعاً أو كرهاً بأفراد من أسرهم كالأزواج، وأصدقاء سبقوهم في الانضمام، و17% فقط انخرطوا في التنظيم لأسباب دينية.

كما انتهى التقرير إلى أنّ 12% انخرطوا ليكونوا جزءاً من مشروع كبير، و6% انضموا تأثراً بكلام زعيمهم الديني وتصديقاً له، و5% انخرطوا في التنظيم لأنّهم آمنوا بأفكار الجماعة السياسية، و5% انتسبوا للتنظيم بحثاً عن المغامرة.

أمّا 4%، فقد انضموا اقتناعاً بأفكار الجماعة المتعلقة بالعرق، و2% انضموا بناءً على نصيحة المعلم، و2% انضموا بحثاً عن الأمن والأمان.

السبب الاقتصادي

المفاجأة في التقرير هي تربع فرص العمل على قائمة الأسباب، إذ أفاد ربع المجندين الطوعيين أنّ العامل الاقتصادي، "البطالة وغياب فرص العمل"، هو السبب الرئيس الذي دفعهم للالتحاق بتنظيمات متطرفة، بزيادة قدرها 92% مقارنة بدراسة مماثلة أجريت في 2017، حيث احتلت المعتقدات الدينية الصدارة في أسباب التطرف.

المفاجأة المثيرة التي كشف عنها التقرير هي تراجع التأثير الديني على الانخراط في التنظيمات العنيفة، حيث جاء في المرتبة الثالثة بنسبة 17% بين دوافع الانضمام

هذا العامل الاقتصادي تفاقم خلال الأعوام الـ (4) الأخيرة؛ بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية الداخلية المطبوعة بالتوترات السياسية والصراعات الداخلية، التي عمقت العزلة الجغرافية والخدمية لمناطق الهامش، وقد استغلتها الجماعات المتطرفة، فتمكنت من تقوية جيشها باستقطاب العديد من العناصر المفعمة بالمشاعر العدائية تجاه دولها التي فشلت في تحقيق تنمية عادلة، وتوفير فرص الحياة الآمنة اقتصادياً واجتماعياً.

ضغط الأقران

ووفقاً للتقرير، فإنّ ضغط الأقران من أفراد الأسرة أو الأصدقاء، يُعدّ العامل القوي الثاني الأكثر شيوعاً للتجنيد ضمن خلايا التطرف، وهذا العامل يهمّ النساء اللواتي يخضعن لأزواجهن، ويلحقن بهم في التنظيم، أو الشباب الذين انجرّوا نحو التنظيم بتشجيع من أصدقائهم، أو عن طريق شبكات الاتصال الاجتماعي، وكذا التلاميذ بناء على نصح معلميهم.

العامل الديني

المفاجأة المثيرة الأخرى التي كشف عنها التقرير، هي تراجع التأثير الديني على الانخراط في التنظيمات العنيفة، حيث جاء الدين في المرتبة الثالثة بنسبة 17% بين دوافع الانضمام، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 57% عن نتائج الدراسة السابقة، مقارنة بالعام 2017 حين كان يشكّل 40%؛ كما أقرّ أغلبية المجندين بمحدودية إلمامهم بالنصوص الدينية.

والأكثر إثارة هو أنّ التقرير كشف عن حقائق مهمة جداً، منها أنّ نسبة 80% من المنخرطين في التنظيمات الإرهابية لم يشعروا أبداً بأنّ الدين كان مهدَّداً، كما كشف عن ضعف معرفتهم بالدين، فحوالي نصفهم لم يقرأ القرآن، وجلّ الذين قرؤوا القرآن صرحوا بأنّهم لم يفهموه.

عوامل ثقافية وتربوية

تتعزز الأسباب الاقتصادية والعقائدية بعوامل التنشئة والتعليم التي خضع لها الأفراد؛ فقد ثبت أنّ التنشئة الأسرية التي تعتمد الشدة والعنف في تربية الأطفال، يحتمل أن تكون سبباً في ميل الأشخاص نحو العنف، واستعدادهم لقبول أفكار التطرف العنيف الذي تتبناه الجماعات الإرهابية.

والأدهى أنّ بعض الثقافات الأفريقية تعدّ الشدة والقسوة من صفات الرجولة، ممّا يجعل العنف يرتبط بالهوية الذكورية والقوالب النمطية، ومن التوقعات الاجتماعية والثقافية بناء على النوع الاجتماعي، خاصة أنّ بعض التنظيمات الإرهابية توفر النساء لتقديم الخدمات الجنسية لمنخرطيها لإثبات رجولتهم.

انتهى التقرير إلى أنّ 12% انخرطوا ليكونوا جزءاً من مشروع كبير، و6% انضموا تأثراً بكلام زعيمهم الديني وتصديقاً له، و5% انخرطوا في التنظيم لأنّهم آمنوا بأفكار الجماعة السياسية، و5% انتسبوا للتنظيم بحثاً عن المغامرة

والشيء نفسه يمكن أن ينسحب على التعليم المدرسي الذي يعتمد طرائق سلطوية وأساليب تلقينية، يغيب فيها الحوار والتفكير العقلاني، والتي ربما تدعم اقتناع المتعلم بالفكر المتطرف، في حين كان من المفروض أن يلعب التعليم دوراً وقائياً، يحمي المتعلم من الانجراف نحو التطرف.

الانتهاكات تقدح الزناد

التقرير اعتبر أنّ العوامل السابقة تظل مجرد أسباب، قد لا تكون دافعاً قوياً للإرهاب؛ لأنّ المجتمعات المحلية تضم دوماً فقراء، ومتشددين دينيين، ومتعلمين عانوا الأمرّين بسبب قسوة معلميهم، لكنّهم، على الرغم من توفر هذه الأسباب، فقد نأوا بأنفسهم عن الإرهاب، ولم ينخرطوا فيه، فالانجرار وراء تيار الإرهاب يتطلب حوافز أخرى.

ولفت إلى أنّ المحفز القوي للانخراط في التنظيمات الإرهابية الأكثر شيوعاً لدى المتطرفين هو تعرضهم لانتهاكات تتعلق بحقوقهم الإنسانية من قبل قوات أمن حكومية؛ إذ ذكر ما يقرب من نصف المستجوبين أنّ في حياة أكثر المنخرطين حدثاً معيناً مؤلماً كان نقطة تحول في حياتهم، وبمثابة الشرارة التي دفعتهم إلى الانخراط في التنظيمات العنيفة.

ففي ظل الظروف السياسية المتوترة، المطبوعة بعدم الاستقرار، وغياب الأمن، والفقر، تبرز ردود الفعل الاحتجاجية الفردية أو الجماعية، تقابلها في الغالب قوات الأمن في بعض هذه الدول بعنف زائد، وتعسف شديد، يؤدي إلى زيادة رفض الدولة وسلطاتها، ويدفع الشباب إلى الانخراط في الجماعات المتطرفة، بحثاً عن خلاصهم، وانتقاماً من جبروت الدولة ومؤسساتها الأمنية، فيرتمي الشباب في حلقات التقتيل والإرهاب والموت والمطاردة.

العلاج

وحول طرق العلاج، لفت التقرير إلى أنّ الكلفة الاقتصادية للإرهاب في أفريقيا عالية جداً، فقد بلغت نحو (97) مليار دولار أمريكي سنوياً في (10) أعوام فقط، ما بين 2007 و2016.

هذه المليارات التي حرمت منها جهود التنمية في المنطقة استفاد منها الإرهابيون حتماً، وما زال أتون التطرف والإرهاب يحرق المزيد من الأموال، والمزيد من الشباب، ويدمر المزيد من المجتمعات وخطط التنمية.

ولمحاصرة التطرف العنيف، ينبغي دعم وتعزيز قدرة الأشخاص على فك ارتباطهم بالتنظيمات الإرهابية، وأن يتحرروا من أسرها، حتى ينفرط عقدها؛ فكثير من المخدوعين الذين انخرطوا في التنظيمات العنيفة، خاب ظنهم فيها، فالوعود المالية لم تتحقق، والمثالية الدينية التي تدعيها التنظيمات ثبت زيفها، ففقد الكثير من الموالين والمنخرطين ثقتهم في قيادات الجماعات الإرهابية، وعملوا على فك ارتباطهم بها، والتخلص من أسرها، أو تمنوا ذلك حقاً، ندماً وتوبة.

وثبت من البحوث أنّ من يقرر الانسحاب من التنظيمات العنيفة لا يفكر أبداً في العودة إلى أحضانها، مهما كانت الأسباب، ولا يتحمس لاستقطاب الناس وتجنيدهم في التنظيمات.

وينوه التقرير أيضاً بالجهود التي بذلتها الدول لمحاصرة الإرهاب ومحاربته، إلّا أنّ عيب هذه الجهود هو اقتصارها على المقاربة الأمنية، التي لم تفلح في اجتثاث الظاهرة، على الرغم من كلفتها المالية العالية، لتصديها في الغالب لنتائج الإرهاب وليس لأسبابه.

إنّ محاصرة الفكر المتطرف العنيف تستدعي معالجة أسبابه؛ من خلال إعادة تجديد وتقوية وتفعيل العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها؛ لأنّ الفكر المتطرف يلقى القبول لدى ضحايا التهميش والهشاشة الاجتماعية التي يتولد عنها الشعور بالإحباط واليأس وعدم المساواة، خاصة عند ازدياد حدة العنف المؤسسي الذي تمارسه الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية، في مواجهة كل صور الاحتجاج الاجتماعي.

نسبة 80% من المنخرطين في التنظيمات الإرهابية لم يشعروا أبداً بأنّ الدين كان مهدَّداً

هذا، وتفيد التقديرات الحسابية بأنّ كل دولار يستثمر في الوقاية، يقلل بما قدره (16) دولاراً من قيمة الصراع والتطرف العنيف، ممّا يعود بالفضل حتماً على المجتمعات الأفريقية، ويوفر الأموال التي تحتاجها لبناء اقتصادها وأمنها الاجتماعي والسياسي، الذي هي في حاجة ماسة إليه.

لأجل ذلك، فالمجتمعات المحلية مدعوة إلى أداء دور مركزي في دعم مسارات الخروج المستدام بالتوازي مع برامج عفو تضعها الحكومات موضع التنفيذ، بزيادة الاستثمار في توفير الخدمات الأساسية، وتوفير سبل العيش اللائقة، والاستثمار في تعزيز قدرات الشباب والشابات.

التقرير خلص إلى أنّ التطرف العنيف ليس تنظيماً عسكرياً فحسب، وإنّما هو ظاهرة اجتماعية، نفسية، وسياسية، واقتصادية، وسبل القضاء عليه ليس مستحيلاً، وإن كان صعباً، ولا بدّ من خطط ذكية لتجفيف منابعه، وفكّ ارتباط الناس به، وأوّل السبل نحو ذلك وشروط نجاحه معرفة الأسباب التي تدفع الناس إلى الارتماء في أحضانه الكريهة المنتنة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية