ما الذي يشجع إيران على توسيع نفوذها في الجنوب السوري؟

ما الذي يشجع إيران على توسيع نفوذها في الجنوب السوري؟

ما الذي يشجع إيران على توسيع نفوذها في الجنوب السوري؟


27/09/2022

سلط مركز الإمارات للسياسات الضوء على سياسة التوسع التي تنتهجها إيران في مناطق الجنوب السوري وأدوات تغلغلها في البلد الذي يشهد حروباً أهلية واقتتالاً داخلياً منذ (11) عاماً.

وقال المركز في دراسة نشرها عبر موقعه الإلكتروني: "إنّ إيران تُكثِّف حضورها في مناطق الجنوب السوري المحاذي للحدود الإسرائيلية وذلك بطريقة صامتة، وعبر أدوات يصعب كشفها بالأقمار الصناعية، فضلاً عن صعوبة استهدافها نظراً لطابعها المدني، وسهولة تمويهها، رغم أنّ الساحل السوري والقلمون تحوّلا إلى ورشة ضخمة وممتدة لصناعة الصواريخ والمُسيَّرات وتطويرها".

ووفقاً لمركز الإمارات للدراسات، فإنّ مناطق جنوب سوريا (درعا والقنيطرة) خضعت لتسوية خاصة شكَّلت روسيا والأردن وإسرائيل أطرافها، مع وجود تأثير أمريكي في كواليس المفاوضات التي انتهت إلى توافق هذه الأطراف على استبعاد الوجود الإيراني عن الحدود الإسرائيلية والأردنية مسافة (85) كيلومتراً، وبالفعل ساهمت الضربات الإسرائيلية المتواترة والضغوط الروسية في تخفيف الوجود الإيراني في جنوب سوريا إلى حدٍّ ما.

لكن شكلت الحرب الروسية-الأوكرانية متغيراً نتج عنه خلخلة موازين القوى في جنوب سوريا، بفعل اضطرار روسيا تخفيف حضورها وحصره في المناطق التي توجد فيه أصولها العسكرية، في قاعدة حميميم وميناء طرطوس، الأمر الذي سمح للحرس الثوري الإيراني بإعادة صياغة نفوذه في الساحة الجنوبية، بطريقة وأسلوب مختلفين.

مناطق جنوب سوريا (درعا والقنيطرة) خضعت لتسوية خاصة شكَّلت روسيا والأردن وإسرائيل أطرافها

وقد عدد المركز في دراسته الطرق الجديدة التي اتبعتها إيران في الجنوب السوري، وأهمها استهداف المناهضين للوجود الإيراني، حيث كثَّفت في الآونة الأخيرة عمليات الاغتيال التي شهدها الجنوب السوري، واستهدفت المعارضين للوجود الإيراني في جنوب سوريا.

وفي السياق، أفادت مصادر محلية بتسرُّب معلومات من الأجهزة الأمنية حول وضع (190) شخصية على قائمة الاغتيالات، أغلبهم عناصر ما تزال نشطة من فصائل المعارضة، بالإضافة إلى شيوخ دين مؤثرين ووجهاء اجتماعيين، يجمعهم رفضهم للوجود الإيراني في المنطقة.

يمكن وصف سياسات إيران في جنوب سوريا بأنّها "إعادة هندسة" مدروسة تشمل تغيير المعادلات، بمضامينها العسكرية والاجتماعية وحتى الاقتصادية

 

كما اتبعت إيران حركة تعيينات عسكرية وأمنية جديدة، فقد شهدت الفترة الأخيرة حركة تنقلات وتعيينات في المؤسسات العسكرية والأمنية في جنوب سوريا، وبحسب مراقبين محليين، فقد عززت هذه التعيينات مواقع الموالين لإيران، حيث جيء بضباط عُرف عنهم الولاء لإيران، وفق ما أورده المركز.

وكشف مركز الدراسات أنّ الطرق الجديدة التي تتبعها إيران لتثبيت وجودها في الجنوب هي سياسة التخفي داخل الهياكل العسكرية السورية؛ حيث تتبع ميليشياتها بالتعاون مع حزب الله سياسة التخفي من خلال اندماجهم مع الألوية العسكرية السورية العاملة في جنوب سورية، وخاصة الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، حيث ينشط الإيرانيون في جميع مقرات الفرقة التي تنتشر بشكل واسع على جانبي الحدود الأردنية والملاصقة للجولان السوري، كما أنّ لهم وجوداً كبيراً في "المكتب الأمني" للفرقة الرابعة، والمخابرات الجوية، ويديرون من خلال هذه الأُطر برنامج الاستهداف وحملات الاعتقال بحق المعارضين للوجود الإيراني.

كما تعمد إيران إلى صناعة نُخَب مُوالية باستخدام سياسات ناعمة لتدعيم نفوذها في سوريا، فقد افتتحت فروعاً لجمعية الزهراء (أُسِّست في حلب عام 2013)، واستقطبت بعض وجهاء مدينة درعا لإدارتها والإشراف عليها، وتوزيع المساعدات الإغاثية والطبية، واستقطبت أعداداً أخرى في مشروع صناعة المخدرات وتجارتها، بالإضافة إلى تشغيل سماسرة وتجار في شراء العقارات وتأسيس بعض الشركات الاقتصادية، وخاصة في مجال المنتجات الغذائية مُستفيدة من الطبيعة الزراعية لجنوب سوريا. والهدف من وراء ذلك صناعة نخب موالية لديها إمكانيات مالية، ممّا يمنحها رأس المال الاجتماعي الذي يؤهلها للعب أدوار قيادية في المجتمع الجنوبي، بالتوازي مع زراعة أفراد هذه النخب في المجالس المحلية والتشريعية وغرف الصناعة والتجارة.

تعمد إيران إلى صناعة موالين باستخدام سياسات ناعمة لتدعيم نفوذها في سوريا

تُدرك إيران صعوبة بناء بنية عسكرية واضحة في جنوب سوريا؛ بسبب ملاصقة هذه المنطقة للجولان السوري، ممّا يعني وقوعها ضمن دائرة استهداف القوات الإسرائيلية، وبالتالي، فإنّ أيّ محاولة لصناعة حيثيات وأطر عسكرية وأنساق دفاعية، سيكون محكوماً عليها بالفشل، ومجرّد استنزاف مجاني للقوّة الإيرانية في الجنوب.

 ويبدو أنّ إيران لا تستعجل تأسيس جبهة عسكرية في جنوب سوريا، على الرغم من أهمية هذا الأمر من الناحية الجيوسياسية، وما يضيفه من أوراق قوّة للنفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة، نظراً للأهمية الإستراتيجية للجنوب السوري، ولهذا تذهب إيران إلى تهيئة الأرض وصناعة بيئة حاضنة وظروف مناسبة تسمح لها العمل بهدوء، ولكن ضمن فرص نجاح أكبر.

وما يشجِّع إيران على اتباع هذا النهج، الآتي:

1 ـ ضعف المقاومة في جنوب سوريا؛ فبعد تفكيك الفصائل لم يعد هناك مقاومة منظّمة للوجود الإيراني، بل مجرد محاولات فردية تتمثل في اغتيال واستهداف العناصر المحلية المنخرطة في المشروع الإيراني، لكنّها مقاومة غير مؤثرة لدرجة القدرة على تعطيل المشروع الإيراني، والقوّة الوحيدة المنظمة هناك هي اللواء الثامن لكنّ تبعيته باتت للأمن العسكري بعد تخلي روسيا عنه، كما أنّ انتشاره يقتصر على جزء من مناطق شرق حوران، فيما تنشط إيران في غرب وشمال حوران.

شكلت الحرب الروسية-الأوكرانية متغيراً نتج عنه خلخلة موازين القوى في جنوب سوريا، الأمر الذي سمح للحرس الثوري الإيراني بإعادة صياغة نفوذه في الساحة الجنوبية، بطريقة وأسلوب مختلفين

 

 2ـ تضاؤل البدائل لدى السكان المحليين؛ حيث تعاني مجتمعات جنوب سوريا (درعا والقنيطرة) من ضعف وإنهاك شديدين نتيجة أعوام الحرب الطويلة، وهجرة أكثر من 40% من أبنائها، بالإضافة إلى الهجرة اليومية للشباب إلى ليبيا وشمال سوريا ومصر، هرباً من التجنيد العسكري والملاحقات الأمنية، ومَن لا يستطيع الهجرة يجد نفسه مُضطراً للانخراط في الميليشيات والمؤسسات والأنشطة المدعومة من إيران، لما تؤمنه من مظلة حماية من الأجهزة الأمنية، وما توفره من أموال لتدبير المعيشة، في ظل ضعف الإنتاج الزراعي نتيجة الجفاف وغلاء الأسمدة والوقود.

رغم مقاومة المجتمعات المحلية للوجود الإيراني، إلا أنّه من غير المضمون استمرار هذه المقاومة بفعالية عالية، نظراً لوجود معطيات بدأت تفرض نفسها بقوّة، أهمها هروب جزء كبير من أبناء جنوب سوريا، وتزايد انكشاف المجتمعات المحلية هناك أمنياً واقتصادياً، في إطار سياسة هدفها تفريغ الجنوب من قواه الحية، تنفذها دوائر مرتبطة بإيران مباشرةً.

3 ـ خروج جنوب سوريا من دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي؛ فلم يعد هناك أيّ دعم منظم من قبل الفاعلين الخارجيين، ولا توجد مؤشرات على احتمال حصول متغيرات قد تدفع الأطراف الخارجية إلى معاودة نشاطها في جنوب سورية، بما فيها إسرائيل، التي يقتصر نشاطها على مراقبة تحركات "حزب الله" على الشريط الحدودي، وليست معنية بأيّ نشاط آخر لإيران في الجنوب السوري ما لم يكن ذا طابع عسكري واضح.

تُدرك إيران صعوبة بناء بنية عسكرية واضحة في جنوب سوريا

وإجمالاً، فإنّ هذا الوضع يمنح إيران الفرصة لتحقيق أهدافها بفعالية عبر الإجراءات والتكتيكات المشار إليها، للوصول إلى هدفها النهائي المتمثل بوجود جبهة على حدود الجولان وأبواب الأردن، مرتبطة جغرافياً وعقائدياً بجنوب لبنان، ومن ثمَّ إضافة ورقة رابحة يمكن الاعتماد عليها لترسيخ مشروع طهران الجيوسياسي في المنطقة.

 خلاصة واستنتاجات

يمكن وصف سياسات إيران في جنوب سوريا بأنّها "إعادة هندسة" مدروسة تشمل تغيير المعادلات، بمضامينها العسكرية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، وتَستثمِر الظروف والمتغيرات المحلية والدولية، في سياق إستراتيجية إيرانية طويلة النفس تُطبِّقها في الأرجاء السورية كافة، لكنّها تتخذ في الجنوب أنماطاً مختلفة.

ورغم مقاومة المجتمعات المحلية للوجود الإيراني، إلا أنّه من غير المضمون استمرار هذه المقاومة بفعالية عالية نظراً لوجود معطيات بدأت تفرض نفسها بقوّة، أهمها هروب جزء كبير من أبناء جنوب سوريا، وتزايد انكشاف المجتمعات المحلية هناك أمنياً واقتصادياً، في إطار سياسة هدفها تفريغ الجنوب من قواه الحية، تنفذها دوائر مرتبطة بإيران مباشرةً.

ولا يمكن الخلاص من هذه الدائرة الجهنمية التي تعصف بجنوب سوريا إلا عبر التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، تُعيد اللحمة الوطنية، وتُخرج إيران من المعادلة السورية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية