ما الذي يدفع المغاربة إلى الانضمام إلى تنظيم داعش وتنفيذ عمليات انتحارية؟

ما الذي يدفع المغاربة إلى الانضمام إلى تنظيم داعش وتنفيذ عمليات انتحارية؟

ما الذي يدفع المغاربة إلى الانضمام إلى تنظيم داعش وتنفيذ عمليات انتحارية؟


19/12/2024

كثر التساؤل حول العمليات التي يطلق عليها البعض “العمليات الاستشهادية” تعبيرًا عن مشروعيتها، ويسميها آخرون “العمليات الانتحارية”. ويعتبر البعض أن ما يسمى بـ (العمليات الاستشهادية) من المسائل الحديثة التي لا نكاد نجد نصًّا يبررها ويؤكدها في كتب الفقهاء المتقدمين، باعتبار أنها من أنماط “المقاومة” الحديثة التي طرأت بعد ظهور المتفجرات وتقدم تقنيتها.

وعادة يرفض السلفيون وصفهم بالانتحاريين لأنهم يعرفون أنّ الانتحار حرام دينيًّا وأن المنتحر مأواه جهنم، ولذلك يسمون عملياتهم بـ”الاستشهادية” مع أنهم يتحفظون ويحترزون من إطلاق مصطلح أو مفردة “شهيد” على قتلاهم بالقول "ونحتسبهم عند الله شهداء وليس لنا على الله مِنّةٌ". 

وبحسب دراسة لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، بعنوان "الانتحاريون المغاربة في تنظيم داعش: دراسة حالة"، لعبد اللّطيف الحنّاشي مدير مخبر النخب والمعارف والمؤسسات الثقافية بالمتوسط. جامعة منوبة تونس، فهناك سلفيون رافضون لهذه العمليات، ويرونها غير مشروعة دينيًّا، ويعتبرونها قتلًا للنفس الإنسانية التي حرَّم الله قتلها، سواء لجهة من يقوم بها، أي المنتحر، أو لجهة ضحاياها من الأبرياء المدنيين، ويدعون إلى تجنبها.

مدير مخبر النخب والمعارف والمؤسسات الثقافية: عبد اللّطيف الحنّاشي

وهناك أيضا مساندون يصفونها بأنها ممارسة "استشهادية"، بدليل نية القائم بها، وهي الاستشهاد في سبيل الله وليس الانتحار، ويستند مؤيدو العمليات الانتحارية إلى بعض الآيات القرآنية لإضفاء الشرعية الدينية عليها، ومن هؤلاء أساسًا يوسف القرضاوي.

عينة البحث

واستندت الدراسة إلى استمارات انتحاري داعش، التي تضم 121 انتحاريًّا انضموا إلى تنظيم الدولة، خلال الفترة من منتصف سنة 2013 حتى نهاية سنة 2014، بحسب استمارات التنظيم المسماة “بيانات مجاهد”. وتشتمل هذه الاستمارة على 23 خانة، تبدأ بالاسم واللقب ثم الكنية، وتنتهي بتاريخ القتل والمكان والملاحظات.

وينتمي هؤلاء الراغبون في القيام بعمليات انتحارية (استشهادي- انغماسي) إلى 20 دولة، منهم 32 يحملون الجنسية السعودية، وجاء التونسيون في المرتبة الثانية بعدد 25 انتحاريًّا، و يأتي مواطنو المغرب الأقصى أو من أصول مغربية (سبته ومليلة) في المركز الثالث بعدد 22  انتحاريًّا، ثم مصر في المركز الرابع بعدد 12 انتحاريًّا، وتلتها ليبيا وسورية في المركز الخامس بعدد 8  انتحاريين لكل بلد منهما.

وفي المركز السّادس جاءت إسبانيا بعدد 4 انتحاريين، وفي المركز السابع لبنان بعدد 3 انتحاريين، وفي المركز الثامن الكويت بعدد انتحاريين. وجاءت دول تركيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وأوزبكستان وأفغانستان والسودان والجزائر والأردن وفلسطين واليمن، في المركز الأخير، بعدد انتحاري واحد لكل دولة.

كما لاحظت الدراسة أن أغلبية المتقدمين للقيام بالعمليات الانتحارية هم من الفئة العمرية ما بين 16 و26 عامًا، ويمكن تفسير ذلك سيكولوجيًّا بأن هذه الفئة هي في طور تشكيل شخصياتها، ونضجها الفكري محدود، كما تتميّز شخصيتهم بالميل للأفكار المتطرّفة الراغبة في التضحية بنفسها في سبيل فكرة ما.وبالتالي يكون التأثير عليهم في المتناول.

كما لاحظت الدراسة أن الاستعدادات الانتحارية لدى الفئة التي تنتمي للمغرب الأقصى قد بدأت تتجاوز الخطوط العمرية المعتادة، التي تصنَف الانتحاري في غالب الأحيان من  فئة المراهقين، كما أن هذه الاستعدادات باتت تطال فئات عمرية أكبر، تتجاوز الثلاثين عامًا (10 أشخاص من بين 55 أي بنسبة 18.18).

غالبية المنضمين إلى التنظيم الجهادي خلال الفترة 2013-2014 “يؤكدون أن مستواهم التعليمي هو المرحلة الثانوية وقسم كبير منهم تابعوا دراستهم حتى الجامعة

 وتعتبر هذه السنّ (ثلاثين عامًا) مؤشّرًا لوصول الإنسان إلى مرحلة النضج البيولوجي النسبي،  تزول فيه الهرمونات العنيفة، التي تحَرك المراهق وتدفعه إلى المغامرة والغوص في أحلام البطولة وحتى النبوة، وفيه يبرز دور العقل في التحكم بالغرائز، وتسود الرغبة في الاستقرار وبناء العائلة وتوفير الخلف.

وبحسب دراسة نشرها البنك الدولي، فإن غالبية المنضمين إلى التنظيم الجهادي خلال الفترة 2013-2014 “يؤكدون أن مستواهم التعليمي هو المرحلة الثانوية، وقسم كبير منهم تابعوا دراستهم حتى الجامعة”، وبحسب الدراسة ذاتِها فإن المستوى التعليمي لدى 43,3 منهم هو المرحلة الثانوية، و24,5% هم من الجامعيين، في حين أن 13,5% فقط يقتصر مستواهم التعليمي على المرحلة الابتدائية، بينما بلغت نسبة الأميّين في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية” 1,3% فقط.

ومن خلال البيانات، لاحظت الدراسة محدودية الماضي الجهادي للعينة المدروسة فبالنسبة إلى المتقدمين من الجنسية المغربية لا أحد منهم له تجربة جهادية غير شخص واحد من تونس.

وقد يفسّر ذلك بصعوبة النشاط الإرهابي في كل من تونس والمغرب أو عدم إمكانية التنظّم أصلًا في التنظيمات الإرهابية المحلية لأسباب أمنية ولسهولة التحول إلى بؤر الصراع، بينما نجد أربعة أشخاص من ليبيا لهم ماضٍ جهادي حيث كانت لهم تجربة في ليبيا التي تعيش فراغًا أمنيًّا منذ سقوط نظام القذافي وذلك ما سمح بحرية حركة المجموعات الليبية، بل باستقطاب عدد كبير من الإرهابيين من دول الجوار.

هذا وخلصت دراسة للبنك الدولي إلى أن “العوامل الأكثر ارتباطًا بانضمام الأجانب إلى داعش هي الرغبة في الاحتواء – الاقتصادي والاجتماعي والديني – في بلدان الإقامة، إلى جانب البطالة وامتهان وظائف هامشية والسكن في أحياء شعبية، فيما يدفع الخطاب الديني المشحون بالعاطفة وتبني مفهوم الجهاد وسحر الخلافة وتقمّص أسطوري لنماذج ووضعيات من التاريخ، عوامل أساسية لمن هم في مستوى تعليمي ومعيشي مرتفع. 

 المقاربة التاريخية

ووفق الدراسة فإن مصطلح “تفجر عقدة الانتحاري” خلال السنوات الأخيرة يعبّر عن مخزون نفسي (فردي وجمعي) تراكم عبر السنين في سنوات القهر والاستعمار، بلغ ذروته وتجسّد راهنًا في الاجتياحات العسكرية والأمنية الغربية، وعودة الاحتلال العسكري إلى أفغانستان والعراق وسوريا. فكان من الطبيعي في ظل هذه الظروف أن تولد مثل ردة الفعل هذه التي أعادت إلى الأذهان صورة الاستعمار القديم، وأخيرًا الأزمات العامة التي يعيشها الشباب في المنطقة العربية التي تدفعه إما إلى الهجرة القانونية أو غير القانونية أو إلى التكفير والهجرة.

مصطلح “تفجر عقدة الانتحاري” خلال السنوات الأخيرة يعبّر عن مخزون نفسي (فردي وجمعي) تراكم عبر السنين في سنوات القهر والاستعمار

المقاربة الجنسية

في السياق، يؤكد الأستاذ عبد الصمد الديالمي الارتباط بين الحرمان الجنسي والأصولية الإرهابية. وتقوم فرضيته تلك على تأكيد ارتباط الحرمان الجنسي بالظروف الاجتماعية والسكنية بوجه خاص، ففيما تتميز هذه الظروف بالإثارة الجنسية فإنها لا تسمح بإرضائها.

ومن جهة أخرى، أصبحت “حور العين” في الجنة مبدأ أساسيًّا عند الشباب الذين يفجرون أنفسهم في عمليات إرهابية، ويؤكد الشاب المغربي يونس ذلك بقوله إن “تسجيلات عمليات داعش ومحاضرات دخول الجنة والحور العين شجعته على القيام بعملية انتحارية.

ويبين تحليل مضمون الرسائل المصورة التي يسجلها الانتحاريون قبل إقدامهم على تفجير أنفسهم، أن أكثر من 80% من الانتحاريين يذكرون رغبتهم في لقاء الحور العين ضِمن الأسباب التي تدفعهم للقيام بهذه العمليات.

 وقبل كل شيء، ينظر مقاتلو داعش إلى عملياتهم على أنها “عمليات استشهادية”، وأنها من “أعلى درجات التضحية في سبيل الله”، وتضمن “الشهادة” لصاحبها طريقًا إلى الجنة، حيث تنتظر الحور العين مجيئه. وعادة ما يحمل الانتحاريون عند الاستعداد للقيام بعملية انتحارية باقات من الورود التي ترمز للشهادة والجنة معًا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية