إسبانيا في الماضي والمغرب في المستقبل

إسبانيا في الماضي والمغرب في المستقبل


24/05/2021

خيرالله خيرالله

ليس استقبال اسبانيا زعيم "بوليساريو" ابراهيم غالي وادخاله احد مستشفياتها بهوية مزورة سوى تعبير عن خفة في التعاطي السياسي مع موضوع في غاية الاهمية هو العلاقة بين مدريد والرباط. استقبلت اسبانيا شخصا مطلوبا من العدالة فيها، لا لشيء سوى لإظهار تضايقها من المغرب الذي لم يتوقّف في السنوات الأخيرة عن تحقيق تقدّم على كل المستويات، خصوصا على صعيد تأكيد مغربيّة الصحراء.

لم تستطع اسبانيا، المتمسكة بملفات الماضي الاستعماري وذكرياته، استيعاب ان العلاقة الطبيعية، أي العلاقة الخالية من العقد، مفيدة للبلدين، خصوصا ان المغرب ينظر الى المستقبل والى جسر، تحت المياه او فوقها يربط بين البلدين اللذين لا تفصل بينهما بحرا سوى كيلومترات قليلة. مثل هذا الجسر، يجعل من اسبانيا احدى بوابات المغرب الى أوروبا ويجعل من المغرب بوابة اسبانيا الى افريقيا، خصوصا في ظلّ الاختراقات التي لا تخفى على احد والتي حققتها المملكة المغربيّة في السنوات الاخيرة في ظلّ قيادة الملك محمّد السادس في مختلف انحاء القارة السمراء.

يظل السؤال لماذا ذهبت الحكومة الاسبانية الى هذا الحد في تحدي المغرب؟ يعود الجواب بكل بساطة الى أن اسبانيا لم تستطع التخلي عن عقلية الهيمنة من جهة ولم تقتنع بانّ عليها اقامة علاقة متوازنة مع جار مهم مثل المغرب من جهة اخرى. ليس معروفا بعد ما هي مشكلة اسبانيا مع المملكة المغربيّة، لكنّ اللافت انّها متضايقة من انّه استطاع تحقيق انجازات على صعد مختلفة في السنوات الـ22 الماضية. توجت هذه الانجازات باعتراف اميركا بمغربية الصحراء التي كانت في الماضي مستعمرة اسبانية. هل الحنين الى الماضي الاستعماري وراء التصرفات غير المنطقية لاسبانيا في تعاطيها مع المغرب؟

واضح ان اسبانيا، عبر استقبال زعيم جبهة "بوليساريو"، التي ليست سوى اداة جزائرية، انضمت الى جوقة المبتزين للمملكة المغربية التي اثبتت دائما انها دولة مسالمة تسعى الى استرداد حقوقها الطبيعية بعيدا عن اي نوع من العنف. يظل افضل دليل على ذلك "المسيرة الخضراء " التي اعادت الصحراء الى المغرب بالوسائل السلمية. زحف 350 الف مغربي في تشرين الثاني - نوفمبر من العام 1975 في اتجاه الصحراء بغية استعادة تلك الأرض التي بقيت طويلا مستعمرة اسبانية. لم يطلق المغرب رصاصة واحدة من اجل استعادة ارضه. جاءت "المسيرة الخضراء" التي دفع في اتجاهها الملك الحسن الثاني، رحمه الله، في وقت كانت اسبانيا تتطلّع الى المستقبل.

في العشرين من تشرين الثاني – نوفمبر 1975، توفّى الجنرال فرانكو الذي حكّم اسبانيا واقام نظاما ديكتاتوريا ابتداء من العام 1938. جاءت "المسيرة الخضراء" في وقت كانت اسبانيا تتطلّع الى المستقبل والى الانفتاح على محيطها وعلى العالم. كان الانسحاب من الصحراء المغربيّة واعادتها الى أصحابها بالتفاهم مع موريتانيا أيضا، جزءا من هذا الانفتاح الذي عبّرت عنه استعادة الملك خوان كارلوس للعرش وبدء مرحلة جديدة من تاريخ اسبانيا في ظلّ نظام ديموقراطي حقيقي مهّد عمليا لدخولها الاتحاد الأوروبي ولعب دور نشط وفاعل أوروبيا ودوليا.

ليس طبيعيا استفزاز المغرب الذي راعى اسبانيا الى ابعد حدود وحافظ على امر واقع كان مفترضا ان يتمرّد عليه بسبب وجود جيبين اسبانيين في ارضه (سبتة ومليلة). تفهّم المغرب دائما الوضع الاسباني ووجود جبل طارق، الذي هو ارض اسبانية تحت السيادة البريطانية. سعى المغرب الى تفادي ايّ مشاكل مع اسبانيا التي لم تتردّد في الماضي في استفزازه بكلّ الوسائل المتاحة، بما في ذلك اثارة موضوع جزيرة ليلى المغربيّة، في اثناء تولي اليميني خوسيه ماريا اثنار رئاسة الحكومة بين 1996 و2004. لم ينفعل المغرب. على العكس من ذلك، ترك اسبانيا تهدأ. هدأت اسبانيا بالفعل بعدما خلف الاشتراكي خوسيه لويس ثاباتيرو في العام 2004 الاشتراكي خوسيه ماريا اثنار الذي لم يتردّد في احدى المرات بالطلب من المسلمين الاعتذار بسبب احتلالهم اسبانيا. وكان يشير بذلك الى مرحلة الوجود العربي في الاندلس!

لا شيء يمنع المغرب من الرد على اي استفزاز يتعرض له، خصوصا انّه يمتلك وسائل الردّ. فالصبر المغربي لا يعني ضعفا، بل يعني حكمة قبل اي شيء اخر، حكمة تحلى بها الملك محمد السادس منذ صعوده الى العرش صيف العام 1999. أظهرت تجارب الماضي انّ الحكمة من اركان السياسة المغربيّة التي سمحت باستعادة الصحراء سلما في ظلّ اجماع شعبي على تحويل هذه القضيّة المرتبطة بتوحيد التراب الوطني الى قضيّة وطنيّة.

لا شكّ ان الازمة المغربيّة – الاسبانيّة ازمة عميقة. ليست استضافة اسبانيا لابراهيم غالي سوى رأس جبل الجليد في هذه الازمة التي في أساسها وجود قوى في الداخل الاسباني تسعى الى الانتماء للماضي. هناك حنين لدى هذه القوى الى ايّام الاستعمار. لا تدري هذه القوى ان المرحلة التي كانت فيها اسبانيا دولة استعماريّة ولّت الى غير رجعة.

من هذا المنطلق، ليس عيبا ان تدعم اسبانيا المغرب وان تستفيد من تجربته في الانفتاح على افريقيا بدل خلق مشاكل لا افق لها تصبّ في استرضاء نظام حاقد هو النظام الجزائري الذي افتعل قضيّة غير موجودة هي قضيّة الصحراء من منطلق انّه لا يفكر الّا في كيفية إيذاء المغرب وابتزازه.

من المستغرب تصرّف دولة محترمة مثل اسبانيا بالطريقة التي تتصرّف بها تجاه المغرب. لا وجود لتفسير منطقي للسلوك الإسباني تجاه المغرب سوى البحث عن كلّ ما يمكن ان يسيء اليه. في الواقع، تسيء اسبانيا الى نفسها. قد يكون التفسير الوحيد للسلوك الاسباني، ذلك الماضي الاستعماري لهذا البلد الذي لا يريد ادراك ان المغرب بلد مسالم يتطلّع الى المستقبل ولا يسعى سوى الى استعادة وحدته الترابية سلما. هل تدرك اسبانيا ان لغة الحوار مع المغرب، بدل اللجوء الى ، كفيلة بحلّ أي مشاكل قائمة، هذا اذا كانت في الأصل مشاكل مصدرها المغرب.

عن "ميدل إيست أونلاين"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية