ما الخيارات المتاحة أمام حركة النهضة الإخوانية في تونس؟

ما الخيارات المتاحة أمام حركة النهضة الإخوانية في تونس؟


07/08/2021

الواقع التونسي لا يحتاج إلى مزيد من الدلالات على أنّ الرئيس التونسي قيس سعيد قد فاز في الحرب الباردة التي بدأت مع حركة النهضة منذ شهور طويلة، التساؤل المطروح حالياً هو إلى أي مدى ستخسر "النهضة"؟

رغم الاضطراب الذي أصاب الحركة في البداية، ووقع المفاجأة الذي جعل ردة فعلها أقرب إلى جماعة الإخوان في مصر من وصف الأحداث بـ"الانقلاب"، بل والتلويح بالتصعيد الميداني سواء بالاعتصام أو العنف، فإنّ الحركة استطاعت أن تمتص الصدمة، مدركة حجم التحديات، وميزان القوى الذي لا يأتي في صالحها تماماً.

بداية، الدعم الجماهيري والفرحة الكبيرة بقرارات الرئيس التونسي في 25 تموز (يوليو) الماضي أعطى قيس سعيد قوة في المواجهة، ومثّل صفعة أولى للجماعة، تلاها انحياز فصائل سياسية عدة إلى قرارات الرئيس، أو على الأقل عدم الانحياز إلى صف النهضة التي غالت في التصعيد، منها مثلاً الحركة الديمقراطية التي رفضت القرارات في البداية، ثم قبلتها على أن تكون استثنائية ومؤقتة.

في المرحلة الثانية، جاءت المحاسبة الداخلية، أو إلقاء اللوم من قبل أعضاء الحركة على قياداتها، وهي الحالة التي دعمها تزايد الخلافات منذ فترة داخل الحركة، وظهور تيارين: الأول محافظ يتزعمه الغنوشي ويرغب في الاستئثار بكل شيء، والثاني تيار التجديد الذي واجه التيار الأول وكال إليه الاتهامات، وحاول تقويضه على مدار العام الماضي.

أمّا المرحلة الثالثة، فقد تمثلت في بدء المحاسبة القضائية، وإثبات ما اعتمد عليه الرئيس في قراراته، والتي سبق أن مهّد لها في مناسبات عدة، من تستر البرلمان الذي يترأسه رئيس حركة النهضة على فساد كثير من نوابه، والحيلولة دون محاسبة النواب بسبب الحصانة.

 أكّد مجلس الشورى ضرورة قيام حركة النهضة بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية والقيام بالمراجعات الضرورية

وكان الرئيس قيس سعيد قرر تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وفي غضون أيام من تلك القرارات، كانت الأجهزة الأمنية والقضائية تشرع في إجراءاتها في محاسبة النواب وتوقيفهم، وكدفعة أولى تم توقيف 30 نائباً في قضايا شيكات دون رصيد، مع التنويه على قضايا أخرى مالية وتبييض أموال وفساد، تنتظر فتح تحقيقات فيها، هذا بالإضافة إلى فتح تحقيق في تلقي أحزاب وحركات سياسية تمويلات خارجية من بينها حركة النهضة.

مع تراكم كل ذلك، أدركت حركة النهضة أنّ الريح لا تجري في صالحها، ما دفعها إلى التراجع في محاولة لتقليل الخسائر المتوقعة، فالحركة التي كانت تناطح الرئيس التونسي وتحاول تقويضه مقابل مد نفوذها واستحواذها، بات أقصى طموحها هو استمرار وجودها في المشهد، ولو كــ"دكان سياسي"، بحسب وصف مدير التحرير مجلة السياسة الدولية في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية أبو الفضل الإسناوي.

وقد أعلنت حركة النهضة عقب اجتماع طارئ لمجلس الشورى في 4 آب (أغسطس) الجاري استعدادها للحوار الوطني، وقالت الحركة، بحسب ما أورده موقع "نسمة إف إم"، إنّ مجلس الشورى "دعا إلى إطلاق حوار وطني للمضي في إصلاحات سياسية واقتصادية تحتاجها تونس في هذه المرحلة للخروج من أزمتها، والتعجيل باستعادة المالية العمومية لتوازناتها، وللاقتصاد الوطني عافيته".

اقرأ أيضاً: القضاء التونسي يقطع الطريق على "النهضة"... والحركة ترد

وأكّد مجلس الشورى في بيانه الصادر عقب انتهاء دورته الاستثنائية ضرورة قيام حركة النهضة بنقد ذاتي معمق لسياساتها خلال المرحلة الماضية، والقيام بالمراجعات الضرورية والتجديد في برامجها (...)، وشدد على الانخراط المبدئي لحركة النهضة في محاربة الفساد وملاحقة المتورّطين فيه، مهما كانت مواقعهم وانتماءاتهم، في إطار القانون وبعيداً عن أيّ توظيف للملفات.

في غضون ذلك، يقول الإسناوي لـ"حفريات": إنّ التراجعات التي انتهجتها حركة النهضة مرتبطة بتصعيد من السلطة، وتصميم على المسار الذي أعلنه الرئيس التونسي، وقادر على تأمينه، عبر الإمساك بالزمام الأمني للدولة، وهي رسالة تتأكد من زيارته الأخيرة لوزارة الداخلية، وحديثه عن حركات وجماعات تسعى للسيطرة أو العنف، ومنحه الإشارة الخضراء لوزير الداخلية لمواجهة ذلك.

اقرأ أيضاً: تونس: مساعٍ قضائية لحلّ حركة النهضة

ويضيف الخبير السياسي أنّ الحركة تحاول الاستفادة ولو بأقلّ ما يمكن، وهو فعل ناتج عن البراغماتية التي تتسم بها الحركة، فهي في النهاية أدركت تماماً أنّ الأمور ليست في صالحها، لا داخلياً ولا خارجياً.

وداخلياً، يقصد بها الإسناوي الأوضاع الداخلية للحركة في ظل الانشقاقات والخلافات الداخلية، والتي انعكست أيضاً في مجلس الشورى الأخير، وتُرجمت في التصريحات المتناقضة، فضلاً عن انسحاب القيادية في حركة النهضة يمينة الزغلامي من مجلس الشورى، وقد كتبت في تدوينة على صفحتها الرسمية أنها لا تتحمل مسؤولية أي قرار يصدر عن الحركة، نتيجة سياسة الهروب إلى الأمام وعدم الانتباه لخطورة اللحظة التي تمر بها الحركة والبلاد، وأنها " لن تكون شاهدة زور أبداً".

ويتابع الإسناوي أنّ جزءاً من شباب الحركة وقياداتها يحمّلون الغنوشي ومن حوله مسؤولية ما آلت إليه الأمور، وأمام ذلك جاء التراجع من الغنوشي، في محاولة للحفاظ على وجوده في قمة الحركة من جهة، وبقاء الحركة داخل النظام السياسي من جهة أخرى.

 

الإسناوي: التراجعات التي انتهجتها حركة النهضة مرتبطة بتصعيد من السلطة، وتصميم على المسار الذي أعلنه الرئيس التونسي

ويلفت الإسناوي إلى أنّ القبول الذي لقيه الرئيس جماهيرياً دعّم موقفه وأضعف موقف حركة النهضة، مستشهداً باستطلاع رأي أجرته جريدة الشروق التونسية، خلص إلى أنّ 93% من التونسيين راضون عن قرارات الرئيس، و89% يرفضون وجود البرلمان.

ويشير الإسناوي إلى أنّ الحركة في مقابل التصعيد من السلطة "باتت مستعدة لقبول أقل قدر من المصلحة، وفق آلياتها البرغماتية، خوفاً من انهيارها، في سيناريو هو الأسوأ، لذا فقد تقبل أن تصبح مجرّد حزب صغير، أو أن تتحول إلى دكان تمثل بأقلّ قدر ممكن".

ويتوقع أن تتشرذم الحركة في المستقبل القريب، بأن ينبثق عنها أكثر من حزب آخر من المنشقين عنها، مستشهداً بالسيناريو الجزائري. يقول الإسناوي: ما تتعرض له حركة النهضة شبيه بما تعرضت له من قبل حركة مجتمع السلم "حسم" في الجزائر، فأمام الصدام ومع المواجهة للحالة الإسلاموية، تشرذمت إلى 6 أحزاب، تختلف علاقتها بالنظام قرباً وبُعداً، منها من يتقرب مثل أمل والبناء الوطني، ومنها ما يبتعد، هذا السيناريو تقترب منه تونس، لكنه يظل مؤجلاً إلى ما بعد الـ30 يوماً الأولى من تجميد البرلمان.

اقرأ أيضاً: إما الديمقراطية وإما جماعة الإخوان المسلمين

ويتابع: قد تضطر الحركة إلى تصعيد من أجل الضغط على الشعب والرئيس في محاولة أخيرة للإبقاء على البرلمان، خصوصاً في ظل السيناريو الذي يبدو أنّ تونس تتجه إليه من تمديد الفترة الاستثنائية والقرارات إلى أكثر من الشهر المحدد سلفاً، لا سيّما بعد صدور المرسوم بقانون يوم 29 تموز (يوليو) الماضي، الذي يمنح الرئيس  الحق في تمديدها، وهو ما بدا تمهيداً لذلك.

وحول آلية التصعيد، وما إذا كان يمكن أن تقلد السيناريو المصري نفسه من التظاهرات والصدام، استبعد الخبير السياسي ذلك، مقراً بأنّ حركة النهضة أذكى من أن تكرر السيناريو المصري.

وقال الإسناوي: التصعيد لن يكون على شاكلة السيناريو المصري، فهي لن تقوم بأفعال مباشرة، بل ستلجأ إلى تحريك الحركات الإرهابية القريبة منها أو التابعة لها، مشيراً إلى أنّ مشروع الغنوشي لم يكن تونسياً بل مغاربياً، فالحركة على صلة بجماعات في مناطق عدة، وسبق أن نشرت تقارير إعلامية تونسية أنّ الغنوشي سهّل تمرير السلاح إلى جماعات في ليبيا.

وتابع: الأقرب أن يتكرر سيناريو 2013 من تحريك تنظيمات سرّية على ارتباط بحركات أنصار الشريعة في تونس، واغتيالها لمجموعة اليسار، أو بتحريك جماعات في أماكن أخرى، التي سترغب في رد الجميل إذا ما طلبت حركة النهضة منها ذلك. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية