ما التحولات الجديدة في مسارات الحرب الروسية ـ الأوكرانية؟

ما التحولات الجديدة في مسارات الحرب الروسية ـ الأوكرانية؟

ما التحولات الجديدة في مسارات الحرب الروسية ـ الأوكرانية؟


17/08/2023

رغم أنّ التصعيد المستمر بين القوات الروسية والقوات الأوكرانية ما زال العنوان الأبرز والسمة الغالبة لهذه الحرب، في ظل ضعف فرص التوصل إلى تسوية بين الجانبين، بسبب الفجوات العميقة وشروط الطرفين لبدء مفاوضات سلام، جوهرها مطالب روسية بالاعتراف بالوضع القائم "الاحتلال الروسي لأراضٍ أوكرانية"، مقابل مطلب أوكرانيا بانسحاب روسيا من الأراضي التي احتلت بعد الحرب، إلا أنّ الحرب ما زالت تتواصل في إطار ما يعرف بالمفاهيم العسكرية بـ "الاستنزاف"، والذي أصبح واضحاً أنّه استنزاف متبادل، تحولت معه الانتصارات والإنجازات المعلن عن تحقيقها بتقدم كل طرف تجاه الطرف الآخر بمقاييس الأمتار، وهو ما يؤكد ضعف احتمالات تحقيق أيّ من الطرفين انتصارات حاسمة، تجبر الطرف الآخر على قبول الذهاب إلى طاولة المفاوضات، مع الأخذ بعين الاعتبار المقاربات الروسية "الاستعلائية" التي لا ترى في أوكرانيا نداً لها، وتتبنّى خطاباً إعلامياً يؤكد أنّها تواجه الغرب "الاستعماري".

يبدو أننا أمام استراتيجية عسكرية أوكرانية جديدة، من أبرز ملامحها: التوسع في استخدام الطائرات المسيّرة التي تصل إلى موسكو

ورغم ذلك، فقد شهدت هذه الحرب تحولات جديدة في جبهات القتال، منذ إعلان مجموعة (فاغنر) انسحابها من (باخموت)، والتمرد الذي نفذته في الداخل الروسي، وإحلال القوات الشيشانية مكانها، وانطلاق ما يعرف بالهجوم الأوكراني المضاد الذي تم الترويج له على نطاق واسع، ويبدو وفقاً لخبراء عسكريين أنّ استعدادات القوات الروسية لبناء خطوط دفاعية لمواجهة الهجوم الأوكراني المضاد الواسع حالت حتى اللحظة دون تحقيق إنجازات تذكر باستعادة القوات الأوكرانية مساحات من الأراضي التي احتلتها روسيا، وهو ما يفسر تزويد الغرب لأوكرانيا بأسلحة جديدة متنوعة، تشمل منظومات صاروخية وطائرات مسيّرة وقنابل عنقودية، وأسلحة دفاع جوي لمواجهة الصواريخ الروسية بعيدة المدى، وبالمقابل حافظت القوات الروسية على خطوطها الدفاعية، وواصلت شن ضربات صاروخية وأخرى عبر الطائرات المسيّرة ضد أهداف أوكرانية متنوعة؛ "مراكز قيادة واتصالات ومخازن ذخيرة وأسلحة، وخطوط الإمداد والدعم، ومراكز حيوية مثل محطات توليد الكهرباء وصوامع تخزين الحبوب"، تشمل مساحات واسعة من المدن والمناطق الأوكرانية البعيدة عن خطوط القتال المباشرة "أوديسا ولافيف، بالإضافة الى العاصمة كييف".

 شهدت هذه الحرب تحولات جديدة في جبهات القتال

وبالتزامن يبدو أننا أمام استراتيجية عسكرية أوكرانية جديدة، من أبرز ملامحها: التوسع في استخدام الطائرات المسيّرة التي تصل إلى موسكو، ورغم أنّ هناك شكوكاً عميقة في قدرة المسيّرات على تغيير موازين الحرب، ورغم الإعلانات الروسية المتكررة عن إسقاطها، إلا أنّ وصول هذه المسيّرات إلى داخل الأراضي الروسية، وتكرار ذلك، يكسر "هيبة" الجيوش الروسية، ويطرح تساؤلات حول مستوى وقدرات المنظومة الدفاعية  الروسية، وهو ما تدركه القيادة الأوكرانية التي بدأت بإرسال رسائل غير مشفرة  مضمونها "كييف مقابل موسكو".

وبالتزامن، فإنّ ثاني ملامح الاستراتيجية الأوكرانية هو توجيه ضربات لموانئ روسية استراتيجية بعيدة عن خطوط المواجهة المباشرة داخل بحر آزوف، وضربات متكررة لشبه جزيرة القرم والجسر الرابط بينها وبين الأراضي الروسية "جسر كيرش" باستخدام أسلحة غربية حديثة تشمل صواريخ موجهة جديدة، وطائرات مسيّرة، وقوارب مسيّرة، بالتزامن مع تركيز أوكراني على قطع الطرق بين القرم والجنوب الأوكراني المحتل، ومن الواضح أنّ أوكرانيا تستخدم أسلحة غربية ضد القرم بوصفها أراضي محتلة، وهي مقاربة تتبنّاها الدول الغربية وأمريكا في ردودها على هذه الضربات، وخلافاً للضربات التي توجه لموسكو عبر المسيّرات فإنّ الضربات للقرم تظهر "عجزاً" روسيّاً في مواجهة الأسلحة الغربية، وهو ما يجعل احتمالات مواصلة أوكرانيا وتوسيع ضرباتها للقرم احتمالاً وارداً، لا سيّما أنّه يرسل رسالة أعمق للقيادة الروسية بإصرار أوكرانيا على استعادة كل أراضيها المحتلة.

ثاني ملامح الاستراتيجية الأوكرانية هو توجيه ضربات لموانئ روسية استراتيجية بعيدة عن خطوط المواجهة المباشرة داخل بحر آزوف، وضربات متكررة لشبه جزيرة القرم والجسر الرابط بينها وبين الأراضي الروسية باستخدام أسلحة غربية حديثة تشمل صواريخ موجهة جديدة، وطائرات مسيّرة، وقوارب مسيّرة

ثالث ملامح الاستراتيجية الجديدة التركيز على توجيه ضربات مركزة للقطع البحرية الروسية في البحر الأسود، فمنذ إغراق الطراد موسكافا في 14 نيسان (أبريل) 2022، وهي القائد لأسطول البحر الأسود، بصاروخين من طراز نبتون المضاد للسفن، توالت أحداث استهداف القطع البحرية العسكرية في البحر الأسود، وهو ما أكد انكشافات البحرية الروسية وضعف دفاعاتها أمام الهجمات الأوكرانية، ومن المتوقع أن يتواصل الاستهداف الأوكراني للبحرية الروسية، عبر مسيّرات وصواريخ غربية جديدة، تستخدم برامج الذكاء الاصطناعي الذي ثبت تفوق الغرب فيه على روسيا، لا سيّما أنّ هناك بُعداً آخر في إغراق غالبية القطع البحرية الروسية، وهو أنّها تحمل صواريخ كانجال وإسكندر وغيرها، وهو ما يعني تحييد حمولة أيّ قطعة بحرية روسية من الذخائر والصواريخ.

من غير الواضح متى ستتوقف هذه الحرب

من غير الواضح متى ستتوقف هذه الحرب، لكن المؤكد أننا أمام فصل جديد عنوانه نقل ساحة بعض المعارك إلى الداخل الروسي، في ظل رهانات غربية على تحولات في الرأي العام الروسي وازدياد المعارضة الروسية للحرب، بالتزامن مع ظهور مفاعيل العقوبات الاقتصادية الواسعة وانعكاسها على غالبية المواطنين الروس، فيما ستواصل القيادة الروسية استخدام ملفات تشكّل أوراق قوة لديها، من بينها مواصلة طرح استخدام السلاح النووي، واستثمار ملف الطاقة وإمدادات الغاز، ورهانات على رفع العقوبات أو تخفيف بعضها باستخدام ورقة الغذاء والحبوب، بمنع أوكرانيا من تصدير الحبوب وتوجيه ضربات لصوامع الحبوب الأوكرانية وإتلافها. وبالتزامن فإنّ روسيا ستواصل الاستقطاب الدولي وفقاً لمقاربة القطبية الجديدة وتشكيل عالم جديد، في ظل رهانات على قوى دولية وإقليمية، أصبح مؤكداً أنّها وهي توثق علاقاتها مع روسيا إنّما تحاور واشنطن لانتزاع مكاسب، وربما ستشكل تحولات القيادة التركية، والصفقة بين طهران وواشنطن درساً لموسكو بحدود التحالف مع القوى غير المنحازة تجاه الحرب في أوكرانيا.

مواضيع ذات صلة:

هل يمتلك الروس دوافع أكبر لمواصلة القتال في باخموت؟

هل ينفّذ الجيش الأوكراني انسحاباً تكتيكياً من باخموت؟

هل يتجمد الجيش الروسي في أوحال باخموت؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية