هل يمتلك الروس دوافع أكبر لمواصلة القتال في باخموت؟

هل يمتلك الروس دوافع أكبر لمواصلة القتال في باخموت؟

هل يمتلك الروس دوافع أكبر لمواصلة القتال في باخموت؟


06/04/2023

في أوائل كانون الثاني (يناير) الماضي أعلن رئيس مجموعة فاغنر للمرتزقة يفغيني بريغوزين الاستيلاء على سوليدار، وهي بلدة صغيرة تقع بالقرب من باخموت. بعد حوالي أسبوعين أكدت أوكرانيا أنّ جيشها قد انسحب بالفعل من سوليدار؛ ممّا سمح للقوات الروسية بالتقدم أكثر نحو باخموت.

جدير بالذكر أنّ أكثر من 90% من سكان باخموت فروا منها، بينما يوجد بها حوالي (10) آلاف مدني أوكراني، كثير منهم من كبار السن وذوي الإعاقة، يعيشون في ظروف مروعة داخل وحول المدينة المحاصرة، بحسب تقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي أصبحت في حالة خراب بعد أن أصبحت القوات الأوكرانية محاصرة من (3) جهات، مع ضعف خطوط الإمداد، بينما سيطرت روسيا على ما يقلّ قليلاً عن نصف باخموت. ومع ذلك، تعهدت أوكرانيا بمضاعفة الدفاع عن المدينة، حتى مع تكبدها خسائر فادحة.

حرب الخنادق تستنزف الطرفين

معركة باخموت، المشتعلة منذ (9) أشهر، تحولت إلى حرب خنادق، وعلى الرغم من مقتل الآلاف من الجنود من الطرفين، ظلّت الخطوط الأمامية دون تغيير، إلى حد كبير، حتى أعلن بريغوزين يوم الأحد الماضي أنّ وحداته كانت على وشك رفع العلم الروسي على مبنى إدارة البلدة، وزعم أنّ قواته استولت بشكل فعلي على باخموت.

من جانبها، نفت أوكرانيا ادعاءات بريغوزين، وقالت: إنّ القوات الروسية بعيدة جداً عن الاستيلاء على المدينة، وإنّ القتال ما زال محتدماً حول مبنى البلدية، حيث زعمت مجموعة مرتزقة فاغنر أنّها على وشك رفع العلم الروسي هناك.

سيرهي شيريفاتي، المتحدث باسم القيادة العسكرية الشرقية بالجيش الأوكراني، قال لوكالة "رويترز" للأنباء: إنّ "باخموت ما زالت أوكرانية، ولم يسيطر الروس على أيّ شيء، وهم بعيدون كل البعد عن فعل ذلك".

رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوزين

بدوره، قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، للصحفيين يوم الإثنين 3 نيسان (أبريل) الجاري: إنّ الجيش الأوكراني لم يطرد من المدينة. وأكد أنّ معركة باخموت لم تنته، وما تزال أوكرانيا تقاتل بشدة من أجل البلدة. مضيفاً أنّه من المتوقع تقديم حزمة مساعدات إضافية لأوكرانيا هذا الأسبوع. ووصف القتال هناك بأنّه "عنيف إلى حد ما".

كيربي لم يُخفِ وجهة النظر الأمريكية التي تقلل من قيمة باخموت من الناحية الاستراتيجية، حيث قال: "حتى لو فعل الروس ذلك، فلن يغير الأمر من ديناميكيات ساحة المعركة، من منظور استراتيجي".

نفت أوكرانيا ادعاءات بريغوزين، وقالت: إنّ القوات الروسية بعيدة جداً عن الاستيلاء على المدينة، وإنّ القتال ما زال محتدماً حول مبنى البلدية

وكانت وكالة "رويترز" للأنباء قد كشفت عن تفاصيل تتعلق بحزمة المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة لأوكرانيا، مؤكدة أنّها بقيمة (2.6) مليار دولار، وتشمل رادارات للمراقبة الجوية، وصواريخ مضادة للدبابات، وشاحنات وقود.

وفي سياق مشابه، قال وزير المالية الأوكراني سيرهي مارشينكو: إنّ صندوق النقد الدولي سَلّم بلاده الشريحة الأولى من المساعدات البالغة (2.7) مليار دولار. وأضاف: "ممتنون لشركائنا؛ لدعمهم أوكرانيا في طريق النصر".

جدل حول أهمية باخموت

اقترح محللون عسكريون أن تترك القوات الأوكرانية باخموت، وتعود إلى خط دفاعي محصن جديد، لكنّ كييف لا تظهر أيّ علامة على فعل ذلك في الوقت الحالي، وتصر على مواصلة القتال في معركة أصبحت ذات قيمة رمزية.

وبحسب موقع (ABC News) التابع لهيئة الإذاعة الأمريكية، قال القادة العسكريون: إنّ الهجوم الأوكراني المضاد، المدعوم بمعدات غربية تم تسليمها حديثاً، بما في ذلك دبابات ليوبارد (2) الألمانية، ليس مستبعداً، لكنّهم شدّدوا على أهمية استبعاد باخموت في هذه الأثناء.

بالنسبة إلى موسكو، فإنّ سقوط المدينة التي تسميها باسم أرتيوموفسك، والذي يعود إلى الحقبة السوفياتية، سوف يؤدي إلى دفعة معنوية كبيرة، ويعزز من دوافع الجيش الروسي، الذي يعاني منذ عدة أشهر على جبهات القتال في أوكرانيا. بالإضافة إلى أنّ باخموت، باعتبارها مركزاً إقليمياً للنقل واللوجستيات، سوف تكون مفيدة للقوات الروسية، على الرغم من أنّ ذلك يعتمد على مدى سلامة بنيتها التحتية. والأهم من ذلك، أنّها ستوفر نقطة انطلاق لروسيا؛ للتقدم نحو مدينتين كبيرتين في منطقة دونيتسك هما: كراماتورسك، وسلوفيانسك. وكان الرئيس الأوكراني زيلينسكي قد صرّح بذلك لشبكة ( CNN ) الشهر الماضي، حيث قال إنّه يخشى أن يكون للقوات الروسية طريق مفتوح إلى المدينتين، إذا سيطرت على باخموت.

الهجوم الأوكراني المضاد، المدعوم بمعدات غربية تم تسليمها حديثاً، بما في ذلك دبابات ليوبارد (2) الألمانية، ليس مستبعداً

ومن المحتمل أن تكون بلدة تشاسيف يار المجاورة، غربي باخموت، هي التالية التي ستتعرض للهجوم الروسي، على الرغم من أنّها تقع على أرض مرتفعة، ويعتقد أنّ القوات الأوكرانية قامت ببناء تحصينات دفاعية في مكان قريب منها.

ميخايلو بودولياك، مساعد زيلينسكي، كشف عن أحد أسباب إصرار كييف على مواصلة القتال في باخموت، لافتاً إلى أهمية المعركة التي تضغط على أفضل الوحدات الروسية وتستنزفها، قبل الشروع في شن هجوم مضاد في الربيع. وأكد قائد القوات البرية الأوكرانية أنّ بلاده "سوف تشن هجوماً مضاداً، طال انتظاره، قريباً جداً".

 يتواصل القتال حول باخموت، ويستمر الاستنزاف المروع على الجانبين، في ظل ضغط روسي عنيف

على الجانب الآخر، قال كونراد موزيكا، المحلل العسكري البولندي البارز، الذي زار مؤخراً منطقة باخموت مع زملائه: إنّه يعتقد أنّ السيطرة على المدينة، لم تعد منطقية من الناحية العسكرية. وأضاف موزيكا لوكالة "رويترز" للأنباء: "قرار الدفاع عن باخموت هو الآن قرار سياسي وليس عسكرياً". مؤكداً أنّ حجم وتكاليف الخسائر الأوكرانية يفوق الآن فوائد السيطرة على المدينة من وجهة النظر العسكرية.

وفي السياق نفسه، قال روب لي، الذي كان في الرحلة نفسها، على صفحته الرسمية على "تويتر"، بحسب موقع  (ABC News): "بينما ما تزال هناك أسباب وجيهة لاستمرار أوكرانيا في الدفاع عن باخموت، فإنّ قدرتها على إلحاق خسائر أكبر بالعدو قد ضعفت، بعد أن استولت القوات الروسية على القطاع الشمالي في شباط (فبراير) الماضي".

ومن ثمّ، يتواصل القتال حول باخموت، ويستمر الاستنزاف المروع على الجانبين، في ظل ضغط روسي عنيف، ذلك أنّ دوافع موسكو ربما تتجاوز بكثير نظيرتها على الجانب الآخر، كما أنّ قدرة الجانب الروسي على استيعاب الخسائر البشرية، تظل أكثر، في ظل أوضاع عسكرية معقدة، وحسابات باتت تدفع بالجميع نحو ممارسة أقصى درجات العنف.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية