ما أسوأ كوابيس أردوغان؟

ما أسوأ كوابيس أردوغان؟


13/03/2022

ترجمة: علي نوار

بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شنّ حملة شعواء من التضييق والكراهية تستهدف أكرم إمام أوغلو، الذي يشغل منصب عمدة مدينة إسطنبول، لكنّ السحر انقلب على الساحر، فقد أدّت هذه الحملة لرفع أسهم الرجل وبات المرشّح المثالي لمواجهة زعيم حزب الحرية والعدالة في الانتخابات الرئاسية، المُزمع إجراؤها عام 2023. وبالفعل، تشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أنّ إمام أوغلو سيفوز على أردوغان بنتيجة 48.7% مقابل 36.6% من الأصوات.

أصيبت مؤسّسات الدولة العلمانية في تركيا بحالة من الصدمة، عام 1994، حين حقّق شاب إسلاموي التوجّه الفوز في الانتخابات البلدية ليصبح عمدة إسطنبول، ومنذ ذلك الحين صارت عبارة "من يفوز في إسطنبول، يفوز في تركيا" هي المفضّلة لأردوغان، لكن يبدو أنّ رئيس البلاد الحالي سيتجرّع من الكأس نفسها وتثبت صحّة مقولته.

ووصلت فترة حُكم أردوغان لاسطنبول إلى نهايتها عام 1997 بعد أن صاغ أنشودة إسلاموية هي "المساجد ثكناتنا، والقباب خوذنا، والمآذن حرابنا، والمصلون جنودنا" والتي تسبّبت في الزجّ به داخل السجن لـ 10 أشهر بعد إدانته بتهمة "التحريض على الكراهية الدينية"، وفي 2002 حقّق حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له انتصاراً ساحقاً في الانتخابات التشريعية.

يؤكّد مراقبون أنّ صورة ضحية النظام السلطوي العلماني المحبوكة بعناية ساعدت أردوغان بشدّة في ربح انتخابات بعد الأخرى. "كان الناس يرون في أردوغان الفتى الذي نكّل به النظام ظلماً"

ومنذ ذلك الحين، لم يكن لأردوغان أيّ منافس، سواء حين كان رئيساً للوزراء، أو بدءاً من 2014 حين أصبح رئيساً للجمهورية، ويؤكّد المراقبون أنّ صورة ضحية النظام السلطوي العلماني المحبوكة بعناية ساعدت أردوغان بشدّة في ربح انتخابات بعد الأخرى. ويقول الباحث سونر جاغابتاي: "كان الناس يرون في أردوغان الفتى الذي نكّل به النظام ظلماً"، وذلك في كتابه "إمبراطورية أردوغان".

أسوأ كوابيس أردوغان

وللمفارقة، فإنّ من صار أسوأ كوابيس أردوغان تعرّض لحملة شعواء في السابق أيضًا؛ ففي آذار (مارس) 2019 كانت الانتخابات البلدية تقترب بسرعة البرق من إسطنبول التي يسيطر عليها الإسلامويون مع عاصمة البلاد أنقرة، منذ 1994. كان مرشّح حزب أردوغان شخصية مرموقة ومحل ثقة الرئيس نفسه هو رئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم. بينما توحّدت المعارضة المكوّنة من الديمقراطيين والليبراليين وبعض القوميين والأكراد خلف أكرم إمام أوغلو الذي لم يكن سوى رئيس مغمور لأحد الأحياء.

تحدّث أحد قيادات العدالة والتنمية عن "تساؤلات عديدة" حول الأصل العرقي والديني لمرشّح المعارضة، بل ووصل الأمر بهذا القيادي لأن دعا إمام أوغلو لإثبات أنّ "روحه وقلبه وعقله مع تركيا"، ولم تتوقّف آلة الدعاية الموالية لأردوغان عن الترويج لادّعاءات مثل كيف ينحدر إمام أوغلو من أصول قبرصية يونانية وأنّ أتباعه هم من اليونانيين الذين يدّعون كونهم مسلمين، كما وجّهت له اتهامات بأنّ له صلات بالأكراد "الإرهابيين" على حدّ وصف إعلام أردوغان.

اقرأ أيضاً: أردوغان في العاصمة الأوكرانية: هل يحمل طوق نجاة أم يبحث عنه؟

وجاءت نتيجة انتخابات 31 آذار (مارس) كالصاعقة على رأس أردوغان، بعد أن زلزلت أسطورة حزب العدالة والتنمية الذي لا يُقهر، بل وفاز إمام أوغلو بفارق كبير وصل إلى 13.000 صوت في مدينة يسكنها 18 مليون نسمة، لكنّ المجلس الأعلى للانتخابات الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم قرّر إلغاء النتيجة والدعوة لاقتراع جديد، في 23 حزيران (يونيو)، وفي ذلك اليوم تفوّق إمام أوغلو بفارق 800.000 صوت وسط ذهول أردوغان وآلة الدعاية الرهيبة الموالية لحزبه.

"إذا خسرنا إسطنبول، فسنخسر تركيا"

وبعد عامين فقط، أكّد أردوغان: "إذا خسرنا إسطنبول، فسوف نخسر تركيا"، ومنذ العودة للمسار الديمقراطي، عام 1983، بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته تركيا عام 1980، لم يسبق لأي مرشّح الحصول على أغلبية في إسطنبول، لكنّ إمام أوغلو حاز على ثقة 54% من الناخبين مقابل 45% لمرشّح العدالة والتنمية؛ بل وحتى نسبة الـ 25% التي حقّقها أردوغان عام 1994.

وتلت نتيجة الانتخابات البلدية في إسطنبول حملة كراهية ومضايقة بحقّ إمام أوغلو، لكنّها بدلاً من الإضرار به، جعلته المرشّح الأمثل لمواجهة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المُنتظرة بشدّة العام المقبل.

مع الأيام الأولى لجائحة "كوفيد-19"، أطلق أردوغان حملة وطنية كي تقدّم الشركات ورجال الأعمال مساعدات للفقراء. بعبارة أخرى: كانت حكومة أنقرة تريد جمع أموال من الناس لمساعدة الناس، ونجحت الحملة في جمع ما يعادل 245 مليون دولار في دولة تعداد سكّانها 83 مليون نسمة، وكان مصدر الجانب الأكبر من هذه النقود هي شركات تسيطر عليها الحكومة.

وبالتوازي مع حملة أردوغان، بدأ إمام أوغلو وعمدة أنقرة منصور يافاش حملة أخرى لمساعدة الفقراء في أكبر مدينتين بتركيا، إلّا أنّهما واجها مشكلة. قالت الحكومة إنّ القانون ينصّ على إلزامية استخراج البلديات لتصريح من وزارة الداخلية قبل تدشين أيّة مبادرات تتضمّن جمع أموال، وأشار إمام أوغلو ويافاش إلى أنّ بلديات أخرى، تخضع للحكومة، تجمع بالفعل أموال تبرّعات لمساعدة الموظّفين وصغار التجّار الذين خسروا أعمالهم ومصادر دخلهم على خلفية الجائحة.

مساعدة الفقراء لزيادة الشعبية

بيد أنّ الحكومة ادّعت حصول هذه البلديات على تصاريح بينما لم تفعل ذلك إسطنبول وأنقرة، كان من الواضح للعيان أنّ أردوغان لا يريد زيادة شعبية المعارضة عن طريق مساعدة الفقراء رُغم أنّه يسمح لنفسه بذلك.

أظهر استطلاع أنّ نسبة قبول الرئيس تراجعت إلى 38.6% وهي أقلّ شعبية له منذ 2015، ليأتي خلف ثلاثة مرشّحين آخرين يتطلّعون لخوض الانتخابات لانتزاع كرسي الرئاسة من أردوغان

وفي 2020، قرّر مصرف فاكيف، الخاضع لسيطرة الحكومة، تجميد حساب بلدية إسطنبول بعد أن بلغت التبرّعات من أجل جائحة كورونا 130 مليون دولار. وفتحت وزارة الداخلية تحقيقاً جنائياً مع إمام أوغلو ويافاش، بتهمة التمويل غير الشرعي. وكان ردّ إمام أوغلو على كل ذلك هو كلمة "محزن"، وذهبت حكومة أنقرة لأبعد من ذلك؛ بإلغاء مبادرة أخرى من بلدية إسطنبول لبيع الخبز بثمن أقلّ للفقراء.

وساءت الأمور أكثر، العام الماضي، عندما فتحت وزارة الداخلية تحقيقاً ضدّ إمام أوغلو بداعي "عدم احترام قبر محمد الثاني"، السلطان العثماني الذي غزا إسطنبول عام 1453، واستدعي العمدة للإدلاء بشهادته، لكن ماذا كانت التهمة؟ تم الادّعاء بأنّ الرجل، خلال زيارة لضريح السلطان عام 2020، شوهد يضع يدَيه خلف ظهره، والدليل؟ صورة لإمام أوغلو في هذه الوضعية، وخرج وزير الداخلية سليمان صويلو ليصرّح "اعتقد أنّها إهانة"، وردّ عليه إمام أوغلو بقوله "أشعر بالخجل الشديد من أجل الوزير".

اقرأ أيضاً: كم كبش فداء يحتاج أردوغان لتبرير انهيار الاقتصاد؟

وأياً يكن، فمن الواضح أنّ وزارة الداخلية تمارس السياسة وتخوض معركة إزالة إمام أوغلو من المشهد، وقد أثبتت ذلك بالفعل، في 27 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حين فتحت تحقيقات بشأن مئات من العاملين في بلدية إسطنبول بذريعة احتمالية وجود علاقات بينهم وبين منظّمات إرهابية، وشملت التحرّيات 455 شخصاً يعملون في البلدية أو شركات تابعة لها بداعي صلتهم بعناصر كردية، و100 شخصًا آخرين يعتقد أنّهم على علاقة بجماعات يسارية وفصائل أخرى من المعارضة.

اقرأ أيضاً: اقتصاديون يجيبون لـ"حفريات": هل ينجح تحدي أردوغان لليد الخفية؟

وقدّمت بلدية إسطنبول احتجاجات، وأكّدت أنّه ليس من بين موظفيها من لديه سوابق جنائية، طبقاً للمعلومات التي تتيحها وزارة العدل ذاتها. واعترفت وزارة الداخلية بذلك، لكنّها أصرّت على أنّ التحقيقات تطال فقط "الإرهابيين"، وهكذا صار الموقف عبثية لدرجة تدعو للسخرية؛ فوزارة الداخلية لا تعترف بمبدأ "كلّ بريء حتى تثبت إدانته"، ويبدو أنّ "الإرهابيين" الذين يتحدّث عنهم وزير الداخلية هم أشخاص يجرى التحقيق حولهم بسبب صلاتهم بمنظّمات غير قانونية لكن لم توجّه إليهم أية تهم أو حتى مثلوا أمام أي محكمة.

وبالطبع لا تؤدّي كلّ هذه الممارسات سوى إلى ترسيخ صورة الضحية بالنسبة لإمام أوغلو في نظر الناخبين وزيادة شعبيته، وفي أسوأ توقيت ممكن بالنسبة لأردوغان؛ بالتزامن مع انهيار شعبيته.

استطلاع: تراجع شعبية أردوغان

وقد أظهر استطلاع أجرته شركة "متروبول ريسيرش" أنّ نسبة قبول الرئيس تراجعت إلى 38.6% وهي أقلّ شعبية له منذ 2015، ليأتي خلف ثلاثة مرشّحين آخرين يتطلّعون لخوض الانتخابات لانتزاع كرسي الرئاسة من أردوغان، كما كشف استطلاع لمركز "سويسو بوليتيك فيلد ريسيرش" كيف أنّ نسبة تأييد حزب العدالة والتنمية وأردوغان انخفضت إلى 27% مقارنة بنسبة 37% التي حصل عليها الحزب في الانتخابات التشريعية السابقة، عام 2018، وكذلك طال الانهيار شعبية حزب الحركة القومية المتحالف مع العدالة والتنمية حيث انخفضت إلى 6.3% بتراجع قدره نقطة مئوية مقارنة بعام 2018، وفق الاستطلاع.

أمّا أحدث تقارير "متروبول" فتمنح أفضلية مريحة لعمدتي إسطنبول وأنقرة على حساب أردوغان في الانتخابات، بحيث ستكون نتيجة مواجهة بين إمام أوغلو وأردوغان هي 48.7% و36.6% على الترتيب.

ورغم أنّ الوقت ما يزال مبكّراً للتكهّن بحدوث تغيير جذري في السياسة التركية، عام 2023، لكنّ التقارير التي تصدر اليوم تعكس أمراً واقعاً هو أنّ أردوغان وحكومته يمرّان بفترة حالكة من الفزع.

مصدر الترجمة عن الإسبانية:

https://bit.ly/3trZtuq




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية