ماذا يعني رفض التهجير القسري لسكان غزة؟

ماذا يعني رفض التهجير القسري لسكان غزة؟

ماذا يعني رفض التهجير القسري لسكان غزة؟


07/12/2023

تشكّل الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة محطة ربما لن يتم تجاوزها إلّا بعد أعوام وربما بعد عقود، وستخضع لجدالات أكثر عمقاً في الغرب، بطرحها العديد من الملفات، بما فيها هدف الحرب الحقيقي، وعلاقته بما أعلنته إسرائيل بالقضاء على حماس، وتدمير مراكز النزوح  بالمستشفيات والمدارس، وفرض حصار على دخول المواد الإنسانية، وملفات أخرى مرتبطة بمنظومات تشريعات وقوانين دولية أصبحت قارّة في الوجدان الإنساني العالمي وقوانينه، من حيث حدود الالتزام بها، بما فيها التفريق بين المدنيين وحقوقهم بالحياة، والإبادة الجماعية، والإرهاب ومكافحته وحدود الحرب على الجماعات الإرهابية، ومفهوم إرهاب الدولة، وحدود اتصاله وتداخله مع مفهوم الدفاع عن النفس، وبالتزامن برز مصطلح التهجير القسري بوصفه سلوكاً مرفوضاً.

 ولا شك أنّ كل تلك المفاهيم أصبحت أوّلاً: خاضعة وبشكل واضح للفاعلين الدوليين والجهات التي تعرف هذه المصطلحات والمفاهيم، وثانياً: أصبحت خاضعة لمعايير المواقف السياسية للمعرفين، أكثر من كونها مفاهيم عامة تشمل الجميع دون تمييز بمرجعيات دينية أو عرقية أو مذهبية، وهو ما نتج عنه اتهامات توجه لهؤلاء الفاعلين، بما أصبح يُعرف بـ "الكيل بمكيالين"، حين تطبق تلك القوانين على دول وحكومات ولا تطبق على دول أخرى، وثالثاً: لأنّ الألفاظ وبالتالي الكلمات والمصطلحات تُعرف بأضدادها، فالقول برفض التهجير القسري، يعني أنّ هناك تهجيراً طوعياً، ربما يكون مقبولاً.

 

أيّ نجاحات تحققها إسرائيل في التهجير "القسري الطوعي" بقطاع غزة سيتم سحبها على الضفة الغربية، لا سيّما أنّ الضفة بالنسبة إلى إسرائيل ترتبط بالجغرافيا، فيما ترتبط غزة بالسكّان

 

ورغم أنّ تعريف التهجير القسري نشأ في سياقات منظومة التشريعات والقوانين بعد الحرب العالمية الثانية، حيث نصت المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على حظر النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضٍ أخرى، إلّا في حال أن يكون هذا في صالحهم؛ بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة، إلّا أنّ الحدود الفاصلة بين التهجيرين، القسري والطوعي، تبدو غير واضحة، إلّا بحدود النوايا الحقيقية وليس الأقوال، وهو ما تدركه إسرائيل، عبر الطلبات المتكررة من سكان قطاع غزة بالانتقال من مكان إلى آخر، بحجة حماية أرواحهم، ولاحقاً تقسيم القطاع إلى مربعات سكنية، ربما كانت بهدف استخدامها لاحقاً في أيّ محاججة دولية بأنّها نبهت السكان المدنيين لتلافي التعرض لضربات الجيش الإسرائيلي، والتزمت بالقوانين الدولية.

تماهي الحدود بين مفهومي التهجير القسري والطوعي تتم ترجمتها في قطاع غزة بحرفية غير مسبوقة، ذلك أنّ الفرق كما يبدو في التهجير القسري هو إصدار الأوامر والطلبات للسكان باللجوء أو الهجرة بشكل واضح وصريح، وهو ما لم تقدم عليه إسرائيل بشكل صريح إلّا بحدود قطاع غزة فقط، لكنّ الممارسات الإسرائيلية، بما فيها من جعل الحياة الإنسانية في قطاع غزة مستحيلة، عبر منع إدخال الإغاثة الإنسانية للقطاع، وقصف المدارس والمستشفيات، ستفضي بالضرورة إلى ممارسة عمليات تهجير خارج قطاع غزة، تبدو في ظاهرها هجرات طوعية بحجة أنّ أحداً لم يطلب من السكان الهجرة، رغم أنّ حقيقتها أنّها تهجير قسري، ويبدو أنّ القيادة الإسرائيلية تبني رهانات على هذا السيناريو، بتكرار التهجير خلال النكبة والنكسة، وبادعاءات ومزاعم أنّ الفلسطينيين هاجروا ديارهم بملء إرادتهم وليس قسراً، لا سيّما أنّها أصدرت توجيهات وطالبت سكان القطاع علناً بمغادرة مناطق محددة للقضاء على المقاومة.

إنّ خطورة الحديث عن التهجير القسري الذي تخطط إسرائيل لتنفيذه بغطاءات طوعية، تكمن أوّلاً: بكونه يشكّل قاسماً مشتركاً لكافة الأطياف السياسية الإسرائيلية في ظل تقدير موقف في الفكر الإسرائيلي العميق بأنّ التهجير والإبادة هما الحل للتحدي الديموغرافي الذي يلاحق إسرائيل بموازنة السكان في فلسطين؛ فالإحصاءات تشير اليوم إلى أنّ عدد الإسرائيليين حوالي (7) ملايين، مقابل حوالي (7) ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما نسبة النمو السكاني ومعدلات الولادة عند الفلسطينيين أضعاف ما هي عليه عند الإسرائيليين.

 

الرهانات على القيادتين المصرية والأردنية يمكن البناء عليها، فكلتاهما تبديان مواقف حازمة أمام ضغوطات واسعة، وما زالتا ترفضان التهجير قسرياً وطوعياً

 

 وثانياً: أنّ ما يمكن وصفه بالفشل الاستراتيجي الإسرائيلي في حرب غزة، وتحديداً على المستوى العسكري بالقضاء على الحماس او إعادة الرهائن بالقوة، يجعل من التهجير نصراً بديلاً، لا سيّما أنّه أصبح مؤكداً أنّ اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو لا يستطيع إنهاء الحرب دون العودة بـ "إنجاز" يقدّمه للرأي العام الإسرائيلي، بعد الفشل السياسي والعسكري والأمني الذي مُني به في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وثالثاً: أنّ أيّ نجاحات تحققها القيادة الإسرائيلية في التهجير "القسري الطوعي" بقطاع غزة من المؤكد سيتم سحبها على الضفة الغربية، لا سيّما أنّ الضفة الغربية بالنسبة إلى إسرائيل ترتبط بالجغرافيا، فيما ترتبط غزة بالسكّان.

ورغم كل ذلك؛ تبقى الرهانات أوّلاً وأخيراً على صمود الشعب الفلسطيني في غزة والضفة لإفشال مخططات التهجير القسرية أو الطوعية، رغم كل ما يقال عن تضييق على حياة الفلسطينيين، وربما يشار هنا إلى أنّه رغم ما يتعرض له الفلسطينيون في الضفة وغزة من عقاب جماعي وتضييق سبل الحياة، إلّا أنّ الحروب الإسرائيلية التي شنتها إسرائيل على الضفة وغزة منذ حرب عام 1967 أنتجت وعياً جمعياً فلسطينياً بأنّ اللجوء والهجرة ليست حلاً، وهو ما يفسر هذا الصمود للشعب الفلسطيني، كما أنّ الرهانات على القيادتين المصرية والأردنية يمكن البناء عليها، فكلتاهما تبديان مواقف حازمة أمام ضغوطات واسعة، وما زالتا ترفضان التهجير قسرياً وطوعياً.

مواضيع ذات صلة:

إحصائيات جديدة مرعبة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة

هل يشعل العداون الإسرائيلي على غزة حروب البحار؟

بعد زيادة طلب المستوطنين على الأسلحة.. هل ترتد على صدر إسرائيل؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية