لم يكن العام 2020 سهلاً على النظام الإيراني، بأيّ حال من الأحوال؛ فقد مثّلت فصوله تحديات متباينة، وعكست أحداثه، المحليّة والإقليميّة، تعقيدات جمّة، سواء على ضوء الترتيبات السياسية الداخلية، أو ما يتصل بعلاقاته الخارجيّة، لا سيما أنّ منتصف العام المقبل سوف يشهد إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي من المتوقع أن يظفر بها أحد العناصر العسكرية من جنرالات الحرس الثوري، وذلك بعد تنامي نفوذهم في أغلب مؤسسات الحكم، التشريعية والتنفيذية.
عام "الضغوط القصوى" على إيران
مطلع العام الماضي، اهتزت السياسية الإيرانية، إثر اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، والقياديّ في الحشد الشعبيّ "أبو مهدي المهندس"؛ الأمر الذي نجمت عنه ضغوط قصوى، على خلفية الأدوار اللافتة التي يؤديها القائدان في الحرس الثوريّ، في مناطق نفوذ طهران الجيوسياسية، بين العراق وسوريا ولبنان واليمن، خاصة أنّ عواصم تلك المناطق تشهد احتجاجات شعبية هائلة ومتواصلة ضدّ التغلغل الإيراني، والأمر ذاته، في مدن وضواحي طهران، التي اندلعت في ميادينها الرئيسة تظاهرات عنيفة، سياسية واجتماعية وحقوقية.
وبينما دشّن العام أحداثه الأولى، باستهداف شخصيّتين مهمّتين من الناحية الإستراتيجية، الأمنيّة والسياسيّة والإقليميّة، لطهران، فقد جاء النصف الثاني من العام ذاته، يحمل انفراجة محتملة، مع انتخاب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وتتمثل في إمكانية العودة للاتفاق النووي، والانتهاء من سياسة الضغط القصوى، وكذا العقوبات الاقتصاديّة، التي نفّذتها إدارة الرئيس الأمريكيّة، المنتهية ولايته، دونالد ترامب، ومن ثمّ العودة إلى طاولة المفاوضات..
دشّن العام الماضي أحداثه الأولى باستهداف شخصيتين مهمتين من الناحية الإستراتيجية لطهران، لكنّ النصف الثاني من العام ذاته، حمل انفراجة محتملة
وخلال هذا العام، الذي يبدو كأنّه بمثابة مرحلة انتقالية بين سياستَين مختلفتَين، خاصة بين طهران وواشنطن، فإنّ ثمة ترجيحات عديدة، تخفض سقف توقعاتها بشأن التغييرات المتوقّعة والمحتملة؛ فعقب الإعلان عن فوز بايدن، وصف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلاميّة، علي خامنئي، الانتخابات الأمريكيّة بأنّها "مسرحية"، بينما غرّد عبر حسابه الرسميّ في موقع التواصل الاجتماعيّ "تويتر": "الوضع في الولايات المتحدة وما يقولونه أنفسهم عن انتخاباتهم مجرّد مسرحيّة!"، مضيفاً: "هذا مثال على الوجه القبيح للديمقراطية الليبرالية في الولايات المتحدة".
كيف سيتعامل الإيرانيون مع بايدن؟
وتابع خامنئي: "بغضّ النظر عن النتيجة، هناك شيء واحد واضح تماماً، وهو الانحدار السياسيّ والمدنيّ والأخلاقيّ المؤكّد للنظام الأمريكيّ".
ومثله، قال مستشار الرئيس الإيرانيّ، حسام الدين أشينا: "ثبت الإيرانيون على موقفهم بشجاعة حتى رحل الجبان (يقصد دونالد ترامب)".
اقرأ أيضاً: الاحتجاجات تضرب إيران... ما القصة؟
بيد أنّ وزير الخارجية الإيرانيّ، محمد جواد ظريف، قال: "التعامل مع الولايات المتحدّة سيختلف إذا توقفت عن سياساتها المدمّرة تجاه إيران؛ حيث نتوقع نهجاً مختلفاً من بايدن"، وبدوره؛ كشف الرئيس الإيرانيّ، في حوار بثّه التلفزيون الإيرانيّ الرسميّ، عن رغبته في إجراء "حوار حذر" مع البيت الأبيض؛ إذ أكّد أنّه يمكن الآن "الانتقال ببطء من موقع التهديدات إلى موقع الفرص"، مضيفاً: "أرحّب بأجواء العلاقات الوثيقة والأعمال المتبادلة مع جميع البلدان الصديقة".
ومن جانبه، أبدى الرئيس الأمريكيّ المنتخب استعداده للعودة إلى الاتفاق النووي، رغم "الشروط التعجيزية" التي وضعها، بحسب مراقبين وخبراء في الشأن الإيراني؛ حيث أوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أنّ بايدن يستهدف استئناف المفاوضات مع طهران، لكن بالتعاون مع حلفاء واشنطن؛ حيث يجري توسيع الاتفاق، ويشمل دولاً أخرى، من بينها الإمارات والسعودية.
شروط بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي
وبحسب الرئيس الأمريكيّ المنتخب؛ فإنّ "الطريقة المثلى لبلوغ نوع من الاستقرار في المنطقة، تتمثل في الاهتمام بالبرنامج النووي الإيراني"، موضحاً أنّه في حال "حازت طهران القنبلة النووية، سيكون هناك سباق على التسلح النووي، في الشرق الأوسط، وهو آخر شيء نحتاج إليه في هذا الجزء من العالم".
لذا؛ فمن الضروري "التشاور مع حلفائنا وشركائنا، سنطلق مفاوضات واتفاقات متابعة لتشديد وتمديد القيود النووية المفروضة على إيران، وللتطرق إلى برامج الصواريخ الإيرانية"؛ يقول بايدن.
الباحث السعودي المتخصّص في الشأن الإيرانيّ د. محمد بن صقر السلمي: طهران ستستمرّ في علاقاتها مع الدول الأوروبية، الداعمة لخطة العمل المشتركة (برجام)
يتفق والرأي ذاته تحليل الصحيفة الأمريكية، التي لفتت إلى أنّ بايدن "يريد توسيع المباحثات، بحيث تشمل دولاً، لم توقّع اتفاق عام 2015 (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيران)، بما في ذلك الدول المجاورة لطهران، كالسعودية والإمارات".
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة، سوف تتجه إلى المفاوضات، لكن بعد تمديد القيود على إنتاج طهران للمواد الانشطارية، والتي قد تستخدمها لصنع القنبلة النووية، وكذا وضع ضوابط على نشاطها الخارجي، في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
وإلى ذلك، لفت المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، إلى خطوة لافتة من جانب إدارة بايدين؛ حيث "ضمّت قائمة الفريق الانتقالي خمسة أشخاص من الخبراء والأكاديميين ذوي الأصولِ الإيرانية، وقد تلقفت منصات إعلامية إيرانية هذه الأخبار، بنظرة تفاؤلية، مقرونة بالإشادة، بما قد ينعكس إيجاباً على العلاقة الإيرانيّة مع الولايات المتّحدة، بفعل الأدوار الحسّاسة التي يضطلع بها هؤلاء الأفراد في الجهات التنفيذية".
سياسة الملالي تحت وطأة الضغوط الداخليّة
ورغم تباين التوقّعات حول كيفية تعامل إيران مع الرئيس الأمريكيّ المنتخب، لكنّ المعهد المتخصص في الشؤون الإيرانية يوضح أنّ "هناك اختلافاً في وجهات النظر والتوجهات في الداخل الإيراني، حيال الآلية المثلى للتعامل مع الرئيس الأمريكيّ الجديد؛ فبينما ترى حكومة الرئيس حسن روحاني ضرورة فتح قنوات تواصل مبكرة جداً مع بايدن، بالتالي، تحقيق بعض المكاسب الداخلية لما يسمى "التيار المعتدل الإصلاحي"، قبل نهاية فترة رئاسة روحاني، يرى التيار الأصولي ضرورة الانتظار حتى يتضح موقف بايدن من طهران، قبل الاندفاع نحوه، حتى إن كان ذلك مؤلماً، على أمل الحصول، في المقابل، على مردود أكبر وأفضل، وكذلك يسعى التيار الأصولي إلى إضعاف الطرف المقابل في الداخل الإيرانيّ، بهدف السيطرة بشكل كامل على مؤسسات الدولة".
اقرأ أيضاً: إيران.. صناعة الميليشيات وتفتيت الدول
ويرجّح الدكتور محمد بن صقر السلمي، الباحث السعودي، المتخصّص في الشأن الإيرانيّ، أنّ طهران سوف تستمرّ في علاقاتها مع الدول الأوروبية، الداعمة لخطة العمل المشتركة (برجام)، لجهة إقناع الإدارة الأمريكية الجديدة بالعودة الفورية للاتفاق النووي، وكذا رفع العقوبات الأمريكية الأحادية.
وفي دراسته المنشورة، يعتقد الباحث السعوديّ؛ أنّ طهران ربما تتجه إلى المبالغة في مطالبها، وتسعى إلى الضغط بغية الحصول على تعويضات من واشنطن، على خلفية الأضرار التي حدثت نتيجة الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي، وذلك رغم "علم طهران المسبق باستحالة الحصول على أيّ تعويضات، لكن مثل هذه المطالب سوف تساعدها في الجانب التفاوضي، وأيضاً لحفظ ماء الوجه داخلياً".
اقرأ أيضاً: إيران... عسكرة المرحلة الانتقالية
ويتابع: "ومن المتوقّع أن ينشط اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة الأمريكية، الموسوم بـ "ناياك"، وسيحاول التركيز على التغلغل إلى الدوائر القريبة من الرئيس الجديد، ومساعديه، واستعادة جزء من نفوذهم خلال فترة أوباما، الذي فقدوه، بشكل شبه كامل، مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض".