
ترجمة: محمد الدخاخني
صدمت الهجمات الأخيرة على إيران ومنشآتها النووية المجتمع الدولي. وبينما يراقب العالم عن كثب التطورات ويأمل في حل دبلوماسي لهذه الأزمة، فإنّ الهجمات على إيران وخطواتها التالية سيكون لها تأثير عميق على نظام منع الانتشار النووي.
ويستند نظام منع الانتشار النووي الحالي، الذي أُنشئ لمنع انتشار الأسلحة النووية، إلى "معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية" التي تم التفاوض عليها عام 1968. ويتمتع النظام بعضوية شبه عالمية، وكان له دور فعال في منع حيازة (20) دولة أخرى للأسلحة النووية، كما كان متوقعاً قبل دخول المعاهدة حيز التنفيذ.
"الهجمات على إيران ومنشآتها النووية تهز نظام منع الانتشار، وتهدد مصداقية معاهدة حيوية شُيِّدت لتجنب سباق تسلح عالمي."
وهدَّدت إيران، وهي طرف في المعاهدة، بالانسحاب حتى قبل الهجمات. وإذا انسحبت إيران من المعاهدة وركزت على إحياء برنامجها النووي لبناء أسلحة نووية، فسيوجِّه ذلك ضربة قاصمة لنظام منع الانتشار ومصداقيته. علاوة على ذلك، وبغضّ النظر عن قرار إيران بشأن عضويتها في المعاهدة أو سعيها لامتلاك أسلحة نووية، فإنّ الضرر الذي لحق بجهود الحد من انتشار الأسلحة النووية قد وقع بالفعل.
لقد شهد القرن الحادي والعشرون عدة هجمات شنتها دول نووية ضد دول غير نووية، بما في ذلك غزو العراق عام 2003، بحجة منع حيازة الأسلحة النووية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل المزعومة. ووافقت بعض الدول، مثل ليبيا، على التخلي عن السعي لامتلاك الأسلحة النووية، ومع ذلك تعرَّضت للهجوم لاحقاً.
"انسحاب إيران من معاهدة عدم الانتشار سيشكّل ضربة استراتيجية تقوّض أحد أعمدة الأمن النووي العالمي."
أمّا أوكرانيا، التي ورثت ترسانة أسلحة نووية من الاتحاد السوفييتي، فقد أعادتها إلى روسيا وانضمَّت إلى المعاهدة كدولة غير نووية. ويتساءل كثيرون في أوكرانيا اليوم عمّا إذا كان قرار التخلي عن الأسلحة النووية صائباً، وما إذا كانت أوكرانيا لتتعرض للهجوم لو اختارت الاحتفاظ بها.
تنظر الدول أيضاً إلى كوريا الشمالية، التي انسحبت من المعاهدة وسارعت إلى بناء أسلحة نووية وصواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة، كرادع ضد الهجمات العسكرية. حتى الآن نجحت هذه الاستراتيجية، وتُواصل كوريا الشمالية توسيع وتعزيز ترسانتها النووية، وعرضها بفخر لضمان إيصال الرسالة إلى الولايات المتحدة وغيرها.
"تحقيق وعد الطاقة النووية الآمنة في الشرق الأوسط يمر عبر صيانة معاهدة عدم الانتشار، وتعزيز آليات التعاون والتحقق الإقليمي."
ومع تراجع موثوقية التزامات الولايات المتحدة تجاه حلفائها، قد تُقرِّر بعض الدول أنّها لا تستطيع حماية نفسها إلا بالقوة الرادعة القصوى - الأسلحة النووية. وفي كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، يُفضِّل الرأي العام بالفعل خيار الأسلحة النووية.
أثار البرنامج النووي الإيراني قلق دول الشرق الأوسط وغيرها لعقود. وسمعنا تصريحات من تركيا والسعودية بشأن سعيٍ محتملٍ لامتلاك أسلحة نووية إذا امتلكت إيران القنبلة. فهل ستُغيِّر الهجمات على إيران وبرنامجها النووي حسابات بعض هذه الدول بشأن طموحاتها النووية، وتُشكِّل حافزاً لمزيد من الانتشار النووي؟
تُصرُّ إيران على الطبيعة السلمية لبرنامجها، ومع ذلك فقد طوَّرت العديد من عناصره من دون الحاجة إلى برنامج طاقة نووية قائم أو حتى مُخطَّط له، وأصبحت مصدر قلق بشأن الانتشار.
"الإمارات قدمت نموذجًا يُحتذى به في الشفافية النووية، بالتزامها عدم تطوير تقنيات التخصيب أو إعادة المعالجة محليًا."
كانت إيران على وشك امتلاك كل شيء، بما في ذلك مخزونات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب، باستثناء القنبلة نفسها. ومارست لعبة التحوُّط النووي لأكثر من عقدين، لكنّها توسَّعت وسرَّعت من وتيرة هذه اللعبة بشكل كبير في العامين الماضيين. وسيُدرك مُروّجو الأسلحة النووية في المستقبل المخاطرَ التي يُمثِّلها غموض نواياهم أثناء سعيهم للحصول على تقنيات وقدرات نووية قد تُؤدي إلى التسلح.
ويبقى أن نرى ما إذا كانت إيران ستنسحب من المعاهدة وتُركز على إحياء برنامجها النووي. وقد مضت قُدماً بالفعل في تعليق ضمانات "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، وهي عنصر أساسي في نظام منع الانتشار الذي يُفتِّش الأنشطة والمنشآت النووية، وهو التزام قانوني بموجب المعاهدة.
"الانتشار النووي في الشرق الأوسط لن يهدد خصوم إيران وحدهم، بل يُقوّض استقرارها الداخلي والإقليمي على المدى الطويل."
من مصلحة إيران العودة إلى التعاون الكامل مع الوكالة وتوفير الشفافية الكاملة بشأن برنامجها النووي. ففي نهاية المطاف، المزيد من الانتشار النووي في المنطقة، الذي قد يُشعله انسحاب إيران من المعاهدة وسعيها إلى امتلاك أسلحة نووية، سيكون ضد مصالح إيران نفسها.
وإلى جانب الحل الدبلوماسي للأزمة الراهنة، هناك عدة خطوات يمكن للدول الأطراف في المعاهدة اتخاذها لمنع المزيد من الانتشار في الشرق الأوسط وخارجه. وإحدى هذه الخطوات هي التزام قانوني صريح أو اتفاق إقليمي بعدم السعي إلى برامج وطنية لتخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود المستهلك، وهما عنصران أساسيان في دورة الوقود النووي القادرة على إنتاج مواد انشطارية للأسلحة النووية.
"تعليق إيران لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية يضعف نظام التحقق الدولي، ويقوّض أسس الشفافية والثقة."
وفي هذا الصدد، تُعَدُّ الإمارات مثالاً يُحتذَى به في تجنب أيّ غموض في برنامجها للطاقة النووية. ففي اتفاقيتها بشأن التعاون النووي مع الولايات المتحدة (ما يُسمّى بـ"اتفاقية 123")، التزمت الإمارات بعدم السعي إلى هذه التقنيات الحساسة.
وهناك خيار آخر يتمثَّل في تشييد أيّ منشأة جديدة للتخصيب وإعادة المعالجة كمنشأة دولية أو متعددة الأطراف تخضع للضمانات الدولية. ويمكن القول إنّ التعاون الإقليمي والدولي الوثيق في مجال الطاقة النووية وتطبيقاتها السلمية من شأنه أن يُمهِّد الطريق في نهاية المطاف للتعاون والشفافية وبناء الثقة بين دول المنطقة.
"إيران مارست التحوّط النووي لعقدين، لكنها سرعت خطواتها في العامين الأخيرين، ما يعمّق القلق حول نواياها الحقيقية."
ومن السُبُل الأخرى لتخفيف القلق بشأن الانتشار النووي في الشرق الأوسط الوصول إلى ترتيبٍ للتحقُّق الإقليمي يُكمِّل ضمانات "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، على غرار "الوكالة البرازيلية الأرجنتينية لحصر ومراقبة المواد النووية"، ومن شأن هذا الترتيب أن يعزِّز الثقة في الطبيعة السلمية للأنشطة النووية.
في الأعوام الأخيرة ازداد الاهتمام بالطاقة النووية كمصدر طاقة محايد كربونيّاً بشكل ملحوظ، بما في ذلك في الشرق الأوسط. فهي تُبشِّر بتوفير طاقة موثوقة ونظيفة، مع استخدامات في تطبيقات أخرى متنوعة تتجاوز توليد الكهرباء، بما في ذلك تحلية المياه والعديد من الفوائد الأخرى. ولتحقيق هذا الوعد يجب أن تصمد "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية"، وأن يظلّ نظام الرقابة على الانتشار قائماً.
مصدر الترجمة عن الإنجليزية: