لم يعد مفاجئاً أن تنتهي كلّ جولة تفاوضية جديدة حول سد النهضة إلى "اللّاشيء"، غير أنّ تصريح وزير الري السوداني عقب تعثر الجولة الأخيرة من المفاوضات ليل الجمعة، حول أنّ القرار "يحتاج إلى قرار من القيادات السياسية العليا في الدول الثلاث"، وأنّه "أعلى من الوزراء، وأنّ مواصلة التفاوض بالصيغة الحالية لن يكون مجدياً"، ربما يجعلنا في انتظار مفاوضات "عليا"، لكن هل ستفضي إلى نتيجة إيجابية؟
اقرأ أيضاً: عقوبات أمريكية على إثيوبيا على خلفية سد النهضة.. تفاصيل
التصريح يمنح الصيغة الرسمية، على الأقل، لما هو معلوم من أنّ أزمة سد النهضة ليست فنية، بمعنى أننا لسنا أمام أزمة أو خلاف في وجهات النظر حول وقوع الضرر من غيره ومن ثمّ تفاديه على أحد الأطراف؛ إذ إنّ الضرر الممكن تحققه معلوم ومدعوم بتقارير من مؤسسات بحثية دولية لجأت إليها الدول منذ سنوات، فيما الأزمة تتمثل في عدم استعداد إثيوبيا لتقديم تنازلات تحقيقاً للتوافق؛ أي الرغبة السياسية الإثيوبية في كسب الوقت لحين يصبح السد أمراً واقعاً.
في المقابل، تأمل مصر والسودان بتغير في الموقف الإثيوبي، يعتمد علناً حتى الآن على لهجة ودّية، تؤمن بجدوى التفاوض وترى فيه السبيل إلى التوافق، لكن هل يعني ذلك أنّ مصر والسودان لا تملكان أوراقاً أخرى؟
وقبل أيام من الإعلان الأخير المصري ـ السوداني عن تعثر جولة المفاوضات الفنية التي قامت تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية موافقة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، على خطة لوقف المساعدات التي تقدمها بلاده لإثيوبيا. ويتعلق القرار الذي يتمّ التصويت عليه في الكونغرس هذا الأسبوع بـ130 مليون دولار من المساعدات الخارجية الأمريكية لإثيوبيا، فيما كشف مسؤولون أنّ تفاصيل خفض المساعدات لم يتمّ تحديدها بعد، بحسب ما أورده موقع "سكاي نيوز".
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية موافقة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، على خطة لوقف المساعدات التي تقدمها بلاده لإثيوبيا
ويرى مراقبون أنّ تلويح الولايات المتحدة بورقة العقوبات قد يجبر إثيوبيا على إبداء موقف أكثر مرونة في أزمة سد النهضة، وإلزامها بتوقيع اتفاق ملزم، تتنصل إثيوبيا على توقيع مثله.
وسبق أن انسحبت إثيوبيا من مفاوضات برعاية البنك الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية في واشنطن في شباط (فبراير) الماضي، عبر تغيبها عن الجلسة التي كان يفترض أن تشهد توقيعاً من الدول الثلاث على اتفاق ترعاه واشنطن.
ولم تصدر بيانات سياسية من أيٍّ من الدول الثلاث عقب تعثر المفاوضات الأخيرة، في وقت صدر فيه بيانان عن وزارتي الرّي السودانية والمصرية يشيران إلى تعثر الجولة التي كان يفترض أن تتوصل إلى توافق ينتهي إلى بيان فني واحد من الدول الثلاث، يُرفع إلى الاتحاد الأفريقي.
اقرأ أيضاً: لماذا طلبت مصر والسودان تعليق مفاوضات سد النهضة؟
وقالت وزارة الري والموارد المائية المصرية في بيان أمس: إنه "بناءً على مخرجات القمة الأفريقية المصغرة التي عُقدت يوم 21 تموز (يوليو) 2020، والاجتماع السداسي لوزراء الخارجية والري من الدول الثلاث (مصر ـ السودان ـ إثيوبيا) الذي عقد يوم 16 آب (أغسطس) 2020، عُقد يوم الجمعة 28 آب اجتماع برئاسة السادة وزراء المياه من الدول الثلاث برعاية الاتحاد الأفريقي، وبحضور مراقبين من الدول الأعضاء بهيئة مكتب الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخبراء مفوضية الاتحاد الأفريقي، حيث بدأت الاجتماعات بتبادل الكلمات الافتتاحية بين الساده الوزراء، واستعرض الوفد المصري نتائج أعمال اللجنة القانونية والفنية بشأن النسخة الأولية المجمعة المُعدة من مقترحات الدول الثلاث.
وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس: إنّ التوصل لاتفاق في مفاوضات سد النهضة يحتاج إلى قرار من القيادات السياسية العليا
وأضاف البيان: "استمراراً لعدم التوافق بين الدول الثلاث حول العديد من النقاط القانونية والفنية، بشأن النسخة الأولية المجمعة المشار إليها والمُعدّة بوساطة الدول الثلاث، والتي لم ترقَ بعد إلى عرضها على هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي برئاسة جنوب أفريقيا، وبعد نقاش مطول بشأن المفاوضات خلال الفترة القادمة، توافق السادة وزراء المياه في نهاية الاجتماع على قيام كلّ دولة منفردة بإرسال خطاب إلى رئيس جنوب أفريقيا يتضمن رؤيتها للمرحلة المقبلة من المفاوضات.
ومن جانبه، قال وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس: إنّ التوصل إلى اتفاق في مفاوضات سد النهضة يحتاج إلى قرار من القيادات السياسية العليا في الدول الثلاث، أعلى من الوزراء، وأنّ مواصلة التفاوض بالصيغة الحالية لن يكون مجدياً.
وبخلاف ورقة العقوبات الأمريكية، فإنّ مصير التفاوض أو مستقبل الأزمة يبدو ضبابياً من وجهة نظر وزير الري السابق محمد نصر علام، قائلاً، بحسب ما أورده موقع مصراوي: إنّ كلّ دولة ستقدّم مسودتها الخاصة، وهو ما حدث قبل ذلك، وقد أمهل الاتحاد الأفريقي الدول الثلاث مهلة أسبوعين، مشيراً إلى صعوبة توقع الخطوات المقبلة لاستئناف المفاوضات مرّة أخرى، لأنّ الدول الثلاث لم يعلن أيّ منها انسحابه من المفاوضات.
وتساءل وزير الري السابق: "هل يتنازل أحد الأطراف ويعلن توقيع اتفاقية، أم نشهد تدخلاً من الولايات المتحدة الأمريكية لحلّ النزاع، أو استمرار جلسات التفاوض دون جدوى؟".