مؤتمر الفصائل الفلسطينية في القاهرة... الواقع والطموحات

مؤتمر الفصائل الفلسطينية في القاهرة... الواقع والطموحات


09/02/2021

 تختلط أجندة اللقاء الفلسطيني في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية؛ حيث يبدو وفقاً لتأكيدات قيادية من "فتح" و"حماس" بأنّه "لقاء مفتوح" يشمل كافة القضايا التي يفترض أن تهمّ الشعب الفلسطيني وقضاياه، بما فيها القضايا الوطنية؛ من إنهاء الانقسام الفلسطيني، وتفاصيل الانتخابات الفلسطينية المزمع إجراؤها في أيار (مايو) المقبل، والموقف من عملية السلام، والمفاوضات مع إسرائيل التي يفترض استئنافها بعد التغيير في الإدارة الأمريكية، وهو ما يمكن معه تقدير نتائج اللقاء واتجاهاته، بعيداً عن العبارات الدبلوماسية التي ستؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني بدولته المستقلة واللاجئين والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية.

كلّ ما يجري من تهدئة وإشاعة أجواء المصالحة بين فتح وحماس هو انعكاس لمتطلبات التكيّف التي فرضتها الإدارة الأمريكية الجديدة

اللقاء ينعقد في سياقات تطوّرات دولية وأخرى إقليمية وعربية، انعكست جميعها على المشهد الفلسطيني، المرتبط أصلاً بتلك السياقات، التي تشكّل مقدّمات لما يمكن أن تكون عليه نتائج أيّ لقاءات فلسطينية، وهي كما يلي:

أوّلاً: هناك إدارة أمريكية جديدة، لديها مقاربة معروفة تجاه السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، جوهرها مخالفة مواقف الإدارة السابقة بقيادة ترامب المنحازة لإسرائيل بالكامل، والالتزام بحلّ الدولتين، ووقف الاستيطان، ودعم إيجاد حلول "مُرضية" لقضية اللاجئين، وتخفيف الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية لتأمين انخراطها بمفاوضات جديدة مع إسرائيل، وتأمين الدعم الدولي لكلّ ذلك عبر الرباعية الدولية والفاعلين الإقليميين في المنطقة، خاصة بعد دخول اللّاعبين العرب الجدد، الذين وقّعوا اتفاقات سلام مع إسرائيل، ومن المؤكد أنّ عددهم سيكون بازدياد في المدى المنظور.

اقرأ أيضاً: الانتخابات الفلسطينية: هل تحطّم فتح وحماس تشاؤم المراقبين؟

ثانياً: في الإقليم تغيّرات دراماتيكية متسارعة، عنوانها تبريد الملفات الساخنة، كان من بين عناوينها المصالحة الخليجية بين قطر وجيرانها، وتلك التحوّلات التي تشهدها تركيا بخفض التصعيد في سوريا وليبيا وفي شرق المتوسط، وتجاه أوروبا حيث أصبحت تركيا فجأة جزءاً لا يتجزّأ من الاتحاد والفضاء الأوروبي، ويتردّد أنها قطعت أشواطاً بمصالحات مع السعودية ومصر والإمارات. أمّا إيران، فقد تمّ اختزال الخلافات العميقة مع "الشيطان الأكبر" في الإجابة عن سؤال من أين نبدأ؟ رفع العقوبات أوّلاً، أم التزامات إيرانية أوّلاً ثمّ رفع العقوبات؟ ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إنّ قاسماً مشتركاً برز بعد فوز بايدن في المنطقة، عنوانه "تكيّف" الجميع مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والاستعداد للتحوّلات والتسويات الكبرى "السرّية والمعلنة".

اقرأ أيضاً: روبرت مالي: هل هو حقاً صديق الفلسطينيين وعدو إسرائيل؟

ثالثاً: فلسطينياً، كلّ ما يجري من تهدئة وإشاعة أجواء المصالحة، للدرجة التي وصلت معها الأمور أن تناقش "حماسط خوض الانتخابات بقائمة مشتركة مع حركة فتح، لم يكن إلّا انعكاساً لمتطلبات التكيّف التي فرضتها الإدارة الأمريكية الجديدة، و"التبريد" الذي تشهده المنطقة كلها.

تاريخ المصالحات الفلسطينية، ولقاءات الفصائل في تركيا وبيروت والقاهرة، بكلّ صراحة ووضوح، لا تبشّر بالخير، ولا تؤسّس أيّ أرضية يمكن معها بناء حالة من التفاؤل، فقد صارت نسخة من اتفاقات فرقاء اليمن، ومقرّرات أستانا وسوتشي الخاصة بسوريا، ومؤتمرات ليبيا في الدول العربية وفي أوروبا.

 

تاريخ المصالحات الفلسطينية، ولقاءات الفصائل في تركيا وبيروت والقاهرة، بكلّ صراحة ووضوح، لا تبشّر بالخير، ولا تؤسّس أيّ أرضية يمكن معها بناء حالة من التفاؤل

ومع ذلك، فإنّ تفكيك المشهد الفلسطيني الداخلي يشير إلى أنّ الانتخابات ومخرجاتها، بما فيها هذا التنافس المحموم بين "فتح" و"حماس"، سيكون محكوماً باتفاقات أوسلو التي أقيمت السلطة الفلسطينية بموجبها، ثمّ إنه رغم مشاركة ممثلين عن "14" فصيلاً فلسطينياً، إلّا أنّ المفاوضات الحقيقية هي بين فصيلين هما؛ "فتح" و"حماس"، وإذا كان لدى "فتح" مشروعها المعلن، وهو انتزاع الحقوق من خلال المفاوضات السلمية، فعلى "حماس" أن تجيب عن الأسئلة الكبرى: هل هي مع انتزاع الحقوق بمشروع مقاومة مسلّحة؟ وإذا فازت بهذه الانتخابات، فما الذي ستقدّمه للعالم؟ هل ستجلس على طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين؟ وما مشروعها؟ وهل سقفه أن تكون بديلاً للسلطة الفلسطينية في المفاوضات؟

اقرأ أيضاً: عشر ملاحظات حول الانتخابات الفلسطينية

ربّما يكون مبرراً إسقاط مقولة إنّ "الشيطان في التفاصيل" على مستقبل العلاقة بين "فتح" و"حماس"، وتداعياتها على المشهد الفلسطيني، فقائمة الخلافات والملاحظات طويلة على كلّ تفاصيل الانتخابات والمصالحة، والمشكلة أنّ "فتح" ليست فتحاً واحدة، وكذلك "حماس" ليست حماساً واحدة، ولعل أهمّ ما يمكن أن يشكّل طموحاً عند الفلسطينيين اليوم هو غياب تلك القيادات التاريخية الفلسطينية من "فتح" و"حماس"، فربّما نكون أمام مرحلة جديدة، كما غاب عنها ترامب، فسيغيب عنها نتنياهو، وهو ما يتطلّب معه أن تكون هناك قيادات فلسطينية جديدة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية