خلال العام الماضي، تحديداً مع اندلاع الحرب في غزة، عززت جماعة الإخوان المسلمين أنشطتها على المستوى الإقليمي والدولي، في محاولة لاستقطاب الدعم وتجنيد مؤيدين جدد، خاصة من فئة الشباب، والأهم هو العمل على تحشيد الشعوب ضد دولها، من خلال مزاعم عدم مساندة الحكومات والأنظمة للقضية الفلسطينية والتخلي عن أهالي غزة، وتعمل الجماعة على استغلال الفعاليات والمؤتمرات الدولية كمنصات لترويج رؤاها السياسية، ودفع الشعوب العربية، وخصوصاً الشباب، نحو الانخراط في حركات التغيير والمعارضة ضد حكوماتهم بشكل ثوري أو عن طريق القوة إن صح التعبير.
في ضوء ذلك عقدت جماعة الإخوان المسلمين "ملتقى شباب العالم الإسلامي" في إسطنبول من 18 إلى 20 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهو أحد أخطر الفعاليات العلنية للجماعة خلال الفترة الأخيرة، وقد جمع اللقاء (65) منظمة شبابية إخوانية من أنحاء العالم، بدعم من الحكومة والاستخبارات التركية، وحضر الملتقى شخصيات قيادية بارزة من الإخوان، مثل حلمي الجزار وصلاح عبد الحق من جماعة إخوان مصر، إضافةً إلى شخصيات من حماس وإخوان الأردن والمغرب، مثل عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي ومراد العضايلة من الأردن، ممّا يؤكد أنّ الحدث كان محاولة لتوسيع نفوذ الجماعة عبر المنظمات الشبابية.
الملتقى هو لقاء سنوي تنظمه أكاديمية شباب العالم الإسلامي، ويهدف هذا العام إلى "تحفيز" المنظمات الشبابية للانتقال من "التأثر إلى التأثير" في القضايا الوطنية للأمة، خاصة القضية الفلسطينية، ويرى المراقبون أنّ هذا الشعار يخفي أجندة سياسية أعمق تستهدف زعزعة الاستقرار في الدول العربية عبر توظيف الحركات الشبابية كأداة لتحفيز حراك ثوري، وحتى تحريض مسلح في بعض الأحيان، لإحداث تغيير ضد الأنظمة الحاكمة، وعلى رأسها مصر.
وجاءت كلمات المشاركين واضحة في إظهار هذا التوجه، حيث جرى الحديث عن نقل "طوفان الأقصى" إلى "طوفان الأمة" في العالم العربي، ممّا يعني توجيه الصراع نحو الدول العربية بدلاً من اقتصاره على فلسطين، وتناولت كلمات مثل كلمة صهيب عبد المقصود، المتحدث الإعلامي باسم الجماعة، دعوة علنية للتصعيد بدعوى نصرة غزة، مشيراً إلى ضرورة "زيادة المشاركة بكل الخيارات الممكنة"، مؤكداً على وجوب "تحويل المواجهة إلى طوفان أمة لا يتوقف".
وتعكس هذه الكلمات توجهاً ممنهجاً نحو نشر الشائعات وتحريض الشعوب، وخاصة في مصر، ضد مؤسساتها الوطنية بحجة عدم دعم القضية الفلسطينية، ويبدو أنّ هذه التحركات تسعى لخلق حاضنة شعبية للتنظيم من خلال محاولة تشويه الدور المصري في دعم فلسطين، لتبرير أيّ تحركات أو أعمال عدائية قد يقوم بها عناصر من الجماعة في الداخل المصري، وإيجاد تبريرات شعبية للهجوم على الدولة تحت شعار الدفاع عن غزة.
جهات تركية ما زالت تدعم الإخوان
تم تنظيم ملتقى "شباب العالم الإسلامي" بمشاركة ودعم من جهات تركية متعاطفة مع جماعة الإخوان، والتي تعتبر تركيا إحدى أهم داعمي الجماعة في العالم، وقد تم الإعلان عن أنّ الملتقى يهدف إلى توعية الشباب بأهمية الحرية والديمقراطية، وتمكينهم من مناقشة قضاياهم، غير أنّ تحليل السياق والمشاركين يظهر أنّ هذه الأهداف المعلنة قد تخفي وراءها مساعي لاستقطاب الشباب وتهيئتهم كأدوات لخدمة أهداف سياسية للجماعة، كما ركزت كلمات الحضور على ضرورة العمل الثوري لتغيير الوضع في الدول العربية، في محاولة لنقل الصراع في غزة إلى صراعات أخرى ضدّ الأنظمة.
ويُنظر إلى إسطنبول كمكان مثالي لعقد مثل هذه الفعاليات، نظراً لتبنّي الحكومة التركية سياسات داعمة للإخوان، ممّا يوفر للجماعة ملاذاً آمناً لتنفيذ مخططاتها، رغم التقارب مع القاهرة، ويعتبر استقطاب الشباب أحد أخطر الأساليب التي تعتمدها الجماعة، لأنّها تركز على جيل الشباب، أي أنّها تراهن على بناء قاعدة دائمة تساعدها على تحقيق نفوذ طويل الأمد.
جاءت مشاركة قيادات بارزة في جماعة الإخوان، مثل القائم بأعمال المرشد صلاح عبد الحق وحلمي الجزار رئيس المكتب السياسي وصهيب عبد المقصود المتحدث الإعلامي، لتؤكد أنّ الجماعة ما تزال تسعى لتوظيف مثل هذه الأحداث لأهدافها السياسية، واستعرضت القيادات في كلماتها الأدوار التي يمكن للشباب أن يلعبوها في "استعادة حقوقهم"، مع التأكيد على أنّ النضال السلمي هو السبيل لتحقيق هذا الهدف. وقد ركزت هذه المداخلات على عدة نقاط:
تم التركيز على أهمية التعاون بين الشباب من مختلف الدول، وهو ما يمكن فهمه على أنّه محاولة لجعل الشباب المتحمس أداة ضغط سياسي، كما تم التأكيد على "المبادئ الإسلامية في العدالة والحرية" حيث وظفت الجماعة المبادئ الإسلامية لدعم دعوتها إلى مقاومة ما تصفه بـ"القمع"، الأمر الذي يضفي شرعية دينية على خطابهم السياسي، فضلاً عن الحديث عن "دور الجماعة في دعم الشعوب" عبر استعراض أنشطة الجماعة في الدول التي تتواجد بها، كما ركزوا على الدفاع عن سياسات الإخوان خلال العقد الماضي في الدول التي شهدت انتفاضات.
استراتيجية إخوانية طويلة الأمد
يرى عدد من الخبراء أنّ هذا الملتقى يأتي ضمن استراتيجية إخوانية طويلة الأمد تهدف إلى زعزعة استقرار الدول المعارضة لفكر الجماعة، وذلك من خلال استقطاب جيل جديد يحمل رسالتها ويتبنّى أفكارها. ويمكن تفسير الخطابات التي دارت خلال الملتقى على أنّها دعوة مباشرة إلى الشباب للنظر إلى الأنظمة كـ "خصم"، والعمل على مواجهة هذه الأنظمة تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الشعوب.
ويمكن القول إنّ ملتقى "شباب العالم الإسلامي" كان مناسبة استغلتها جماعة الإخوان لتكثيف جهودها في كسب تأييد الأجيال الشابة وتوجيههم نحو مشروعها السياسي. ومن خلال الكلمات والفعاليات ظهر أنّ الجماعة تستخدم شعارات الحرية والعدالة وسيلة لتغذية أفكار المعارضة والتحريض غير المباشر ضد الأنظمة القائمة. ويمثل هذا الملتقى جزءاً من استراتيجية أوسع تستهدف استقرار الأنظمة العربية التي تعارض الجماعة، ويُعدّ تهديداً أمنياً وسياسياً مباشراً على المدى الطويل.