لماذا يعادي الإسلاميون في البلدان العربية معرفة الفلسفة؟

لماذا يعادي الإسلاميون في البلدان العربية معرفة الفلسفة؟

لماذا يعادي الإسلاميون في البلدان العربية معرفة الفلسفة؟


06/03/2023

حسن الأشرف

لا يخفي الكثير من الإسلاميين في البلدان العربية “عداءهم التاريخي” للفلسفة كمعرفةٍ وتفكير وكدرس تعليمي أيضاً، حيث برزت ولا تزال مواقف وتصريحات إسلاميين، في أكثر من قطرٍ عربي، تنحو صوب الرغبة في نصب “المشانق” حول عنق الفلسفة والفلاسفة.

ويبدو أن موقف الإسلاميين من الفلسفة ليس عاماً، إذ يمكن التمييز بين إسلاميين قدماء، خصوصاً السلفيين منهم، يعلنون رفضهم لكل ما هو فلسفة وتفلسف، بالنظر إلى “فكرهم النمطي” المعطل لملكات النقد والتحليل والشك المنهجي، وهناك إسلاميون جدد لا يعادون الفلسفة جهاراً بل يزعمون صداقتها، لكنهم لا يجارون “سقفها المرتفع”.

تعليم الفلسفة

وحارب الإسلاميون في أكثر من منطقة مادة الفلسفة في المؤسسات التعليمية، تحت دعاوى كثيرة أهمها أنها تنشر الإلحاد والعقيدة الفاسدة القائمة على الشك، عوض عقيدة التوحيد، وأنها تطرح أسئلة مستفزة وجريئة حول العديد من الموضوعات التي يرونها هم من البديهيات والمسلمات التي لا نقاش بشأنها.

وما فتئت تيارات إسلامية في المغرب، على سبيل المثال، تعبِّر عن عدم رضاها عن تدريس الفلسفة ومنحها مكانة في المناهج والمقررات التعليمية، على حساب تدريس مادة التربية الإسلامية، فكانوا يطالبون بتعليم وتقوية هذه المادة، وبالمقابل إلغاء أو على الأقل تقليص حضور الفلسفة في الخريطة التعليمية بالمغرب.

مطلب إلغاء الفلسفة ومحاصرتها وافقته السلطات المغربية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، خصوصاً في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث كانت ترى الدولة أن الفلسفة تفتح أعين الطلبة على العديد من الحقائق، وتتيح لهم امتلاك أدوات النقد والتحليل، وبالتالي قد يشكلون خطراً داهماً بمعارضة الدولة واختياراتها في تلك الحقبة.

ويتذكر المغاربة الجدل العارم الذي أثير قبل مدة بخصوص مقرر لمادة التربية الإسلامية، ورد فيه رأي لابن الصلاح الشهرزوري، قال إن “الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، ومن تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان”.

هذه الواقعة أفرزت مواقف وسجالاتٍ حادة بين مناصري وأساتذة الفلسفة الذين رأوا في ذلك اتهاماتٍ بدون وجه حق للفلسفة تتضمن تشويهاً وتحريفاً لمقاصد الفلسفة الحقيقية، وبين عددٍ من الإسلاميين الذين تبنوا ما ورد من تنقيص واتهامات للفلسفة، ويعتبرونها بالفعل مناقضة لمبادئ الدين الإسلامي.

الإسلاميون الحداثيون

لكن الكاتب والمترجم والباحث السعودي في الأديان والفلسفة، خالد الغنامي، يقول في حديثٍ مع “كيوبوست”، إنه ينبغي التفريق بين الإسلاميين المحدثين، والإسلاميين القدماء، حين نتحدث عن الموقف من الفلسفة، حيث يوجد اليوم من الإسلاميين من يحاولون تقريب الفلسفة للجمهور.

وأوضح الغنامي بأن طريقة الإسلاميين السجالية لا يمكن بحال أن تتكيف مع الفلسفة، فالفلسفة معرفة تشاركية تسعى إلى الفهم، وإيجاد الحلول، لكن سقفها مرتفع جداً بالنسبة لهؤلاء الإسلاميين، ويصعب عليهم للغاية أن يطيقوا ما تجرؤ على مناقشته وتقريره، وبالتالي سيكون فهمهم لها مبتوراً على الدوام، لأنهم لم يستمعوا لأحاديثها إلى النهاية”.

ويكمل الباحث ذاته قائلاً “إنهم يسعون إلى إحقاق ما يرونه حقاً مطلقاً ولرمي ما يرونه باطلاً، حيث يرغبون في أن يختفي من العالم، ولذلك فإن كثيراً من كتابات الإسلاميين، من أيام أنور الجندي، وانتهاء بالدكتور عبد الوهاب المسيري، وبالدكتور طه عبد الرحمن، وبينهم أسماء كثيرة، هي في الواقع بوابة مخطئة، وتشويه للفلسفة، وطريق مضلل إليها، لأن الفلسفة لا تنشغل إلا بالحقيقة، وأصحاب هذه الأسماء نهضويون لا يرون الأشياء كما هي، بل كما يريدون هم أن يتخيلوها”.

السلفيون التقليديون

“وإذا كان هذا المعطى بالنسبة للإسلاميين المحدثين ممن تأثروا بالحداثة أثناء خصومتهم معها، فخرجوا بصورة تلفيقية لا تدري ما تريد، فإنه بالنسبة للسلفي التقليدي، فالنظر في كتب الفلسفة محرم، ولا يجوز اقتناؤها إلا بغرض إشعال النار فيها، حيث يبدو أن ابن تيمية نجح في إخفاء موقفه من الفلسفة عنهم، ففي رسائله القصيرة يحرمها، ويقول بما يقولون، وفي كتبه المطولة يمدحها ويدعو إليها”، يورد الغنامي.

ويستطرد المتحدث عينه بأن ابن تيمية في كتابه الموسوعي الضخم “منهاج السنة” كتب يقول: “أما نفي الفلسفة مطلقاً أو إثباتها، فلا يمكن، إذ ليس للفلاسفة مذهب معين ينصرونه، ولا قول يتفقون عليه في الإلهيات والمعاد والنبوات والشرائع، بل وفي الطبيعيات والرياضيات، بل ولا في كثير من المنطق”.

وخلص الغنامي إلى أن “هذا النص يدل على أنه كان أكثر وعياً وأحسن تصوّراً للفلسفة من السلفيين المعاصرين، ممن يعقدون فصولاً للرد على الفلاسفة، أو يؤلفون كتباً خاصة لتكفير الفلاسفة، وكأن الفلسفة عقيدة، فإذا ناقشتهم في ذلك أحالوك إلى تكفير أبي حامد الغزالي للفلاسفة، غافلين عن حقيقة بسيطة هي أن الفلسفة ليست الفارابي ولا ابن سينا، بل أكبر من ذلك بكثير”.

العقل الناقد

ويلتقط الباحث وأستاذ الفلسفة سعيد لكحل الخيطَ من الغنامي، ويقول في حديثٍ مع “كيوبوست”، إن الإسلاميين هم امتداد فكري وإيديولوجي لموقف أبي حامد الغزالي من الفلسفة والفلاسفة الذي وثّقه في كتابه “تهافت الفلاسفة”، وشكّل به الخلفية الإيديولوجية لمعاداة الفلسفة، وكل تفكير عقلاني.

ويكمل لكحل بأن الإسلاميين يسعون للسيطرة على الدول من خلال السيطرة على المجتمعات، ولا يتم هذا إلا من خلال تنميط التفكير والسلوك لدى شرائح واسعة من الناس، والمدخل لهذا التنميط هو تعطيل ملكة النقد والتحليل والتفكير السليم والشك المنهجي لبلوغ المعرفة السليمة والواضحة التي يقبلها العقل”.

ويشرح الباحث المغربي “العقل الناقد هو ما يمنع الإسلاميين من بلوغ أهدافهم السياسية، لهذا يعادونه ويعادون حمَلَته من فلاسفة ومفكرين ومثقفين وفنانين، ولا يترددون في اغتيال من يواجه مشروعهم السياسي والمجتمعي، سواء اغتيالا ماديا عبر القتل، أو اغتيالا معنويا عبر التكفير والاتهام بالزندقة والفسوق”.

الفلسفة مناعة المجتمعات

واسترسل لكحل بأن “الغاية من الاغتيالين هي إزاحة العقبة التي تحول بين الإسلاميين وأهدافهم، حيث يمثل الفلاسفة ودارسوها ومدرّسوها الهدف الأول للإسلاميين لما يقومون به من دورٍ جوهري في نشر الوعي، ومحاربة التضليل الإيديولوجي، والاستغلال الديني لفرض الوصاية على العقول والشعوب”.

ووفق تحليل الباحث عينه، الفئة التي تشكِّل مناعة المجتمعات ضد التطرف الديني، وتقوي مقاومتها للمشروع السياسي للإسلاميين، هي فئة المفكرين والمثقفين التنويريين، وفي مقدمتهم الفلاسفة والمهتمين بالحقل الفلسفي”، مردفاً أن “الإسلاميين استغلوا ويستغلون معاداة غالبية الأنظمة السياسية العربية للفلسفة وللفلاسفة، على اعتبار أن الفلسفة تزعج الحكام، خاصة المستبدين منهم”.

وخلص لكحل إلى أن الفلسفة تزعج الإسلاميين الساعين إلى تطبيق أشد أنواع الحكم استبداداً في تاريخ البشرية، فالطريق الوحيد للسيطرة على السلطة والدولة والمجتمع هي اغتيال العقل ومصادرة التفكير النقدي وقمع السؤال، مشيراً إلى أن “تاريخ المسلمين هو تاريخ محنة العقل ومحنة الفلاسفة”، على حد تعبيره.

عن "كيوبوست"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية