لماذا يشيطن الإعلام الإيراني الرئيس العراقي ويتهمه بـ"الخيانة"؟

العراق وإيران

لماذا يشيطن الإعلام الإيراني الرئيس العراقي ويتهمه بـ"الخيانة"؟


19/01/2020

ما إن رفض مرشحو تحالف البناء (الكتلة النيابية الأكثر عدداً في البرلمان)، لتشكيل الحكومة العراقية المنتظرة، بات رئيس الجمهورية برهم صالح، حديث إعلام التشيع السياسي، الذي لا يتورع عن شيطنتهِ في كل نشرة خبرية أو برنامج متلفز.

مراقبون: الاعتدال السياسي جعل صالح في موقع رئيس العراق .. لكنه خالف قواعد اللعبة من منظور طهران

صالح الحليف الإيراني داخل العراق من الجهة الكردية، أحرج مختلف القوى السياسية المتمسكة بالسلطة، لاسيما بعد انضمامه إلى صوت الاحتجاج الرافض، لأي رئيس وزراء جديد، تفرزه المنظومة الحاكمة منذ العام 2003.
وأعلن الرئيس العراقي، في 26 كانون الأول (ديسمبر) 2019، أنّ ترشيح أسعد العيداني (آخر مرشحي تحالف البناء ومن قبله قصي السهيل)، لمنصب رئيس الحكومة المؤقتة، هو ترشيح دستوري؛ لأنه جاء من قبل أكبر الكتل النيابية داخل البرلمان العراقي، لكنه رفض تكليفه لعدم رغبة الشارع الاحتجاجي به، وحقناً للدماء التي من الممكن أن تُراق في مختلف ساحات التظاهر في البلاد.
وبعد بيان صالح الذي أكد استعداده فيه للاستقالة من منصب رئيس الجمهورية، طالب تحالف البناء (بزعامة هادي العامري ونوري المالكي)، البرلمان العراقي باتخاذ الإجراءات القانونية بحق الرئيس، متهماً إياه بـ "خرق الدستور والحنث باليمين".

ربيع العلاقة مع طهران وخريفها
حزبياً، ينتمي الرئيس العراقي الحالي، إلى "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي أسسه الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، وهو الحزب الكردي الثاني بعد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، داخل إقليم كردستان العراق.

مناكفة لتعاطي الساسة الشيعة معها.. رئيس الجمهورية يؤكد أنّ تعاطيه مع إيران سياسياً لا عقائدياً

ويمتلك الاتحاد الوطني علاقة استراتيجية مع إيران، لا سيما بعدما استعان بدعمها في القتال أيام الحرب الأهلية بين الحزبين الكرديين (1994- 1997)، بينما لاذ بارزاني بقوات صدام حسين لدحر قوات طالباني عن مناطق نفوذه. ومنذ ذلك الوقت، بات التحالف عميقاً بين الاتحاد الوطني والأحزاب الشيعية العراقية المعارضة للنظام العراقي السابق.
وكان صالح (59 عاماً) يُعَدّ الرجل الثاني داخل حزبه بالتوازي مع القيادي كوسرت رسول، وكلاهما شغل منصب نائب الأمين العام للاتحاد، لكن الصراع على زعامة الحزب بعد رحيل طالباني، أفضى الى انشقاق صالح في أيلول (سبتمبر) عام 2017، معلناً تشكيل حزب جديد حمل اسم "تحالف العدالة من أجل الديمقراطية"، لكنّ مساعي إيرانية قادها الجنرال الراحل قاسم سليماني، تمكنت من إعادتهِ إلى حزبه الأم، بغية ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية، الذي هو عادة من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني في السلطة المركزية في بغداد. وكانت المساعي الإيرانية لإعادة صالح إلى حزبه قد أتت نتيجة الصراع الحزبي الداخلي على ترشيح شخصية مقبولة لمنصب رئيس الجمهورية في بغداد.

صالح والمقبولية الوطنية

مراقبون سياسيون عراقيون، أكدوا أنّ "الاعتدال السياسي" في سلوك القيادي الكردي برهم صالح، هو من قاده الى رئاسة العراق الاتحادي، لاسيما بعد القبول به من مختلف الأطراف المذهبية والقومية في البلاد.

اقرأ أيضاً: الدولة العراقية "المارقة"... من صدام إلى معارضيه
ويقول المحلل السياسي العراقي لؤي الياسري لـ "حفريات" إنّ "شخصية برهم صالح، كانت الأنسب لتبوؤ منصب رئيس الجمهورية، لكونه مقبولاً داخل الوسطين؛ الشيعي والسنّي، ولا يمتلك نزعة انفصالية واضحة"، وأضاف لـ"حفريات"، أنّ "صالح خطّ لنفسه خطاً معتدلاً، تمكن من خلاله من كسب ود الأطراف الشيعية التي دعمت رغبة إيران في زعامته للعراق، خصوصاً بعد الجدل الحزبي داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، وعدم وجود شخصية من الممكن أن تحدث توازناً بين المركز والإقليم".

اقرأ أيضاً: ما حقيقة مشروع التحالف السنّي في العراق؟

وأفضى التوافق (الكردي - الشيعي) إلى وصول صالح لرئاسة الجمهورية، وعادل عبدالمهدي لرئاسة الوزراء، فضلاً عن توافق سنّي جانبي مع الإيرانيين أدى إلى تسمية محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان العراقي بدعم من التحالفين الشيعي (تحالف البناء تحديداً)، وتحالف الحزبين الكرديين الرئيسيين في كردستان.
لهذه الأسباب كان امتعاض التيارات السياسية الشيعية الموالية لإيران متوقعاً من صالح بعد رفض مرشحها لتشكيل الحكومة المؤقتة في ظل الاحتجاجات العارمة التي يشهدها العراق، والرافضة للوجود الإيراني والقوى المدعومة منها.

كيفية التعاطي مع طهران

مفاجأة الساسة الشيعة، من قبل رئيس الجمهورية عبر خطوتهِ الرافضه لمرشحهم بتشكيل الحكومة المرتقبة، كشف عن التعاطي البراغماتي لبرهم صالح مع مختلف الجوار الإقليمي للعراق، ولاسيما إيران. التي بدورها شعرت بخذلان الحليف القاطن في قصر السلام الرئاسي في بغداد.

خرق الدستور والعمالة لأمريكا هي أبرز الاتهامات الإعلامية التي طالت صالح بعد رفضه لمرشحي تحالف البناء

وعن قدرة صالح على مواجهة الإيرانيين مؤخراً في رفضهِ لتسمية مرشحهم لإدارة المرحلة المؤقتة في العراق، ينسب أستاذ العلوم السياسية محمد نعناع، ذلك إلى "ذكاء الرئيس الشاب"، موضحاً أنّ "أمام صالح مستقبلاً سياسياً، وهو يحاول كسب الجماهير، لا سيما في بغداد، لما يحظى به من مقبولية لدى الوسطين الجماهيريين؛ الشيعي والسنّي، خاصةً أنّ المرحلة المؤقتة هي 6 أشهر".
ويعتبر في حديثه لـ"حفريات"، أنّه "كان من الصعب على رئيس الجمهورية القبول بقصي السهيل أو أسعد العيداني، مرشحين لرئاسة الحكومة على الرغم من التوافق الشيعي - الكردي، على إدارة البلاد منذ نهاية الانتخابات الماضية"، مؤكداً أنّ "صالح لا يتعامل مع الجانب الإيراني من منظار عقائدي، كما يتعامل الكثير من الساسة الشيعة المؤمنين بولاية الفقيه، بل هو حليف للإيرانيين لا أكثر، ومن الممكن أن يختلف معهم، كما يحصل حالياً".

شيطنة الرئيس إعلامياً

ولم تكتف نشرات الأخبار لفضائيات أحزاب تحالف البناء، بنشر خبر عدم تكليف رئيس الجمهورية لمرشح التحالف، بل ساهمت في تأويل رد فعل الرئيس لمصلحة المحتجين بـ"الخيانة" تارةً  و"الخرق الدستوري" تارةً أخرى.
وقالت "قناة العهد"، التابعة لزعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي (لديه كتلة من 15 مقعداً في البرلمان)، أنّ "صالح تعرض لضغوطٍ سياسية من أطراف مرتبطة بالسفارة الأمريكية في بغداد، بغية دعم التظاهرات التي تريد واشنطن من خلالها القضاء على النظام الشيعي في العراق". واعتبرت القناة في افتتاحية نشرة أخبارها المسائية أنّ "الخرق الدستوري كان واضحاً من قبل رئيس الجمهورية".

اقرأ أيضاً: العراق وإيران: بين الوردي وشريعتي
أما "قناة الاتجاه" التابعة لـ"كتائب حزب الله" في العراق، فقد وصفت سفر صالح إلى مدينة السليمانية، شمال العراق، عقب إصداره بيان اعتذار تكليف المرشح الأخير للتحالف، بأنه "تنفيذ لأوامر خارجية بهدف عرقلة التكليف، وتأزيم الأوضاع وصولاً إلى تحقيق مخططات تسعى إلى مرشح على مقاسها".
واستعادت قناة "آي نيوز" الفضائية، الأرشيف الخبري للاستفتاء على انفصال كردستان عن العراق، ودور برهم صالح فيه، ووصفت مختلف الزعامات الكردية السياسية بـ"الانفصاليين". ودعت القناة التابعة لميليشيا "كتائب سيد الشهداء"، بقيادة أبو آلاء الولائي، الحشد الشعبي الى أن "يضع حداً للمهزلة السياسية والأمنية في البلاد".

بين خياري الاستقالة أو الإقالة

بدورهم، خيّر نواب من "تحالف الفتح" (48 مقعداً في البرلمان) رئيس الجمهورية برهم صالح، بين الاستقالة أو الإقالة، على خلفية رفض مرشحهم، وهو رفض جاء بمثابة دعمٍ معنوي لساحات التظاهر الرافضة سياسة القوى الإسلامية الحاكمة في العراق.
ويقول عبد الأمير تعيبان، نائب عن تحالف هادي العامري، لـ"حفريات"، إن "الخطوة الأخيرة للرئيس برهم صالح لم تكن مبررة، والحجج التي أعطاها لم تكن منطقية، والدستور يحتم عليه تكليف مرشح الكتلة الأكبر بالبرلمان"، مبيناً أن "اعتراضه (صالح) على مرشح معيّن ليس دور رئيس الجمهورية بل الكتل المتنافسة، وإذا اعترض على مرشح معين يصبح طرفاً سياسياً غير محايد".

اقرأ أيضاً: ما هي مخاوف سنّة العراق بعد الانسحاب الأمريكي؟
في حين يعتبر النائب محمد الغبان أنّ "عدم تكليف مرشح الكتلة الأكبر يدخل البلاد في فوضى ويهدد السلم الأهلي وسلامة ووحدة العراق"، لافتاً الى أنّ أمام صالح "الاستقالة أو الإقالة".

بينما ظهر النائب المقرب من طهران، عدي عواد في برنامج "وجهة نظر" على شاشة فضائية "دجلة" التابعة للزعيم السني جمال الكربولي، وهو يوجه إهانات لصالح، مطالباً العراقيين بـ"البصق على وجهه".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية