لماذا يحاول أردوغان أسلمة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان؟

لماذا يحاول أردوغان أسلمة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان؟


05/10/2020

مثّل اندلاع الصراع بين أرمينيا وأذربيجان أحدث حلقات مسلسل صراع العروش الأزلي، وحلقة دموية لأحد أقدم الصراعات الإقليمية في العالم؛ إذ يعدّ الصراع القائم بين دولتين من الاتحاد السوفييتي سابقاً، حول منطقة ناغورنو كاراباخ، جرحاً قديماً يأبى أن يندمل، وبينما يسيطر الأرمن على تلك المنطقة، فإنّ المجتمع الدولي يعترف بها كجزء من أذربيجان.

أردوغان يكرر لعبة الصراع بالأداء نفسه مع أرمينيا، البلد المسيحي والمهم بالنسبة إلى أوروبا، والذي ارتكب الأتراك بحقّه إحدى أبشع المجازر التاريخية، والتي ترقى إلى منزلة إبادة عرقيّة

بدأ الأمر في تموز (يوليو) الماضي، حين اندلعت اشتباكات حدودية بين قوات الدولتين، أسفرت عن مقتل 16 شخصاً، وعليه اندلعت تظاهرات عارمة في العاصمة الأذربيجانية (باكو)، تطالب باستعادة المنطقة المتنازع عليها، وكانت هذه التظاهرات الأولى من نوعها منذ عقود.

على أطلال السوفييت

يرجع الصراع الطويل بين الدولتَين إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتفكّك الدولة العثمانية، ومع نهاية الثمانينيات، وبداية التسعينيات من القرن الماضي، انسحب الاتحاد السوفيتي من أرمينيا وأذربيجان، اندلع الخلاف الحدودي الشهير بين عامي 1988 و1994، الذي انتهى بقرار وقف إطلاق النار، تمّ الاعتراف بـ "ناغورنو كاراباخ" دولياً كأراضٍ لأذربيجان، رغم أنّ أغلبية سكانها من الأرمن، الذين قاوموا الحكم الأذربيجاني لأكثر من قرن.

يرجع الصراع الطويل بين الدولتَين إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى

عام 1991؛ أعلنت المنطقة استقلالها، ومنذ ذلك الحين حكمت نفسها بدعم أرميني على أنّها جمهورية غير معترف بها، وعلى الرغم من الدلائل المشيرة على التقدم نحو السلام، في العامين الماضيين، اندلع مرة أخرى أحد "الصراعات المجمدة" في أوروبا؛ إذ تقاتل القوات من ناغورنو كاراباخ، إلى جانب الجيش الأرميني، القوات والمدرعات والطائرات الأذربيجانية، فيما قُتل ما لا يقل عن 100 شخص، من ضمنهم مدنيون، وأُصيب مئات آخرون؛ حيث زعمت أذربيجان أنّها استولت على مناطق داخل المدينة، وكانت ناغورنو كاراباخ، المنطقة الجبلية غير الساحلية داخل حدود أذربيجان، مصدر نزاع منذ ما قبل إنشاء الاتحاد السوفييتي، ثمّ قمعت التوترات، عندما كانت أرمينيا وأذربيجان دولتين سوفييتَين، لكنّها عادت للظهور مع انتهاء الحرب الباردة وانتهاء سيطرة الحزب الشيوعي على مقاليد السلطة.

الباحث يوسف بدر لـ"حفريات": أذربيجان دولة شيعية علمانية، واستخدام لعبة "الأسلمة" يثير الاهتمام؛ حيث يعني ذلك دمج أردوغان للخطاب القومي إلى جانب الإسلاموي في منطقة آسيا

وتعدّ الحدود بين البلدين واحدة من أكثر الحدود عسكرة في العالم، بحسب تصريح، مدير برنامج القوقاز في مؤسسة Conclusion Resources""، وهي مجموعة لبناء السلام، لجريدة واشنطن بوست "لورانس برويرز"، الذي أوضح؛ أنّ أذربيجان، ذات أغلبية مسلمة، وأرمينيا ذات أغلبية مسيحية، ما دفع  البعض لترويج أنّ الصراع هو مجرد صراع ديني، لكنّ هذا الأمر غير حقيقي، فأذربيجان، وهي الدولة المسلمة التي يقف إلى جانبها الأتراك، تحتفظ بعلاقات دفاعية قوية مع إسرائيل، كما أنّ أكثر ما يثير قلق المراقبين الدوليَّين أنّ أيّ تصعيد في أعمال العنف قد يتجه نحو الأسواق، لأنّ جنوب القوقاز هو ممر لخطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز الطبيعي من بحر قزوين إلى الأسواق العالمية.

ماذا يفعل أردوغان في أذربيجان؟

بعد اندلاع الصراع، تعهّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بدعم أذربيجان، وحثّ العالم على الوقوف إلى جانب البلاد في "معركتها ضدّ الغزو والقسوة"، على حدّ زعمه، ورغم اعتناق الأذربيجانيين للمذهب الشيعي، إلا أنّ أغلبيتهم من أصول تركية، وتربطهم بالأتراك علاقات وثيقة، أما روسيا التي يُنظر إليها تقليدياً على أنّها حليفة لأرمينيا، فدعت إلى وقف فوري لإطلاق النار وإجراء محادثات لتحقيق الاستقرار، في حين حثّ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، على وقف إطلاق النار على الجانبين، ودعت فرنسا، التي تضمّ جالية أرمنية كبيرة، إلى وقف فوري لإطلاق النار والحوار، وبالنسبة إلى إيران المتاخمة لكلّ من أذربيجان وأرمينيا، فقد عرضت التوسط في محادثات سلام بين الجانبين، إلّا أنّها تدعم الجانب الأرمني.

تعدّ الحدود بين البلدين واحدة من أكثر الحدود عسكرة في العالم

 وبحسب الباحث في السياسة الدولية وشؤون الشرق الأوسط، يوسف بدر؛ فإنّ تأجيج الصراع من جديد في هذا الوقت تحديداً، يرجع إلى الجانب التركي، الذي لا يكف عن صراعاته الخارجية، بدوافع دينية وقومية يروجها لأتباعه.

اقرأ أيضاً: تركيا متهمة دولياً بتأجيج الصراع بين أرمينيا وأذربيجان.. ما الجديد؟

ويتابع بدر، في حديثه لـ "حفريات": "موضوع الخلاف بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم "ناغورنو كراباخ" ليس بالجديد، ومنذ أعوام تقوم مجموعة "مينسك" المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بمتابعة الحلّ السلمي ومراقبة عمليات تبادل إطلاق النار بين البلدين، كما أنّ الإقليم المتنازع عليه بين البلدين، يسعى للاستقلال الذاتي عنهما، لكنّ تركيا تضغط على أذربيجان لاستمرار هذه الأزمة تحت دوافع قومية وأهداف إستراتيجية، سياسية واقتصادية، لكنّ الجديد هو دخول تركيا على الخطّ بسبب اندفاعات وأحلام "رجل تركيا المريض"، أردوغان، وذلك يرجع لعدة أسباب؛ أولها العداء بين تركيا وأرمينيا بسبب موقف تركيا المنحاز لأذربيجان، والتصعيد بأمر مذبحة الأرمن ومطالبة أرمينيا بالتعويضات؛ حيث كانت تطمح تركيا لفتح الحدود مع أرمينيا من أجل سهولة عبور تجارتها نحو آسيا الوسطى".

مرتزقة أردوغان.. شرقاً وغرباً

في غضون ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، الأربعاء الماضي، في بيان لها، نقل مرتزقة، سوريين وليبيين، عبر الخطوط التركيّة إلى أذربيجان، للمشاركة في الحرب داخل الإقليم المتنازع عليه، وحذّرت كل من فرنسا وروسيا، من تبعات إرسال المرتزقة، كما شددّت على الجانب التركي ألّا يتكرر سيناريو ليبيا مرةً أخرى.

جاء تدخّل تركيا في ليبيا بهذه الطريقة بزعم أنّها كانت مستعمرة عثمانية قديمة، يحكمها الآن جماعة الرئيس وحزبه الحاكم، أمّا تدخلها في أذربيجان فهو بدافع القومية، والتي غالباً ما تتعارض مع الخطاب الديني المناهض لخطاب القومية.

اقرأ أيضاً: بعد تجدد الصراع بين أرمينيا وأذربيجان.. ماذا تعرف عن إقليم ناغورني كاراباخ؟

وفضلاً عن ذلك، يذكر بدر أنّ هناك "مساندة تركية لأذربيجان في إطار دعم القومية "الطورانية"؛ حيث تتبنى تركيا خطاباً قومياً في هذه المنطقة، في إطار تحقيق زعامة على الأمة الطورانية في آسيا الوسطى، إلى جانب أطماع تركيا في السيطرة على استثمارات ومواصلات الغاز الأذربيجاني، والأهم من ذلك هو استخدام تركيا هذا التصعيد من أجل الضغط على أوروبا التي تمارس ضغوطاً، وتهدّد تركيا بالعقوبات بسبب أزمة منطقة شرق المتوسط، وأطماع تركيا في غاز قبرص واليونان، وتعدّ أزمة "ناغورنو كراباخ" فرصة لتركيا للضغط على الأوروبيين باللعبة نفسها التي أدارها أردوغان في منطقة شمال أفريقيا؛ حيث أدت المعارك إلى إغراق أوروبا بالمهاجرين، وكذلك بتصدير الجهاديين؛ حيث تعدّ هذه الأزمة فرصة لتفريغ خزان الجهاديين الذين يسوقهم أردوغان من سوريا إلى ليبيا إلى "ناغورنو كراباخ".

يجيد أردوغان لعبة "أسلمة" الصراعات وتحويلها إلى قضية جهادية، والمفارقة هنا، التي يشير إليها بدر، أنّ أذربيجان دولة شيعية علمانية، واستخدام لعبة "الأسلمة" يثير الاهتمام؛ حيث يعني ذلك دمج أردوغان للخطاب القومي إلى جانب الإسلاموي في منطقة آسيا، التي هدأت بعد نار الحروب الأهلية، وهي لعبة أجادها أردوغان من قبل في أزمة الشيشان وروسيا، والآن يكررها بالأداء نفسه مع أرمينيا، البلد المسيحي والمهم بالنسبة إلى أوروبا، والذي ارتكب الأتراك بحقّه إحدى أبشع المجازر التاريخية، والتي ترقى إلى منزلة إبادة عرقيّة.

اقرأ أيضاً: حرب أرمينيا وأذربيجان: هل تدخل روسيا في مواجهة عسكرية مع تركيا؟

والواضح أنّ أردوغان يحاول الحفاظ على مكانة الرجل الأوحد في المنطقة بهذه الأزمة، لتخفيف الضغط الأوروبي عليه في منطقة المتوسط؛ خاصة أنّ المعارك بين أذربيجان وأرمينيا تهدّد سوق الطاقة والغاز العابر من هناك نحو أوروبا، ويريد من تلك الأزمة عقد صفقة مع أوروبا، لكنّ أرمينيا تتمتع بعلاقات قوية مع الأوروبيين، لا سيما مع فرنسا، ما قد يذهب بهذه الأزمة إلى مجلس الأمن، الأمر الذي يجعل من تركيا دولة مارقة في المنطقة الواقعة بين آسيا وأوروبا أيضاً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية