لماذا هاجم قائد بالجيش الإيراني الحرسَ الثوري؟

لماذا هاجم قائد بالجيش الإيراني الحرسَ الثوري؟


14/06/2020

لم يكن ظهور الأدميرال حبيب الله سياري، مساعد قائد الجيش الإيراني للشؤون التنسيقية، وحديثه عن العلاقة الإشكالية بين الجيش والحرس الثوري الإيراني، سوى عبور تقليدي على لغم قديم، يحتل المساحات المشتركة بين ما يمكن توصيفه "الدولة والثورة" في إيران؛ إذ يرجع تاريخ ذلك الصراع إلى عمر الجمهورية الإسلامية، قبل نحو أربعين عاماً.
13 دقيقة.. ماذا كشفت؟
الأدميرال سياري الذي سبق وشغل منصب قائد البحرية الإيرانية، قال في الجزء المسرب من حواره، عبر وكالة أنباء "إيرنا" الإيرانية الرسمية، قبل أيام قليلة، والذي سرعان ما حذف دون توضيح الأسباب، بينما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو قصيراً، لا تتجاوزه مدته 13 دقيقة "إذا أردتم أن تدونوا كلامي فأرجوكم أن تفعلوا. المشكلة فيكم أنتم وفيمن سبقكم؛ لأنكم لم تولوا الجيش الاهتمام. يأتون ويقولون لنا: أين صوركم في العمليات العسكرية؟ في الجيش ليس لدى أي شخص تصريح يمكنه من الدخول بكاميرته إلى مكاتب القيادة. ماذا نفعل؟ هذه تعليمات الجيش. بالتأكيد لديهم مصالح من وراء هذا الكلام، وبالتأكيد توجد صور للجيش. انظروا إلى الأماكن الأخرى، في القوات الشعبية والباسيج والحرس الثوري، كل مجموعة منهم يرافقها مصور أينما ذهبت".

 

 

كان حديث سياري واضحاً وحاداً وهو ينتقد إلى أقصى درجة عملية تهميش الجيش، وتجاهل أدواره، بل محاولة إغفال صناعة صورة ذهنية عنه، بشكل متعمد، لدى الأجيال المتعاقبة في إيران، وذلك لحساب قوات الحرس الثوري، وملء رصيدهم بفائض من القوة التي تنفرد بها، حيث يتم توثيق أنشتهم القتالية والعسكرية على نحو مكثف، بيد أنّ القائد العسكري يرى أنّ "صناعة الأفلام الوثائقية كي تستفيد الأجيال القادمة من هذه التجارب، هو أمر جيد، لكن نحن لا نعتقد أنّ أي حركة يقوم بها الجيش يجب أن تغطى إعلامياً".

اقرأ أيضاً: لمن الغلبة في إيران: للجيش أم لـ"الحرس الثوري"؟
وتساءل: "هل الأعمال التي تقوم بها الجيوش في العالم تغطى إعلامياً؟ هذا الأمر لا يحدث، لا حاجة إلى التغطية الإعلامية لأن الجيش يقوم بعمله فقط، لا سبب لنقوم بالتغطية الإعلامية لأي عمل نقوم به".
الجيش والميليشيا.. صراع الملالي
فند مساعد قائد الجيش الإيراني للشؤون التنسيقية سؤالاً آخر، خاصة، وأنه حمل انتقادات رائجة وجهها الصحافي المحاور، تتصل بأن الجيش لم يفعل شيئاً عسكرياً مهماً، كما تصورها المواد الفيلمية في إيران فضلاً عن آراء ووجهات نظر بعض الخبراء العسكريين، فأجاب: "في أي عملية عسكرية يمكنك إثبات أنّ الجيش لم يقم بعمله، ولم تكن مدفعيته جاهزة أو دفاعه الجوي. فبالنسبة إلى القوات البحرية، كلها كانت من الجيش، فالقوة البحرية للحرس الثوري تشكلت في العام 1986، وقبلها كانت القوات البحرية جميعها من الجيش. وعندما تؤسس منظمة جديدة، هل بإمكانك تدريب وتعليم عدد كبير من الأشخاص خلال ستة أشهر، وتجهيز هذه المنظمة بالسفن والزوارق الحربية بهذه البساطة؟ وبالتالي، هل يمكن القول إنّ الجيش لم يكن موجوداً؟".

 

 

وأضاف: "أنتم تنتجون فيلماً تعرضون فيه شخصاً يقتل جيشاً ببندقية خلال 24 ساعة، وبناء عليه، خلال 12 يوماً يقضي على 12 جيشاً. لكن الحقيقة غير ذلك، فأي شخص يذهب إلى الحرب يعلم أنّ الأمر ليس بهذه البساطة".
ليس خافياً، إذاً، الصراع القديم والتقليدي بين الجيش والحرس الثوري الذي تم تأسيسه عقب اندلاع الثورة الإسلامية في طهران، العام 1979، بمرسوم صادر عن الإمام الخميني، لتدشين هيئة عسكرية موازية للقوات النظامية التي تم اعتبارها أحد بقايا نظام الشاه، وعليه، جرى بناء القوة العسكرية الجديدة، وقد حظيت بمميزات جعلتها لا تقف على مسافة واحدة مع سابقتها، بل صعدت إلى مستويات فارقة، سواء على مستوى ميزانيتها التي تتضاعف سنوياً وبفارق كبير عنها، ناهيك عن الموارد البشرية والنفوذ السياسي، والقدرات العسكرية، وذلك لجهة حماية "الثورة" ونظام "الولي الفقيه"، فأطلق الخميني دعوته لجيش من "عشرين مليون رجل"، تم انتقاؤهم على أسس أيديولوجية وعقائدية لضمان ولائهم الفكري والسياسي.
من يحكم في طهران؟
يسبق حديث القائد العسكري محطات أخرى تنطوي على الصراع ذاته، تتمثل إحداها في إدارة أزمة فيروس كورونا المستجد؛ إذ تكشف بصورة دقيقة ولافتة، ليس فقط حجم الصراع بين الطرفين أو عدم الثقة والتهميش، إنما القوة والهيمنة الاقتصادية التي تشكلها أذرع الحرس الثوري الإيراني، على أكثر من مستوى، في طهران، وتجعلها أداة نفوذ سياسي مؤثر، وذلك فيما يخص قطاعات حيوية بالدولة، من بينها، الصحة.

 

 

هناك صراع قديم وتقليدي بين الجيش والحرس الثوري الذي تم تأسيسه عقب اندلاع الثورة الإسلامية في طهران 1979

ورافق انتشار الفيروس التاجي "كورونا" توغل قبضة الحرس على القطاع الصحي، كما لوحظت سيطرته التامة على الأزمة وتبعاتها، لا سيما ما يخص الرعاية الصحية التي تقدمها المستشفيات العسكرية التابعة له، بالإضافة إلى الأطباء المنتمين لقواعده الطبية، ذات الطابع العسكري، مما يعكس فجوة هائلة بين الحرس الثوري، من جهة، ووزارة الصحة المدنية، من جهة أخرى، خاصة، وأنّ الأخيرة تم تجاهلها في التعاطي مع الأزمة.
خضعت قوات الحرس الثوري الإيراني للمرشد الأعلى للثورة، في كل مراحلها، وذلك منذ لحظة التأسيس وحتى اللحظة الراهنة؛ إذ يتولى المرشد مسؤولية اختيار وتعيين قائدها، وكذا، المسؤولين التنظيميين للميلشيات التابعة لها، عبر ترشيحات يقدمها قائد الحرس، كما تتكون من تشكيلين رئيسين؛ "كتائب الزهراء"، وتضم الأعضاء الإناث، و"كتائب عاشوراء" تضم الأعضاء الذكور.

 

المرشد والميلشيا أولاً
وبحسب الدستور الإيراني، فإنّ "قوات حرس الثورة الإسلامية التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة، راسخة ثابتة من أجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها. بيد أنها تحولت لمركز قوة في الحياة السياسية والاقتصادية لإيران، متخطياً كل الأدوار التي حددت له أثناء مرحلة التأسيس، حسبما يوضح الباحث المصري، عمرو الديب.

مساعد قائد الجيش الإيراني الأدميرال حبيب الله سياري: لا حاجة إلى التغطية الإعلامية لأن الجيش يقوم بعمله فقط

ويضيف في دراسته: "الدولة الموازية للحرس الثوري في إيران" أنه "خلال الأحداث الثورية، بقي الجيش الإيراني محايداً من الناحية العملية، فلم تنقذ القوات المسلحة الشاه عندما تمت الإطاحة به من على كرسي العرش، لكنها في الوقت ذاته لم تقف إلى جانب الجماهير الثورية كقوة منظمة واحدة. وخلال هذه الفترة من الاضطرابات الثورية، انهار "جيش شاهنشاه العظيم" بشكل واضح".
ويلفت في دراسته إلى الدور الذي مارسته اللجان الثورية الإسلامية ضد قادة الجيش الإيراني وقمعهم؛ حيث تم إطلاق النار على حوالي 100 جنرال، وتم التنكيل بأكثر من 2000 ضابط، الأمر الذي أدى لفرار العديد من الجنرالات والضباط، فضلاً عن خبراء عسكريين خارج إيران، فخسرت الوحدات العسكرية قدرتها القتالية، كما فقدت هذه الوحدات التنظيم والروح المعنوية.
وبالعودة إلى ملابسات الحوار "المحذوف" مع القائد العسكري في الجيش الإيراني، الذي ضغط على تلك الأزمة المحتدمة، واستعادتها إلى السطح مجدداً؛ الأمر الذي تم بواسطة "مقص الرقيب" في هيئة الإعلام الرسمية بإيران، والمتحكمة في وسائط البث والنشر، فإنها تكشف عن سيطرة الجناح الراديكالي في النظام، والذي يخضع لنفوذ علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، حيث يقوم بتعيين مدير تلك المؤسسة إلى جانب غيرها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية