لماذا "لن" يُعالج ماكرون عنف الشرطة الفرنسية؟

لماذا "لن" يُعالج ماكرون عنف الشرطة الفرنسية؟

لماذا "لن" يُعالج ماكرون عنف الشرطة الفرنسية؟


13/07/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

اعتباراً من هذا الأسبوع، تجاوزت حملة تمويل جماعيّ أطلقها اليمين الفرنسيّ المتطرّف لدعم ضابط الشّرطة الذي قتل نائل، وهو صبيّ في السّابعة عشرة من عمره من مدينة نانتير، 1.4 مليون يورو. وفي الوقت نفسه تقريباً الذي تجاوز فيه صندوق تبرّعات قاتل نائل المليون يورو، وردت أنباء عن أنّ مائة وعشرين شاباً على الأقلّ ممّن اعتُقلوا خلال الاضطرابات التي اندلعت بسبب وفاة نائل قد أُرسِلوا بالفعل إلى السّجن.

حتّى الآن، كان هذا «الرّدّ القضائيّ السّريع، والحازِم، والمنهجيّ» على أعمال الشّغب، كما طالب وزير العدل، إريك دوبوند موريتي، هو الرّدّ الحكوميّ الحقيقيّ الوحيد على الاضطّرابات التي اجتاحت المدن الفرنسيّة. وقد تمّت مواجهة السّكان المحلّيّين بحظر التّجوّل وتقليل وسائل النّقل في بعض المدن، وفي كلّ مدينة احترقت فيها السيّارات ونُهبت المتاجر، نما وجود الشّرطة بشكل كبير، مع انتشار 45 ألف ضابط في جميع أنحاء فرنسا ليلة الجمعة.

كلّ هذا يدلّ على الإبداع الاستثنائيّ للحكومة الفرنسيّة في جهودها للابتعاد عن سبب غضب الضّواحي - قتل الشّرطة لمراهق ضرباً بالرّصاص من مسافة قريبة في وضح النّهار بعد «رفضه الامتثال» للأوامر - وتجنّب التّشكيك في وحشية الشّرطة.

دوبوند موريتي، الذي أُلقي القبض على ابنه مؤخّراً بتهمة العنف المنزليّ، ألقى باللوم على آباء مثيري الشّغب، قائلاً: «في كلّ مرّة يوجد فيها آباء قادرون على ممارسة سلطتهم الأبويّة ولا يفعلون ذلك، هناك مسؤولية جزائيّة يجب أن تُطبّق». وألقى الرئيس، إيمانويل ماكرون، باللوم على وسائل التّواصل الاجتماعيّ وألعاب الفيديو بشأن أعمال الشّغب، وقدّم المتحدث باسم الحكومة الفرنسيّة تحليله المفيد، مُقدّراً أنّ عنف الضّواحي ليس له «رسالة سياسيّة»، ومضيفاً: «إنّه مجرّد نهب وسلب».

متظاهرون في باريس بعد وفاة نائل البالغ من العمر 17 عامًا، 29 يونيو 2023

ووفقاً لـ«بوندي بلوغ»، وهو موقع إعلاميّ محلّيّ يغطي ضواحي باريس، قال قاض في مُحاكمة لأولئك الذين اعتقلوا خلال العطلة الأسبوعيّة إنّ أسباب أفعالهم «عقيمة تماماً». وأشار المقال إلى أنّه: «لم يلفظ اسم نائل مرّة واحدة». وقال محام لصحيفة «بليك» السّويسريّة إنّه يخشى أن يكون الهدف من جلسات الاستماع المتعجّلة هذه هو «تحريف الإجراءات من أجل العقاب، مهما كانت التكلفة»، وأشار إلى أنّها تخاطر «بتعزيز الضغط الاجتماعيّ». وحذّر محام آخر من «العدالة المُسرَّعة» التي تنطوي على «أحكام قاسية»، على  الرّغم من «استغراق الأمر بالكاد خمس عشرة دقيقة للنّظر في الوقائع».

تجاوزت حملة تمويل جماعيّ أطلقها اليمين الفرنسيّ المتطرّف لدعم ضابط الشّرطة الذي قتل نائل، وهو صبيّ في السّابعة عشرة من عمره، 1.4 مليون يورو

في غضون ذلك، أوقِف الضّابط الذي أطلق النّار على نائل ويخضع حالياً للتّحقيق بتهمة «القتل العمد». ولن تُعقد محاكمته، إن حصلت، لأشهر أو أعوام.

عندما طلبت الأمم المتّحدة من فرنسا التّنبّه إلى مشكلات العنصريّة والتّمييز العميقة الموجودة داخل صفوف الشّرطة الفرنسيّة - والتي يجب أن تكون مدعاة للقلق في أيّ ديمقراطيّة صحّيّة - ردّت السّلطات الفرنسيّة بأنّ «أيّ اتّهام بالعنصريّة أو التّمييز المنهجيّ على يد قوّات الشّرطة في فرنسا لا أساس لها على الإطلاق». جاء هذا الرّدّ في اليوم نفسه الذي نُشر فيه بيان صحافيّ لنقابتي شرطة نافذتين وصفَ مثيري الشّغب بأنّهم «جحافل متوحشة» من «الآفات». ما من شيء يمكن رؤيته هنا! بالتّأكيد، ليس هذا بالعنصري! وبالكاد تعاملت السّلطات مع حملة التّبرّعات المؤيّدة للضّابط، والتي هي بمثابة برميل من البنزين يُسكب على حريق كبير بالفعل. صرّحت رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، بأنّ الحملة «ربما لا تُسهِم في تهدئة» الوضع - وهو تصريح يُقلّل بشدّة من فداحة الأمر.

اقترحت برلمانيّة من حزب الخضر خريطة طريق لإصلاح شامل للشّرطة من شأنه أن يشمل إنشاء هيئة مستقلّة للتّحقيق، وإنهاء استخدام الشّرطة للأسلحة ذات الطّبيعة الحربيّة

تجوهِلَت دعوات إصلاح الشّرطة الفرنسيّة حتّى الآن، على الرّغم من كونها الطّريقة الوحيدة المعقولة للخروج من هذه الفوضى الجهنميّة. يسأل عدد اليوم من صحيفة «ليبراسيون»: «ماذا نفعل مع الشّرطة؟». اقترحت عضوة برلمانيّة من حزب الخضر المعارض خريطة طريق لإصلاح شامل للشّرطة من شأنه أن يشمل إنشاء هيئة مستقلّة للتّحقيق في شؤون الشّرطة، وإنهاء استخدام الشّرطة للأسلحة ذات الطّبيعة الحربيّة، والأهم من ذلك، إجراء تحقيق دقيق ومستقلّ في عنصريّة الشّرطة. لم تَدرس السّلطات مقترحاتها بشكل رسميّ حتّى الآن. «هل تخاف الحكومة من الشّرطة؟»، سأل أحد الصّحافيّين وزير الإسكان، أوليفييه كلاين، نقلاً عن الزّعيم اليساريّ جان لوك ميلينشون، الذي أعلن ذلك ليلة الأحد. تلعثم كلاين في الرّدّ: «لا! أوه الحكومة، أوه.. الحكومة تعمل مع الشّرطة، لحسن الحظّ».

يعمل نظام ماكرون «مع الشّرطة»، ويحكم بعنفها، منذ بداية أزمة «السّترات الصّفر» في عام 2018

بالفعل، يعمل نظام ماكرون «مع الشّرطة»، ويحكم بعنفها، منذ بداية أزمة «السّترات الصّفر» في عام 2018، والتي فقد خلالها أربعة وعشرون من المتظاهرين عيناً واحدة وفقد خمسة يداً بسبب أسلحة الشّرطة. منذ ذلك الحين، ونشطاء المناخ، وطلّاب المدارس الثّانويّة، والنّسويّات، وعمّال المصانع المضربين، وعمال السّكك الحديديّة، ورجال الإطفاء، والحركة الاجتماعيّة الأخيرة ضدّ تغييرات ماكرون لقوانين المعاشات - وهي التّغييرات التي فُرضت من خلال البرلمان من دون تصويت - يتعرّضون لقمع الشّرطة الوحشيّ. لكن وفقاً لوزير داخلية ماكرون، جيرالد دارمانين، فإنّ «عنف الشّرطة لا وجود له». ليلة أمس، ذهب دارمانين وماكرون للقاء ضبّاط شرطة باريس على الأرض للتّأكيد على دعمهما لهم. وأشاد الرّئيس بـ«مهنيّة» الشّرطة وقال: «نحن معكم». هل ماكرون خائف من الشّرطة؟ أم أنّه ببساطة قَيّم موازين السّلطة وقرّر أنّه يُفضّل الاستمرار في الحكم بعنف الشّرطة بدلاً من معالجته - حتّى لو كان ذلك يعني إشعال النّيران في الضّواحي؟

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

بولين بوك، الغارديان، 4 تمّوز (يوليو) 2023




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية