لماذا تعامل "داعش" و"القاعدة" بانتهازية مع جائحة كورونا؟

لماذا تعامل "داعش" و"القاعدة" بانتهازية مع جائحة كورونا؟


11/07/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

ليس التشدد الإسلاموي بالظاهرة الجديدة في بنغلاديش؛ بل يعود إلى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، ويمكن تقسيم التشدد الإسلاموي في بنغلاديش إلى ستّ مراحل، وذلك بناء على عملية تطوره ومدى الأنشطة المعنية:

المرحلة الأولى، وهي فترة الحضانة؛ تغطي الفترة من أواخر السبعينيات إلى عام 1986، حيث ما من هجمات ونشاط عام.

المرحلة الثانية، وهي فترة التكوين: تبدأ بتشكيل جماعة "مسلم ملة باهيني"، عام 1986، وتنتهي في عام 2001؛ بإدخال حزب التحرير إلى بنغلاديش.

خلال فترة التكوين هذه، ظهرت العديد من الجماعات الإسلاموية المتطرفة في بنغلاديش، بما في ذلك؛ حزب التحرير، وجماعة المجاهدين، و"جاغراتا مسلم جاناتا"، وحركة الجهاد الإسلامي.

المرحلة الثالثة، وهي مرحلة العمليات: بدأت عام 2001 بتفجير تجمّع للحزب الشيوعي في بنغلاديش، وانتهت عام 2007، بإعدام قادة جماعة المجاهدين و"جاغراتا مسلم جاناتا".

السياسة القائمة على ردّ الفعل لن تكون ناجعة، فالمطلوب معالجة قضايا الأمن السيبراني والإبقاء على العيون مفتوحة بشكل متواصل على العالم السيبراني، ومواجهة ميتا-سرديات المتطرفين

وقد شهدت هذه المرحلة مقتل 156 شخصاً، كانوا ناشطين ثقافيين وشعراء مشهورين وقضاة وأصوات علمانية.

 المرحلة الرابعة (2007-2013): تسمى "المرحلة الصامتة"، لأنّها كانت فترة هادئة من حيث النشاط المسلح.

وأعقبت "المرحلة الصامتة" هذه "المرحلة العنيفة"، التي بدأت بقتل المدون رجب حيدر، عام 2013، وتواصلت حتى التفجير الانتحاري الذي وقع عام 2017 في سيلهيت، وتعد المرحلة منذ عام 2018 فصاعداً، بالتأكيد، مرحلة الخمول، والتي تستخدم عادة للتجنيد وجمع الأموال.

وهنا توجد علامة استفهام: ما مدى كفاءة ونجاح قوات الأمن البنغالية في مكافحة أو معالجة قضية المتشددين؟ من الواضح أنّ قوات الأمن، حتى الآن، تعتمد في الغالب على الاستجابات الحركية لهذه القضية، ومع ذلك؛ لا يمكن أن تكون الاستجابات العسكرية سوى إستراتيجية قصيرة المدى، لأنّ هذا لا يمكن أن يقضي تماماً على جذر التطرف، الذي يقوم على أيديولوجيا راديكالية عنيدة.

ما الذي رأيناه حتى الآن في بنغلاديش؟ عندما أعلن تأسيس داعش، عام 2014، بدأت جماعة "جاغراتا مسلم جاناتا" الجديدة، التابعة لداعش، تكتسب زخماً في بنغلاديش، وجنّد داعش منتسبين من جماعة أنصار الإسلام التابعة لتنظيم القاعدة و"جاغراتا مسلم جاناتا"، وكذلك من جماعات متطرفة أخرى قائمة، وأدّى ذلك إلى نمو "جاغراتا مسلم جاناتا" الجديدة، التي شنّت في النهاية الهجوم الوحشي على مقهى "هولي آرتيزان"، في تموز (يوليو) 2016.

اقرأ أيضاً: لمن الغلبة في أفريقيا... لـ"القاعدة" أم لـ"داعش"؟

واليوم؛ يختنق تنظيم داعش بعد أن فقد أساسه الأيديولوجي، ألا وهو الوجود المادي لـ "دولة إسلامية" في العراق وسوريا، وفي بنغلاديش؛ شهدت "جاغراتا مسلم جاناتا" الجديدة المرتبطة بداعش تراجعاً خطيراً؛ بسبب الحملة العسكرية التي قتل فيها قرابة 70 من أعضاء الجماعة في حوالي 30 عملية.

من ناحية أخرى، لم تفقد كلّ من جماعة أنصار الإسلام و"جاغراتا مسلم جاناتا"، وتتبعان للقاعدة، عدداً كبيراً من الأعضاء في العمليات، كما أنّهما لم تفقدا قواعدهما الأيديولوجية. ومع ذلك؛ تعاني "جاغراتا مسلم جاناتا" الجديدة أزمة قيادة، منذ القبض على زعيمها، الشيخ عبد الرحمن وبنغلا بهاي، عام 2005، ورغم أنّ القيادة منحت لمولانا سعيد الرحمن، فإنّه أيضاً في السجن منذ عام 2010، ولم تحظَ قيادات أخرى باهتمام كبير، رغم أنّ طموح "جاغراتا مسلم جاناتا" الجديدة في أن تصبح منظمة وطنية واضح منذ تدشينها جماعة المجاهدين فرع الهند، عام 2017.

ومن المثير للدهشة أنّ أنصار الإسلام ظلت غير متأثرة نسبياً منذ أن بدأت قوات الأمن عملياتها ضدّ التطرف، عام 2016، وقد حكم بالسجن على الزعيم الروحي لأنصار الإسلام، رحماني، وبعض الأعضاء، لكن قائدها العسكري، الرائد ضياء، والمتحدث باسمها، عبد الله أشرف، ومحمد مقداد، ما يزالون مجهولين.

ورغم سلسلة العمليات الأخيرة التي تهدف إلى تعطيل شبكاتها، فإنّ جهود الدعاية المستمرة التي تقوم بها أنصار الإسلام عبر الإنترنت لها آثارها السلبية على السلام والأمن في بنغلاديش، وما يزال أعضاء الجماعة نشطين على الإنترنت، كما يتضح من بياناتهم، ومنشورات المجلة البنغالية التابعة لهم "البلاغ".

اقرأ أيضاً: هل اختفى التهديد الداعشي؟

إذا سألنا عن ماهية التهديد الكبير القادم في التطرف البنغالي، فيمكن أن تكون أنصار الإسلام هي الجواب المحتمل؛ فهذه الجماعة لم تفقد قاعدتها الأيديولوجية، على عكس داعش؛ بل عززت نقاطها الأيديولوجية بسبب أزمة الروهينغا في ميانمار وقانون المواطنة المعادي للمسلمين في الهند، وسقوط "جاغراتا مسلم جاناتا" الجديدة في بنغلاديش.

 ولطالما أثار تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية ما يسمى بغزوات الهند والطموحات القيامية عند المسلمين.

ومما يثير القلق؛ أنّ أنصار الإسلام ما تزال نشطة عبر الإنترنت، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ بنغلاديش تمتلك ما يقرب من 90 مليون مشترك على الإنترنت، وكان استطلاع أجرته الشرطة البنغالية، عام 2017، مع 250 متطرفاً، قد كشف أنّ 82% منهم استلهموا أفكارهم في الأصل من الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، و80% منهم استخدموا "ثريما" و"وي شات" و"ماسنجر"، بالإضافة إلى تطبيقات وسائل تواصل اجتماعي أخرى.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني استمرار استهداف "داعش" للأردن؟

ومن بين الأسباب الأخرى الداعية للقلق؛ أنّ قوات الأمن البنغالية حوّلت تركيزها من المتشددين الجهاديين إلى قمع شبكات تهريب المخدرات، والآن إلى مكافحة كوفيد-19.

قد تسهم جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" في نمو الردكلة بعدة طرق في بنغلاديش:

أولاً: أصبح لدى الراديكاليين وجمهورهم الآن وقت هائل لقضائه في تصفّح الإنترنت، ودخلوا إلى عالم الإنترنت بكامل طاقتهم، وهذا سيسمح، بالتأكيد، للجماعات المتطرفة بالوصول إلى الناس.

ثانياً: قد تسبّب هذه الجائحة الإحباط لبعض الشباب، كما هو الحال مع أيّة أزمة في الحياة، وقد يقع هذا الشباب المحبط بسهولة فريسة السرديات المتطرفة.

وأخيراً: قد يعزز الوباء السرديات القيامية التي تثيرها الجماعات المتطرفة، فيما أشار بعض العلماء التقليديين بالفعل إلى هذه النقطة.

إنّ دعاية داعش والقاعدة حول "كوفيد-19" انتهازية، وقام التنظيمان بتغيير سردياتهما مع تطور الجائحة؛ فقد وصفا "كوفيد-19" حتى الآن بأنّه "جندي الله". وأفادت العديد من وكالات الأنباء بالفعل بأنّ منظمات عنصرية ومتطرفة في كافة أنحاء العالم قد عززت جهود التجنيد، وشجعت القيام بهجمات ودفعت بنظريات مؤامرة مليئة بالكراهية حول "كوفيد-19

دعاية داعش والقاعدة حول "كوفيد-19" انتهازية، وقام التنظيمان بتغيير سردياتهما مع تطور الجائحة؛ فقد وصفا "كوفيد-19" حتى الآن بأنّه "جندي الله"."

باختصار؛ أنصار الإسلام، مستفيدة من أزمة القيادة داخل "جاغراتا مسلم جاناتا" الجديدة، والإحباط الأيديولوجي لداعش، وقد تخطو خطوة أكبر في أجندتها الخاصة بالهند المسلمة.

وفي ظلّ هذه الخلفية من التحدي المسلح، تحتاج حكومة بنغلاديش إلى إستراتيجية واضحة تجاه التشدد الإسلاموي.

إنّ سياسة محدودة وقائمة على ردّ الفعل لن تكون ناجعة، تحتاج هذه السياسة إلى معالجة قضايا الأمن السيبراني والإبقاء على العيون مفتوحة بشكل متواصل على العالم السيبراني، ومواجهة ميتا-سرديات المتطرفين، وخلق فرص للشباب، واعتماد برامج تفكيك الراديكالية بشكل يراعي الأبعاد الجندرية، كذلك، يمكن استخدام العلماء المسلمين التقليديين في مواجهة سرديات المتطرفين.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

شافي مد مصطفى، "ذي دبلومات"، 4 حزيران (يونيو) 2020

https://thediplomat.com/2020/06/what-does-covid-19-mean-for-terrorism-in-bangladesh/


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية