لماذا ترفض الأحزاب التونسية التحالف مع حركة النهضة؟

لماذا ترفض الأحزاب التونسية التحالف مع حركة النهضة؟

لماذا ترفض الأحزاب التونسية التحالف مع حركة النهضة؟


01/03/2023

برغم التقائها في خوض مواجهة حادة مع "مسار 25 تموز (يوليو) 2021" الذي أقره الرئيس قيس سعيّد، ظلّت أحزاب المعارضة التونسية المكونة بالأساس من الأحزاب اليسارية والحزب الدستوري الحر وجبهة الخلاص الوطني التي تقودها حركة النهضة الإخوانية، إلى جانب الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، ظلت مشتتة، ولم تستطع التحالف أو الالتقاء في تكتل معيّن، وتخشى جميعها الاقتراب من حركة النهضة.

وقد جدد القيادي في حزب التيار الديمقراطي المعارض هشام العجبوني رفضه مسار "25 تموز (يوليو) 2021، ورفض التقارب مع قيادات "جبهة الخلاص الوطني"، رغم اشتراكهما في معارضة السلطة القائمة، خصوصاً بعد سلسلة الاعتقالات الأخيرة التي جاءت بتوجيهات من الرئيس سعيّد.

الأحزاب الديمقراطية ترفض الالتقاء مع النهضة

وقال العجبوني في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط": إنّ أسباب عدم هذا التقارب "ما زالت قائمة إلى حدّ الآن"؛ من بينها "ضرورة اعتراف (حركة النهضة) بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها خلال الأعوام الـ (10) التي تزعمت فيها المشهد السياسي التونسي، والتمسك بضرورة انسحاب وجوه الفشل السياسي".

وقد حمّلها مسؤولية إعلان التدابير الاستثنائية من قبل الرئيس، مضيفاً أنّ عدداً كبيراً من أحزاب المعارضة "لا يمكنها أن تنسى الفشل الذريع في إدارة الشأن العام، والخلافات الكثيرة التي عاشتها أثناء فترة حكم (حركة النهضة)"، التي عدّتها من أبرز أسباب الفشل السياسي الذي عاشته البلاد، وفق تقديره.

 القيادي في حزب التيار الديمقراطي المعارض هشام العجبوني

من جانبه، قال الأمين العام لحزب التكتّل خليل الزاوية في تصريح لإذاعة "موزاييك" التونسية الأسبوع الماضي: إنّ تنسيقية الأحزاب التقدمية (أحزاب التكتل والعمال والقطب والتيار الديمقراطي) ترفض العمل مع جبهة الخلاص، مشيراً إلى أنّ غياب الحزب الجمهوري عن تنسيقية الأحزاب التقدمية يعود إلى انفتاحه على هذه الجبهة التي تضمّ في عضويتها حزب حركة النهضة، والتي يعتبرها حزب التكتل متسبباً أساسياً في الأزمة التي تعيشها تونس.

وقال الزاوية: ''افترقنا، لأنّ تقييمنا لضرورات الواقع تختلف عن تقييم الجمهوري''، ويعود ذلك أساساً إلى انفتاح الجمهوري على جبهة الخلاص (الواجهة السياسية لحركة النهضة)، وفق تصريحه.

الأحزاب الديمقراطية تنتقد حزب النهضة، وتعتبره المسؤول الأول عن الأزمة التي عاشتها البلاد خلال العشرية الماضية، وتتهمه بالتورط في ملفات فساد

وأضاف الزاوية: ''المهم اليوم ليس بالأساس توحيد المعارضة، وإنّما إقناع المواطنين، وغالبيتهم يعتبرون حركة النهضة متسبباً أساسياً في أزمة البلاد، وأنا أعتقد كذلك أنّ الحركة لا يمكن أن تكون في صفّ الديمقراطية المطلقة...، هذه الحركة تدافع عن كيانها".

الزاوية أكد أيضاً على أنّ "اليوم التعامل مع النهضة غير مطروح بالنسبة إلينا، لأنّ ذلك لا يمكن أن يتقدّم بالبلاد"، معتبراً من جهة أخرى أنّ الأحزاب ضعيفة، وتواجه اتهامات فيها الكثير من التهويل، خاصة أنّ العديد منها لم يشارك في الحكم.

كذلك، أكد الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي في تصريحات صحفية سابقة أنّ الأحزاب الديمقراطية ترفض أيّ تقارب مع حركة النهضة، إلى أن تقوم الأخيرة بمراجعات حقيقية لأخطائها، وقد ردّ عليه المتحدث باسم "النهضة" عماد الخميري بأنّ الجميع مدعو للمراجعة وتقييم الأخطاء، وليس "النهضة" وحدها، وهي مستعدة فعلاً لذلك.

النهضة تتحمل المسؤولية

وتنتقد الأحزاب الديمقراطية حزب النهضة وتعتبره المسؤول الأول عن الأزمة التي عاشتها البلاد خلال العشرية الماضية، وتتهمه بالتورط في ملفات فساد، فيما تتهم الحركة الإسلامية بدورها خصومها بتشتيت المعارضة، وخدمة مشروع الرئيس بطريقة غير مباشرة.

هذا التشتت أرجعه متابعون للشأن التونسي إلى الخلافات الإيديولوجية والسياسية بين مكوناتها، حتى أنّ بعضها ظلوا خصوماً تاريخيين، إلى حين وصول سعيّد إلى سدّة الحكم، وإجهاض مشروع حركة النهضة التي تخبطت يميناً ويساراً لجمع أكبر عدد ممكن حولها لتعطيل مشروع سعيّد، وهو ما جعل تحركاتها دون فاعلية، وجعلها عاجزة عن تحقيق أهدافها التي تلخصت في العودة إلى الحكم، والحفاظ عليه.

 الأمين العام لحزب التكتّل خليل الزاوية

وتذهب قراءات أخرى إلى أسباب متعلقة بتعنت القيادات ورفض التنازلات، كما أنّ هناك أسباباً ترتكز على البحث المحموم عن التموضع بشكل متفرد؛ ممّا زاد في فُرقة المعارضين.

اليسار لا يمكن أن يمدّ يده إلى النهضة

وكان الأمين العام لحزب العمال حمة الهمامي قد قال في تصريح حول انقسام المعارضة، نقله عنه موقع "إندبندنت عربية": "المعارضة معارضات في أيّ بلاد، في فرنسا لا يمكن أن يمدّ اليسار يده إلى اليمين أو اليمين المتطرف، نحن أيضاً لا يمكن أن نمدّ يدنا إلى جبهة الخلاص التي تمثل حركة النهضة بكل وضوح، وحركة النهضة تتحمل مسؤولية تعفن الوضع طيلة العشرية الماضية، وفتحت الباب لانقلاب قيس سعيد، ولم تعتذر حتى إلى الشعب التونسي، وتعتبر أنّ فترة حكمها كانت جيدة، وهذا غير صحيح".

هذا التشتت أرجعه متابعون للشأن التونسي إلى الخلافات الإيديولوجية والسياسية بين مكوناتها

من جهتها، شددت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي، في تصريحات سابقة لإذاعة "شمس إف إم" التونسية، على أنّ الدستوري الحرّ لا يعترف بحركة النهضة كجزء من المشهد السياسي المدني.

وهو الموقف نفسه الذي تتبنّاه أحزاب تونسية كثيرة تجاه حركة النهضة، التي يتهمونها بالإساءة إلى التجربة التونسية، وبإدخال البلاد مربع الإرهاب والتعفن السياسي، فضلاً عن الاغتيالات السياسية، وتسفير الجهاديين إلى بؤر التوتر، والتسبب في الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

النهضة تحاول إحاطة نفسها بمبادرات فاشلة

وكانت حركة النهضة قد دعت مراراً الأحزاب التونسية المعارضة لقرارات سعيّد إلى التجمّع داخل مبادرة سياسية واحدة، آخرها في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حين دعت إلى "طي صفحة التشتت والفرقة بين مختلف قوى المعارضة السياسية، وتقديم التنازلات الحتمية من أجل تحقيق الوحدة وإنقاذ البلاد، وبناء بديل سياسي ينقذ البلاد من الانفجار الاجتماعي والانهيار الاقتصادي، ويساهم في استعادة المسار الديمقراطي المغدور"، وفق ما ورد في بيان حمل إمضاء زعيم الحركة راشد الغنوشي.

ومنذ اللحظات الأولى لإعلان الرئيس سعيّد إجراءاته الاستثنائية يوم 25 تموز (يوليو) 2021، كانت حركة النهضة أكثر الأطراف السياسية ارتباكاً، خصوصاً أنّها اطمأنت إلى وجودها في السلطة، بعد مرور عقد كامل على استمرار سيطرتها على مفاصل القرار داخل القصر والبرلمان، عبر تحالفاتها المشبوهة، وقد عملت كل آلياتها التنظيمية والإيديولوجية بأقصى ما أوتي لها لتحقيق مشروع التمكين الإخواني.

واستعملت الحركة كل السبل لتحريك الشارع، غير أنّ تحركات المعارضة ومظاهراتها وبياناتها لم تحرك الواقع، لأنّها لم تُرفد باحتجاجات اجتماعية، كما توقع الغنوشي، الذي دُفع خارج أسوار البرلمان الذي ترأسه لعامين.

وحاولت الحركة جرّ حلفائها إلى مقاربة فرض الديمقراطية بدعم أجنبي، واستعملت خبرتها القديمة (المترتبة عن أعوام العمل السري وزمن الملاحقات) في نسج علاقات خارجية تحاول من خلالها إجبار الرئيس على تقديم تنازلات، أو دفعه إلى حوار يرمم الهندسة السياسية السابقة، أو على الأقل تأمين خروج آمن لبعض قياداتها، لكنّ كل محاولاتها فشلت بتصدٍّ من سعيّد.

وانتهت الأحداث إلى اعتقال أغلب قيادات الحركة، الذين لاحقتهم تهم الإرهاب والفساد المالي خلال العشرية "السوداء"، والتحقيق مع الغنوشي، إلى جانب الكشف عن مخططاتها الإرهابية والانقلابية.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية