لماذا تخشى أنقرة إعادة انتخاب أكينجي لرئاسة قبرص الشماليّة؟

لماذا تخشى أنقرة إعادة انتخاب أكينجي لرئاسة قبرص الشماليّة؟


18/10/2020

اختتمت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في قبرص الشمالية، الأحد الماضي، الحادي عشر من الشهر الجاري، وشهدت تنافس 11 مرشحاً، أبرزهم الرئيس الحالي، مصطفى أكينجي، ورئيس الوزراء، إرسين تتار، القومي المدعوم من أردوغان، والاشتراكي الديمقراطي، تورفان إرهورمان.

ولم يحصل أيّ مرشح على الأغلبية التي تمكّنه من الفوز، وستعاد الانتخابات، يوم 18 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، بين تتار، الذي حصل على نسبة 32.46% من الأصوات، وأكينجي الذي نال 29.73%.

أردوغان ورئيس وزراء قبرص الشمالية، إرسين تتار

ومن المتوقع فوز أكينجي في جولة الإعادة؛ بسبب تأييد ناخبي إرهورمان له، الذين بلغت نسبتهم 21.62% ممن شاركوا في الجولة الأولى.

تحتلّ الانتخابات القبرصية أهمية كبيرة، في ظلّ التحوّلات الكبيرة التي يشهدها شرق المتوسط، باتجاه أوروبا المتزايد للضغط على تركيا، لردعها عن انتهاك المياه الإقليمية لقبرص واليونان

وتحدّد هذه الانتخابات الطريق الذي ستسلكه قبرص الشمالية، في علاقتها مع جارتها قبرص الجنوبية، وتركيا، والاتحاد الأوروبي، ويؤيّد أكينجي توحيد شطرَي الجزيرة، والابتعاد عن الهيمنة التركية، وهو ما يقلق أردوغان، ويؤثر سلباً في خططه للاستيلاء على ثروات الطاقة في مياه قبرص، بينما يؤيد إرسين تتار، خطط أردوغان، ولا يريد الوحدة مع جمهورية قبرص (الشطر الجنوبي).

صراع الوحدة والانفصال

وتعدّ الانتخابات بمثابة استفتاء حول رؤيتين سياستين لمستقبل قبرص الشمالية؛ الأولى تريد توحيد شطري الجزيرة، وفق حكم فيدرالي، والاستقلال عن الهيمنة التركية، ووضع مصالح شعب قبرص أولاً، ويمثّلها الرئيس الحالي، مصطفى أكينجي، والمرشح الذي جاء في المركز الثالث، تورفان إرهورمان، وكلاهما اشتراكيان ديمقرطيان، والرؤية الثانية تريد تقسيم الجزيرة، وتأسيس دولة ذات سيادة، تربطها علاقات قوية بتركيا، ويمثّلها رئيس الوزراء، إرسين تتار، المؤمن بالقومية التركية.

اقرأ أيضاً: كيف تحوّل أردوغان وأسرته لأكبر كارثة حلّت بتركيا؟

ويدعم أردوغان تتار في الانتخابات، خوفاً من تأثير فوز أكينجي على مخططاته لاستغلال القضية القبرصية في مناكفة الاتحاد الأوروبي واليونان وجمهورية قبرص، والتنقيب باسمها في مياه شرق المتوسط، وخوفاً من تقلّص حدوده البحرية إذا انضمّت قبرص الشمالية إلى الاتّحاد الأوروبي، ضمن دولة موحّدة في قبرص.

الاقتراع الرئاسي في قبرص الشمالية

وحول ذلك؛ يقول الباحث في الشؤون التركية، كرم سعيد: "ثمة جوانب عدّة لدعم أردوغان لرئيس الوزراء، إرسين تتار؛ أولها: الاعتبارات القومية، فهو أقرب إلى الالتحام مع تركيا، على عكس أكينجي، المؤيد للانفتاح على أوروبا، وتسوية الأزمة القبرصية سلمياً، عبر الوحدة، وثانيها؛ أنّ هناك خلافات كبيرة بين أردوغان وأكينجي، بسبب رفض الأخير لعمليات التنقيب في مياه شمال قبرص".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون ورقة أردوغان المحترقة على تخوم الصراع مع فرنسا

ويتابع سعيد لـ "حفريات": "يرفض أكينجي استيلاء تركيا على الغاز في مياه قبرص، وأن تكون صاحبة القرار في ثروات الجزيرة، ويريد أن تظلّ الثّروات لأهل الجزيرة، الذين يعانون من وضع اقتصادي صعب، منذ احتلال تركيا للشطر الشمالي، عام 1974".

ومن المتوقع فوز أكينجي في جولة الإعادة، بأكثر من 55%، بحسب تصريحات مديرة مركز برولوغ كونسيلتين لاستطلاعات الرأي، ماين يوسيل.

التدخّل التركي في الانتخابات

وفي خطوة شعبوية تدغدغ مشاعر القومية عند الناخبين، قرّر  رئيس الوزراء، إرسين تتار، فتح شاطئ مدينة فاروشا، في شرق الجزيرة، يوم الخميس، الثامن من الشهر الجاري، بعد مباحثات في أنقرة، قبل ذلك بيومين، مع الرئيس أردوغان.

اقرأ أيضاً: لماذا يرفض أردوغان الانتخابات المبكرة؟

ويحيط الجيش التركي بالمدينة، منذ أن غادرها سكانها القبارصة اليونانيون، عام 1974، وهي مدينة مهجورة، وقوبل القرار بإدانة من جمهورية قبرص والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، كما انتقد أكينجي القرار، وعدّه قبارصة أتراك تدخلاً من تركيا في شؤونهم.

الباحث محمد حامد لـ"حفريات": "تدخل تركيا في الانتخابات هو نوع من السيطرة تقوم به، في منطقة لها نفوذ شامل فيها، وتأكيد على أنّها الحامي الأول لشمال قبرص

ويؤكد كرم سعيد؛ أنّ افتتاح شاطئ فاروشا يأتي في إطار دعم رئيس الوزراء، إرسين تتار، لكنّ الخطوة أثارت قلقاً دولياً، خشية إثارة توترات بين شطرَي الجزيرة.

وإلى جانب ذلك؛ تتحيّز وسائل الإعلام التركية في تغطية الانتخابات، لصالح إرسين تتار، وفق ما نقله موقع "أحوال".

احتجاجات في جمهورية قبرص بعد افتتاح شاطئ فاروشا

وحول التدخل التركي؛ يقول مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية، محمد حامد: "تدخل تركيا في الانتخابات هو نوع من السيطرة تقوم به، في منطقة لها نفوذ شامل فيها، وتأكيد على أنّها الحامي الأول لشمال قبرص، وعلى مصالحها في شرق المتوسط، وعلى أنّ حلّ الأزمة القبرصية لن يمرّ إلا عبرها".

اقرأ أيضاً: أردوغان.. كارثة تركيا

ويردف حامد لـ "حفريات": "أردوغان لا يرى في أكينجي الرجل المنشود لدعم خططه؛ لأنّه يبحث عن مصالح القبارصة الأتراك، ولا يريد خسارة العلاقات مع جمهورية قبرص والاتحاد الأوروبي، ويراعي العلاقات الودّية بين شعبَي شطر الجزيرة، وهو ما لا يريده أردوغان".

وفي العام الماضي، دان أكينجي العمليات العسكرية التركية شمال سوريا، وهو ما أثار غضب أردوغان.

اقرأ أيضاً: تركيا تختنق بعزلتها: هل يتصاعد عنف أردوغان وعبثه؟

وعلى عكس أكينجي؛ يؤيد إرسين تتار أنشطة التنقيب التركية، غير المشروعة، في مياه قبرص، وانتقد في تصريح، العام الماضي؛ اعتبار الاتحاد الأوروبي أنشطة التنقيب التركية في الجرف القاري للشطر التركي من الجزيرة، غير قانونية.

وقال في تصريح نشره موقع "TRT عربي": "نحتجّ على إبداء الاتحاد ردود فعل سلبية، على بدء سفينة "ياووز" التنقيب، بعد حصولها على ترخيص بأنشطة التنقيب في سواحل منطقة قارباز".

اقرأ أيضاً: عن أردوغان الطوراني العظيم

كما هاجم تتار دعوات توحيد الجزيرة، ورفع الوصاية التركية عن الشطر الشمالي، وقال في تصريح، العام الماضي: "لن نسمح بسلب حقّ الضمانة التي اكتسبتها تركيا تاريخياً، عبر ألاعيب أو مخططات يحيكها الاتحاد الأوروبي".

مستقبل الجزيرة

وفي تصريح لوكالة "فرانس برس"، قال مؤسس منظمة "لنوحّد قبرص الآن"، كمال بيكالي: "تكمن القضية الرئيسة للانتخابات في الطريقة التي سنعرّف من خلالها علاقتنا بتركيا فيما بعد".

وتحتلّ الانتخابات أهمية كبيرة، في ظلّ التحوّلات الكبيرة التي يشهدها شرق المتوسط، باتجاه أوروبا المتزايد للضغط على تركيا، لردعها عن انتهاك المياه الإقليمية لقبرص واليونان.

ويقول محمد حامد: "يرى قبارصة أتراك كثيرون أنّ مصلحتهم تكمن في توحيد الجزيرة، ويلمسون من المجتمع الدولي اتجاهاً قوياً لدعم الوحدة؛ بعد أن رفعت أمريكا حظر السلاح عن جمهورية قبرص، وبدأت في إجراء مناورات عسكرية مع اليونان، إلى جانب النيّة الجادّة من الاتحاد الأوروبي لتوحيد الجزيرة، دون هضم حقوق القبارصة الأتراك، وهذا ما يزيد قلق أردوغان، خوفاً من حلّ الأزمة بعيداً عنه".

ورافق الانتخابات الرئاسية التصويت على استفتاء بخصوص تعديل دستوري ينصّ على زيادة عدد القضاة في المحكمة العليا، وتشير التقديرات الأولية إلى موافقة 49.80%، ورفض 50.20% للتعديلات.

اقرأ أيضاً: غاز القوقاز يورّط أردوغان في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان

وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات؛ أنّ نسبة المشاركة بلغت 54.72%، من أصل 198.867 ناخباً، ممن لهم حقّ الاقتراع، من سكان الشطر الشمالي، البالغ عددهم نحو 300 ألف نسمة.

وفي 20 تموز  (يوليو ) عام 1974، أطلقت تركيا عملية عسكرية، في جزيرة قبرص، بعد أن شهدت الجزيرة انقلاباً عسكرياً قاده نيكوس سامبسون ضدّ الرئيس القبرصي، مكاريوس الثالث، وجرى الانقلاب بدعم من المجلس العسكري الحاكم في اليونان، وشهدت الجزيرة آنذاك أعمال عنف متبادلة بحقّ المدنيين.

وشنّ الجيش التركي عملية عسكرية ثانية، في 14 آب (أغسطس) 1974، وقبل الطرفان بقرار وقف إطلاق النار، وفي العام التالي، أعلنت تركيا تأسيس "دولة قبرص التركية الاتحادية"، في الشطر الشمالي من الجزيرة، وانتُخب رؤوف دنكطاش، رئيساً لها، دون أن تحظى باعتراف أيّة دولة، سوى تركيا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية