لماذا تجر تركيا قطر معها إلى ليبيا؟

لماذا تجر تركيا قطر معها إلى ليبيا؟


18/08/2020

في خضم تصعيدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شرق المتوسط، والتأكيد على المضي قُدماً نحو التنقيب عن الغاز، بل إنه سيشمل رقعاً أوسع، مقللاً من الأسطول اليوناني المستنفر قبالة سواحله، والمدّ الفرنسي الذي بادر دون استدعاء بالتدخل، والموقف الأوروبي "الممتعض" من تركيا، ترك أردوغان تلك الساحة الملتهبة، وتوجّه صوب ليبيا التي تشهد شبه تجميد للموقف، أو كما وصفه وزير الخارجية الألماني "الهدوء الحذر".

في خضم تصعيدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شرق المتوسط، وتوجّهه صوب ليبيا التي تشهد شبه تجميد للموقف

ووفق ما بات معهوداً في سياسة الرئيس التركي، فلا بدّ من المبالغة في الإيهام بالتصعيد، والإسراف في الوعيد، لكي تقتنع الأطراف الأخرى أنّ شيئاً كبيراً على وشك الحدوث، وتتحرّك مطالبة تركيا بالتهدئة والانخراط في الحوار، بعدما كانت أنقرة هي من تطلب من الآخرين الحوار. وسبق أن طالب الرئيس التركي بحوار شامل لدول المتوسط حول ترسيم الحدود، في أعقاب اتفاق بين مصر واليونان في 6 آب (أغسطس) الجاري.

 ومن ثمّ، كان لا بدّ أن تشهد ليبيا، فجأة بعد هدوء، زخماً كبيراً في الأحداث. استدعت تركيا حليفتها قطر للخروج من الكواليس والإعلان صراحة عن دعم حكومة الوفاق، وإشهار المساعدات العسكرية، بعدما كانت تُمرّر من أسفل الطاولة.

ويبدو أنّ زيارة وزيري الدفاع التركي خلوصي أكار، والقطري خالد العطية، إلى ليبيا، التي نشر عنها الإعلام صبيحتها، دون إعلان مسبق، كانت معلومة من قبل الأطراف الفاعلة، خصوصاً ألمانيا التي تُعدّ أكثر الدول الأوروبية المحافظة على علاقة جيدة مع تركيا، والتي تلعب دور الوسيط في محاولة امتصاص التوتر، الذي تتصدره دولة أوروبية أخرى مثل فرنسا.

اقرأ أيضاً: ما هي أهداف زيارة وزيري الدفاع القطري والتركي ليبيا؟

وبالتزامن مع زيارة وزيري الدفاع التركي والقطري إلى ليبيا، طار وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إلى طرابلس والتقى حكومة الوفاق، في الوقت الذي أجرى فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً بنظيره أردوغان. وتقف تركيا وروسيا على النقيض من الأزمة الليبية، حيث تدعم الأولى الوفاق، والثانية الجيش الليبي.

تطرّق الاجتماع الثلاثي بين رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، ووزيري الدفاع التركي والقطري إلى مجالات التعاون العسكري والأمني

وتطرّق الاجتماع الثلاثي بين رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، ووزيري الدفاع التركي والقطري إلى مجالات التعاون العسكري والأمني وبرامج بناء القدرات الأمنية والدفاعية لقوات حكومة الوفاق، وآليات التنسيق بين وزارات الدفاع في الدول الثلاث، بحسب ما أورده موقع "الجزيرة".

وقد حذّر وزير الخارجية الألماني من "هدوء خادع" يسود حالياً البلد الغارق في الفوضى، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية. وأضاف أنّ الطرفين وحلفاءهما الدوليين يواصلون تسليح البلد، ويتشبثون بشروطهم المسبقة لوقف إطلاق النار.

اقرأ أيضاً: استقالة "إخوان الزاوية".. تآكل للتنظيم في ليبيا أم مناورة أخرى؟

ويتجمّد الموقف الليبي منذ أسابيع، حيث يتمركز الجيش الوطني في طرابلس مستنفراً لأيّ هجوم مباغت من ميليشيات الوفاق، ومن خلفه تأهب مصري ودعم فرنسي، فيما تركيا تواصل حشد المقاتلين المحسوبين على بعض الفصائل السورية، بل وتنويعهم ليشملوا صوماليين وتوانسة لدعم حكومة الوفاق، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

 

وقد استمرّ القتال بين الجيش الليبي وحكومة الوفاق 14 شهراً بدعم واصطفافات عدة، غير أنّ كسر الجمود الحالي وبدء عملية من الميليشيات نحو سرت سيطلق شرارة حرب إقليمية، حيث أكدت مصر أنها لن تقف صامتة وأمنها القومي مهدّد.

وتقف مصر وروسيا وفرنسا خلف الجيش الليبي، مقابل حلف تركيا وقطر والولايات المتحدة خلف الوفاق، علماً بأنّ الولايات المتحدة تدعم موقف تركيا لتحجيم النفوذ الروسي في ليبيا.

تمترس دون معركة

لذا، فإنّ مراقبين يستبعدون إقدام الأطراف المنخرطة في ليبيا على معركة عسكرية سوف تستدعي حرباً إقليمية واسعة، وتذهب التوقعات إلى استمرار المراوغات والحشد بهدف أن يخرج كلّ طرف بأكبر مكاسب ممكنة.

يقول الكاتب المصري والخبير في الشأن الليببي محمد أبو الفضل لـ"حفريات": إنّ زيارة وزيري الدفاع التركي والقطري إلى ليبيا تأتي في إطار التحضيرات للتمترس في الموانئ والمطارات والقواعد العسكرية، وتنطوي على ملامح بأعمال جديدة باتجاه سرت والجفرة، وتعزيز الفكرة الأمريكية بشأن نزع السلاح التي يرفضها المشير حفتر؛ لأنها تمنح حكومة الوفاق موطئ قدم في منطقة غاية في الحيوية، وبالتالي تتمكّن أنقرة من تحقيق ما عجزت عن تحقيقه بالحرب.

اقرأ أيضاً: ماذا يحمل وزيرا دفاع تركيا وقطر إلى ليبيا؟

 ويضيف أو الفضل: لذلك من المرجّح أن تظهر توازنات جديدة على الساحة الليبية تخلط الأوراق الحالية؛ لأنّ أيّ تطوّر على الصعيد العسكري سوف يخلق واقعاً جديداً، ويؤدي إلى تغيير في المعادلة الراهنة، والتي لا ترتاح لها أطراف كثيرة، لأنها لا تحقق طموحاتها كاملة.

 

وحول استدعاء تركيا لقطر، قال أبو الفضل: إنّ تزامن زيارة وزيري الدفاع التركي والقطري دلالة على التنسيق والتعاون بينهما في ليبيا، وتؤكد أنّ الدوحة منخرطة في الصراع مثل أنقرة، ولها باع طويل في دعم سياسات حكومة الوفاق التي تعتمد على المتطرّفين والإرهابيين، وأنّ البلدين يقومان معاً بممارسة أعمال عسكرية خطيرة على الساحة الليبية، ولهما الطموح نفسه في الاستحواذ على مفاتيح القرار في طرابلس وضمان استمراره في حال الجلوس على طاولة المفاوضات في أيّ وقت، بعد زيادة تحسين الموقف العسكري لحلفائهم، وهو العامل الذي يحدّد طبيعة حضورهم على الطاولة.

خبير: جرّت تركيا قطر معها في العلن لكي تمنحها دوراً معنوياً يعزّز حظوظها عند الجلوس على طاولة المفاوضات

وأضاف أنّ تركيا سعت إلى جرّ قطر إلى طرابلس، لكي لا تبدو وحيدة في خرق القواعد التي يطالب بها المجتمع الدولي، أو أنّ حكومة الوفاق يقتصر دعمها الظاهر على أنقرة، فهذه الدوحة تقف معها وعلى استعداد لمواصلة دعمها، والذي يصبّ في النهاية ناحية تقوية التيار الإسلامي في ليبيا، استعداداً لحسم عسكري أو سياسي، فتكاتف الدولتين يخلق أيضاً توازناً مقابل ما يتردد عن دعم خارجي يتلقاه الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من دول مختلفة.

وتابع أبو الفضل: جرّت تركيا قطر معها في العلن لكي تمنحها دوراً معنوياً يعزّز حظوظها عند الجلوس على طاولة المفاوضات، ففي مؤتمر برلين في كانون الثاني (يناير) الماضي، ضغطت أنقرة على ألمانيا لدعوة الدوحة لكنّ محاولتها فشلت.

ولفت إلى أنّ دفع قطر إلى الواجهة قد يفرض على أيّ مبادرة جديدة عدم تجاهلها، وخاصة أنها على استعداد لتقديم مزيد من الدعم المادي لتمويل حكومة الوفاق عسكرياً، والمساهمة في دفع رواتب موظفيها وميليشياتها بعد توقف تصدير النفط الليبي وانقطاع عائداته عن المصرف المركزي الذي يتولى الإنفاق على الحكومة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية