لماذا تتوجس إسرائيل من تقارب العلاقات بين روسيا وحماس؟

لماذا تتوجس إسرائيل من تقارب العلاقات بين روسيا وحماس؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
05/11/2020

شهدت الآونة الأخيرة تدخّلاً روسياً ملحوظاً في المشهد الفلسطيني الداخلي؛ حيث استغلّت روسيا حالة الانقسام الفلسطيني للدخول إلى المنطقة، فيما تشهد اللقاءات الروسية مع حماس تطوراً كبيراً، في ظلّ الدعوات الروسية المتواصلة لاستضافة قيادات حركة حماس، أما على صعيد حماس؛ فتسعى هي الأخرى إلى فتح قنوات حوار مع دول عديدة، سواء عربية أو أوروبية، في خطوة لتعزيز حضورها السياسيّ في المنطقة، وفرض معادلة ردع من خلال إفساح المجال أمام تطوير قدرات جهازها العسكري، والذي يعدّ مصدر قوّتها في ظلّ الدعوات الإسرائيلية والأمريكية المطالبة بنزع سلاحها، والذي تواصل تطويره من خلال جلب الخبرات العسكرية الخارجية.

اقرأ أيضاً: إسرائيل غاضبة من تعاظم القدرات العسكرية البحرية لحماس

وفي إطار ذلك تبدي وحدة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي قلقها من فتح روسيا أبوابها والترحيب بقيادة حماس، وفتح قنوات حوار معها، ما قد يدفع حماس إلى استغلال العلاقات وتطويرها من أجل الحصول على دعم وخبرات عسكرية، تخدم برنامجها العسكريّ الذي تواصل الليل بالنهار من أجل تطويره.

وبحسب موقع "حدشوت 24" العبري؛ فإنّ إسرائيل منزعجة من العلاقات بين روسيا وحماس، ويعتقد المستوى الأمني والسياسي في إسرائيل أنّ ثمة تقارباً بين موسكو وحركة حماس، يأتي ضمن مساعي الأخيرة إلى فرض معادلة في منطقة الشرق الأوسط، من شأنها الضغط على إسرائيل، من خلال إشراك روسيا للتدخّل لإيجاد حلّ أمام الضغوطات الإسرائيلية الواقعة عليها، وبذلك تستغلّ حماس الدعم الروسي لمواقفها، وتشرع في بناء قوة سياسية وعسكرية مؤثرة في إسرائيل تحت مظلة روسيا.

"روسيا تلعب دوراً خطيراً"

أما الكاتب والمحلل السياسى في معهد الأمن القومي الإسرائيلي، يوئيل كوهين؛ فقد أشار إلى أنّ روسيا تلعب دوراً خطيراً وحسّاساً في المنطقة، لا سيما بفتح علاقات مع منظمة مصنفة إرهابية كحماس، في حين أنّ وقوف روسيا إلى جانب حماس قد يساهم في دعم مواقفها السياسية في المنطقة على حساب السلطة الفلسطينية، وهذا الدعم يعطي حماس الفرصة في تعزيز وجودها في المشهد السياسي الإقليمي، ويعزّز ذلك من استغلال حماس هذا الدور من أجل تطوير قدراتها العسكرية، في ظلّ وجود نوايا لدى روسيا في إنشاء تحالف مع إيران في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يخدم بالمقام الأول حماس، التي تعدّ أحد أذرع إيران في المنطقة.

كشفت شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي "أمان" معلومات بحصول الجناح المسلّح لحركة حماس على دفعة من صواريخ متقدّمة مضادة للطائرات صنعت في روسيا

 ووجّهت موسكو في مرات عديدة انتقادات حادّة لإسرائيل، وذلك على خلفية شنّ ضربات عسكرية على قطاع غزة خلال الفترات الماضية وإتّهامها بارتكاب المجازر بحقّ الفلسطينيين، وإلى جانب ذلك؛ أكّد السفير الروسي لدى إسرائيل، ألكسندر شاين، في وقت سابق؛ أنّ بلاده لا تعدّ حماس حركة إرهابية، مؤكداً أنّ حماس جزء من واقع التسوية، وهذا من شأنه أن يدعم مواقف حماس ويمنحها انفتاحاً على العالم الخارجي بفضل المواقف الروسية المؤثرة، فيما تخفي روسيا عداءها لإسرائيل، وذلك على خلفية تعرّض القواعد الروسية في سوريا، مؤخراً، لهجمات من قبل سلاح الجوّ الإسرائيلي، وهذا تسبّب بأزمة سياسية قائمة بين البلدين، جعلت إسرائيل في حالة من القلق لعدم رغبتها في انزلاق العلاقات مع روسيا.

حماس: فتح خطوط حوار وبناء علاقات

من جهته، يقول الكاتب والمختصّ في الشأن الإسرائيلي، فارس جرار إنّ "حماس متمسكة بشكل كبير في فتح خطوط حوار وبناء علاقات قوية مع موسكو؛ كون روسيا قوة عظيمة مؤثرة في المنطقة، وتخالف سياسات إسرائيل وأمريكا، وهذا يعزّز من مواقف حماس وحضورها السياسي في المنطقة، الذي من شأنه أن يعطي لحماس التأييد لسياساتها، وينهي عزلتها الإقليمية، وتضغط من خلال ذلك على إسرائيل وتدفعها للتخفيف من حدّة الحصار والعقوبات التي تفرضها عليها في غزة".

ويضيف جرار، في حديثه لـ "حفريات": "توجّه روسيا، هي الأخرى، بفتح علاقات مع حماس، مرتبط برغبة موسكو في العودة للمنطقة، ووضع موطئ قدم لها فيها، وكسر الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، خاصة في ظلّ انشغال المنطقة العربية، ومنذ سنوات طويلة، بالقضية الفلسطينية، التىي تعدّ جوهر الصراع ومركزه، وعن أسباب تجاهل روسيا للسلطة واختيار حماس، يأتي ذلك من باب أنّ روسيا تعدّ الأخيرة جبهة مؤثرة في المنطقة، وتنتهج خيار الكفاح المسلح ضدّ إسرائيل، على غرار السلطة الفلسطينية التي تسير نحو نهج سلميّ وتؤيد المفاوضات والحلّ السلميّ مع إسرائيل، ومن هنا تعدّ حماس بالنسبة إلى روسيا بوابة الدخول وبقوة إلى المنطقة، لخلق ثقل وتوازن يساعدها في لجم احتكار أمريكا وإسرائيل للدول العربية، والتدخّل في شؤونها الداخلية.

اقرأ أيضاً: كيف تنظر إسرائيل إلى تقارب عباس للمصالحة مع حماس؟

ويشير جرار إلى أنّ توجّس إسرائيل من فتح حماس علاقات مع دول عربية وأوروبية، نابع من رغبة حماس المتواصلة في تطوير برنامجها العسكريّ، خاصّة على صعيد تطوير تقنيات الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة، إلى جانب تطوير سلاح الطائرات المسيّرة، وبإمكان توثيق العلاقات مع روسيا منح حماس الفرصة في الحصول على خبرات عسكرية سرّية تقدّمها روسيا، مقابل منح حماس روسيا دوراً سياسياً فعّالاً في المنطقة، تحقّق من خلاله مساعيها. 

هل زودت روسيا حماس بالصواريخ؟

وكشفت شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي "أمان" معلومات أمنيّة تفيد بحصول الجناح المسلّح لحركة حماس على دفعة من صواريخ متقدّمة مضادة للطائرات صنعت في روسيا؛ حيث تمّ تهريبها إلى قطاع غزة من الأراضي الليبية، في حين أعربت الشعبة العسكرية عن قلقها من تداعيات تهريب صواريخ حديثة ومتطورة إلى قطاع غزة؛ حيث إنّ هذه الصواريخ بإمكانها التشويش على حركة سلاح الجوّ، الذي يعدّ من أهم الأسلحة الإستراتيجية للجيش، إلى جانب أنّ هذه الصواريخ باتت تهدّد حركة الملاحة الجوية للطائرات المدنية خلال رحلاتها.

في السياق، أكّد الخبير العسكري، يوسف الشرقاوي؛ أنّ روسيا، كما حماس، التي ترغب في إنهاء عزلتها والحذو نحو الانفتاح الخارجي، تسعى جاهدة لتوثيق علاقات جيدة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة مع الجماعات المناوئة لتوجهات إسرائيل وأمريكا، والمؤثرة فيها، وذلك في خطوة للضغط على أمريكا التي تستفرد بالعرب، وتفرض الهيمنة على المنطقة؛ حيث ترغب روسيا في التدخّل بالقضية الفلسطينية والعمل كوسيط رئيس لإدارة عملية السلام، والتدخّل في حلّ النزاع المتواصل بين قطاع غزة وإسرائيل، بهدف تحقيق مصالحها، كون القضية الفلسطينية من القضايا المهمّة التي يمكن أن تتيح لها نفوذ في المنطقة.

الخبير العسكري يوسف الشرقاوي لـ"حفريات": حماس ترغب في دعوة روسيا للتوسط لتلطيف العلاقات بينها وبين النظام السوري، من خلال الدفع نحو تفعيل العلاقات الثنائية

 ويقول الشرقاوي، لـ "حفريات"؛ إنّ "روسيا تتّجه لكسر هيمنة إسرائيل، التي تتّخذ من أمريكا مصدر دعم وإسناد في المنطقة، من خلال فتح مجال للتعاون العسكريّ مع إيران ونفوذها في الشرق الأوسط، والعمل على بناء تحالف عسكريّ شامل يجمع في ذلك حماس وحزب الله وسوريا، أحد أذرع إيران في المنطقة، وهذا ما يشكّل خطراً على إسرائيل، التي ستواجه تهديداً حقيقياً وخطيراً.

ضائقة في الحصول على السلاح

ويوضح أنّ حماس، التي تعاني من ضائقة في الحصول على السلاح من الخارج، نتيجة الحصار الإسرائيلي المطبق الذي تعانيه غزة، واعتمادها مؤخراً على جهود ذاتية في تطوير قدراتها العسكرية، التي شهدت تقدماً كبيراً بفضل خبرات خارجية حصلت عليها، سيدفعها إلى استغلال العلاقات الروسية من خلال الاستفادة من خبرات عسكرية روسية، تضيف تقدماً في مسيرة تطوير قدراتها؛ كون روسيا من الدول المتقدمة جداً في الخبرات العسكرية.

وتابع: "حماس ترغب، من خلال تقاربها، في دعوة روسيا للتوسط لتلطيف العلاقات بينها وبين النظام السوري، من خلال الدفع نحو تفعيل العلاقات الثنائية إلى ما كانت عليه قبل الثورة السورية، عام 2011، في ظلّ قدرة روسيا في الضغط على النظام السوري الذي يصرّ على إغلاق الأبواب في وجه قادة حماس، على الرغم من الوساطة الإيرانية التي قدّمتها حماس سابقاً ولم تنجح في إعادة العلاقات".

اقرأ أيضاً: كيف أسقطت جائحة كورونا القناع الشفاف عن وجه نتنياهو؟

وفي خضمّ جهود روسيا نحو بناء علاقات بحركات المقاومة الفلسطينية، وسعيها إلى فتح قنوات حوار متواصلة معها، استنكرت إسرائيل، مطلع آذار (مارس) الماضي، استضافة موسكو لوفد من حركة الجهاد الإسلامي، بقيادة الأمين العام للحركة، زياد النخالة، ولقاءهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، وطالب السفير الإسرائيلي في موسكو بالتراجع عن استضافة روسيا للمنظمات الإرهابية المدعومة من إيران، والتي تشكّل خطراً على أمن إسرائيل ومواطنيها، وفي مقابل ذلك لم يمنع هذا الاستنكار روسيا من مواصلة فتح قنوات الحوار مع حركات المقاومة الفلسطينية، وهذا ما يخلق حالة من التوتر لدى الساحة السياسية والعسكرية في إسرائيل.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية