لماذا تئنّ عاصمة الرّومان الفلسطينيّة؟

لماذا تئنّ عاصمة الرّومان الفلسطينيّة؟


04/02/2021

على بعد 12 كيلومتراً إلى الشمال الغربيّ لمدينة نابلس بالضفة الغربية، تقع بلدة "سبسطية"، التي تتربّع على تلة يبلغ ارتفاعها 440 متراً؛ حيث أطلق عليها المؤرخون "عاصمة الرومان الفلسطينية"، لاحتوائها على عشرات القطع والمواقع الأثرية والتي شهدت على الحضارة الرومانية، إلا أنّ البلدة لا تخلو من اعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي المتواصلة، في محاولة للسيطرة على مواقعها الأثرية.

سبسطية تشهد تضييقات إسرائيلية مستمرة، من خلال الاقتحامات المتواصلة ، وهو ما يؤكد نية الاحتلال الإسرائيلي الاستيلاء على المواقع الأثرية، والمعالم التاريخية للبلدة

وهدّدت سلطات الاحتلال الإسرائيليّ، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بإزالة سارية العلم الفلسطيني المنصوبة قرب ساحة الآثار في بلدة سبسطية، شمال نابلس، والتي يصل ارتفاعها إلى 17 متراً، وتقع في المنطقة المصنفة "ب"، بدعوى أنّها تستفز المستوطنين، كما تهدّد إسرائيل بإزالة ساحة البيدر، وهي ساحة معروفة بـ "السوق التجاري" في عهد الرومان، وتقع في المنطقة المصنفة (ب)، وتبلغ مساحتها 12 دونماً، وتقع إلى جانبها، على مسافة لا تزيد عن متر واحد، القصور الملكية الرومانية المعروفة بمركز الحكم في عهد الرومان في المنطقة المصنفة (ج).

وتمتاز فلسطين باحتوائها مواقع أثرية وتراثية متنوعة، نظراً لمرور العديد من الحضارات على أرضها، وبحسب إحصائيات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، فإنّ هناك  6 آلاف و963 موقعاً أثرياً مسجلاً في الضفة الغربية، لكن أغلبها يقع في المناطق المصنفة (ج)، أي تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية كاملة، بحسب اتفاقية أوسلو (1993).

تمتاز فلسطين باحتوائها مواقع أثرية وتراثية متنوعة، نظراً لمرور العديد من الحضارات على أرضها

ووفق اتفاقية أوسلو، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، عام 1993؛ قُسِّمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: المنطقة "أ"، وتمثل 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنياً وإدارياً، أما المنطقة "ب"؛ فتمثل 21% من مساحة الضفة وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، أما المنطقة "ج"؛ فتمثل 61% من مساحة الضفة وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة السلطات الإسرائيلية على أية مشروعات أو إجراءات فلسطينية بها.

ودانت وزارة السياحة والآثار، في 28 أيار (مايو) الماضي، اعتداءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة على المواقع الأثرية الفلسطينية، خاصة موقع سبسطية غرب مدينة نابلس، بعد تدمير الاحتلال منشأة سياحية في أرض تقع بالقرب من المدرج الروماني، وسرقت حجارة الموقع الأثري وأشجار الزيتون من الموقع، وقطع الطريق الواصل للمنطقة الأثرية والذي يصل للمدرج الروماني من الناحية الغربية للموقع الأثري، وكذلك قطع شبكة المياه وشبكة الكهرباء الواصلة في هذا الطريق، بالإضافة إلى هدم غرفة أثرية.

ورأت وزارة العمل أنّه "اعتداء إسرائيلي جديد على مواقع التراث الثقافي الفلسطيني، وخرق فاضح للاتفاقيات والقوانين الدولية الخاصة بحماية التراث الثقافي أثناء فترة الاحتلال، خصوصاً المبادئ المتعلقة بحماية التراث الثقافي أثناء النزاع المسلّح، لعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، واتفاقية لاهاي لعام 1954، الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح، واتفاقية اليونسكو لعام 1972، الخاصة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، والإعلان الدولي الصادر عن اليونسكو حول التدمير المتعمد للتراث الثقافي من قبل الاحتلال لعام 2003".

حصار المستوطنات الإسرائيلية

بدوره، يقول رئيس بلدية سبسطية، محمد العازم: "سبسطية بلدة أثرية يعود تاريخها إلى 3 آلاف عام قبل الميلاد، وتبلغ مساحة أراضيها 5 آلاف دونم، ويسكنها 3 آلاف و500 نسمة، وترجع تسميتها بهذا الاسم من كلمة "سباستي"، وهي المدينة التي أسسها هيرودس الكبير، عام 30 قبل الميلاد، على موقع مدينة السامرة القديمة".

رئيس بلدية سبسطية، محمد العازم

وتابع العازم خلال حديثه لـ "حفريات": "مستوطنة شافي شامرون المجاورة للبلدة تستولي على مساحة 400 دونم من مساحة سبسطية، كما يمنع الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين من الدخول على مساحة 200 دونم من أراضي البلدة، في المنطقة التي تقع حول المستوطنة من جهاتها الأربع، كما يسيطر الاحتلال على 2500 دونم من أراضيها، التي تقع في المنطقة "ج"؛ حيث يمنع العمل أو البناء فيها".

وعن الاعتداءات الإسرائيلية بحقّ البلدة ومواقعها الأثرية، يقول العازم: "مجلس مستوطنات الضفة الغربية، بقيادة يوسي داغان، ينظم برنامجاً لاقتحام المواقع الأثرية بالبلدة، يوم الأربعاء من كلّ أسبوع، إضافة إلى الاقتحامات المتكررة من قبل مجموعات من المستوطنين الذين يحملون لوحات إرشادية كتبت عليها الحديقة العامة سبسطية، والذين يعمدون إلى إغلاق البلدة بهدف تأمين وصول السائحين اليهود إلى المواقع الأثرية، لأداء طقوس دينية، وتعريفهم بالمنطقة على أنّها أرض إسرائيلية".

اقرأ أيضاً: ما الذي يدفع المقدسيين للحصول على الجنسية الإسرائيلية؟

آثار متعددة

وبيّن أنّه "تمّ ترميم عدة مواقع أثرية في المنطقة "ب"، كترميم عدد من الكنائس التي تقع داخل السور الروماني على مسافة أربعة كيلو مترات، وكذلك إعادة تأهيل "ساحة البيدر"، وذلك من قبل مؤسسة التعاون البلجيكي والتعاون الإيطالي، ووزارة السياحة والآثار، والاتّحاد الأوروبي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي"UNDP"، مبيناً أنّ "أعداد السائحين الأجانب القادمين إلى سبسطية يقدَّر بـ 100 ألف سائح سنوياً، إلا أنّه، خلال العام الماضي (2020)، لم يدخل البلدة أيّ سائح، بفعل جائحة كورونا".

وأكّد العازم؛ أنّ "الجيش الإسرائيلي يمنع بلدية سبسطية، ووزارة السياحة والآثار الفلسطينية، من الدخول إلى المواقع الأثرية التي تقع في المنطقة "ج"، لوقوعها تحت السيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية، والتي تضمّ أثاراً متعددة؛ كالملعب والمدرج الروماني، وشارع الأعمدة، ومعبد أغسطس، والقصر الملكي، وساحة البازيليكا، والبرج الهيلينستي، بينما الآثار التي تقع في المنطقة "ب" هي: كاتدرائية يوحنا المعمدان، والمقبرة الرومانية، ومسجد النبي يحيى".

رئيس بلدية سبسطية، محمد العازم  لـ"حفريات": جيش الاحتلال الإسرائيلي يمنع الفلسطينيين من الدخول على مساحة 200 دونم من أراضي البلدة

اقتحامات إسرائيلية متكررة

من جهته، يقول جريس قمصية، المتحدث باسم وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، خلال حديثه لـ "حفريات": "أقدم المواقع والمعالم الأثرية في بلدة سبسطية يعود إلى العصر الحديدي، والحجري النحاسي، ومن ثم تعاقبت على المنطقة الحضارات الآشورية والبابلية والفارسية والكنعانية واليونانية والبيزنطية والرومانية حتى الفترة الإسلامية"، موضحاً أنّ "سبسطية جرى وضعها على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي لمنظمة اليونسكو".

جريس قمصية، المتحدث باسم وزارة السياحة والآثار الفلسطينية

وتابع: "البلدة ومواقعها الأثرية تشكّل مطمعاً لقوات الاحتلال ومستوطنيه، من خلال الاقتحامات شبه اليومية التي تتعرض لها المواقع الأثرية، وكذلك إعاقة عمل موظفي وزارة السياحة والآثار، في محاولة للهيمنة والسيطرة على المواقع الأثرية الفلسطينية"، مؤكداً أنّ "هناك كنوزاً أثرية وتاريخية تحتفظ بها بلدة سبسطية لم يتمّ اكتشافها إلى يومنا هذا".

وأوضح قمصية؛ أنّ "المنطقة في حاجة إلى تطوير دائم لحمايتها والمحافظة عليها، عبر شقّ البنى التحتية اللازمة لاستيعاب المزيد من الحركة السياحية الخارجية، داعياً المؤسسات الدولية التي تعنى بحماية التراث والآثار للضغط على الاحتلال الإسرائيلي إلى السماح بوصول طواقم السياحة والآثار إلى المواقع الأثرية في المناطق المصنفة "ج"؛ لحمايتها من لصوص الآثار وعمليات التنقيب غير الشرعية".

اقرأ أيضاً: بتير .. جنة فلسطينية يسعى الاستيطان الإسرائيلي لجعلها جحيماً

مسمّيات وهمية

ويرى غسان دغلس، مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية؛ أنّ "محافظة نابلس تحيط بها 12 مستوطنة إسرائيلية، وما يزيد عن 37 موقعاً عسكرياً، وبؤرة استيطانية، حيث تشهد المحافظة اعتداءات مستمرة من قبل المستوطنين الذين يعتدون على أراضي المواطنين المزروعة بأشجار الزيتون وقطعها، وإطلاق الخنازير البرية، وتصريف المياه العادمة عليها"، مشيراً إلى أنّها "إجراءات إسرائيلية للتضييق على السكان الفلسطينيين، لمنعهم من الوصول إلى أراضيهم".

وتابع دغلس، في حديثه لـ "حفريات": "بلدة سبسطية تشهد تضييقات إسرائيلية مستمرة، من خلال الاقتحامات المتواصلة من قبل مجموعات المستوطنين لمواقعها الأثرية، تحديداً في المنطقة "ج"؛ حيث تضمّ تلك المنطقة غالبية المواقع الأثرية التي توجد في سبسطية، وهو ما يبين نية الاحتلال الإسرائيلي بالاستيلاء على المواقع الأثرية، والمعالم التاريخية للبلدة".

غسان دغلس، مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية

وأكّد أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يحاول تزوير الوقائع والتاريخ على الأرض، بإطلاق مسميات وهمية على أنّ سبسطية تعدّ عاصمة السامرة الشمالية، وهي إجراءات استيطانية تهدف إلى ضمّ المنطقة الأثرية، لما تسمَّى بدائرة الحدائق العامة الإسرائيلية".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية