بعد قرار المملكة المغربيّة إقامة علاقات دبلوماسيّة مع إسرائيل، مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربيّة على الصحراء الغربيّة، تزايدت الانتقادات بين الأحزاب والمنظمات السياسيّة في أكبر ممالك الشمال الأفريقيّ، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الإسلاميّ الحاكم.
اقرأ أيضاً: ماذا تريد قطر مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟
ووصف المعارضون هذه الاتفاقية، التي تمّت برعاية الولايات المتحدة، بأنّها خطوة متسرّعة، موضحين أنّ السيادة المغربية على الصحراء الغربيّة لا تشترط إقامة العلاقات مع إسرائيل،لكن مرّة خرى وقع الإخوان في فخّ التناقضات حيال موقفهم من التطبيع مع إسرائيل.
المكاشفة
كان على رئيس الوزراء، سعد الدين العثماني، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، أن يوضح موقفه بشأن الاتفاق الجديد، والذي تمّ الإعلان عنه، الخميس الماضي، خلال عطلة نهاية الأسبوع في مؤتمر عقد بالعاصمة المغربيّة الرباط، وفي آب (أغسطس) الماضي؛ صرّح العثماني بأنّ بلاده تعارض التطبيع مع إسرائيل، ولا توافق على خطة الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، والتي رسمها من أجل شرق أوسط جديد، ويكرّر الآن أنّ الحكومة ما تزال تدعم النضال الفلسطيني من أجل الاعتراف بالسيادة على حدود 1967، لكنّ ردّ العثماني لم يرضِ خصومه الذين دانوا القرار، ووصفوه بأنّه متسرع ودعوا الحكومة إلى التراجع على أساس أنّ السيادة المغربية على الصحراء الغربية، لا يجب ربطها بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما يجادل معارضو التطبيع مع إسرائيل بأنّ مثل هذه الخطوة تتعارض بشكل مباشر مع دعم المغرب التاريخي للفلسطينيين وحقّهم في السيادة.
وعلى عكس شركائه في الائتلاف الحكومي الذين أيدوا الاتفاق، استغرق الأمر من حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم يومين للردّ، بعد ظهور خلافات بين القيادة العليا للحزب، وفق ما تداولته صحيفة "هآرتس"، ووافق حزب العدالة والتنمية على ما يقوم به الملك محمد السادس من دعم للقضية الفلسطينية، وجدّد "موقف الحزب الصارم ضدّ الاحتلال الصهيوني" على حدّ زعمهم.
اقرأ أيضاً: هل يأتي قرار تطبيع العراق مع إسرائيل من النجف؟
وعبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، قال الحزب في بيانٍ له؛ إنّ الولايات المتحدة أصدرت إعلاناً مهمّاً، يؤكّد سيادة المغرب على ولاياته الجنوبية، ويفتح آفاقاً جديدة لتعزيز مكانة المغرب في المحافل الدّولية، كما أنّه يزيد من عزلة خصوم وحدتنا الترابيّة.
بعد صمت مطبق عن إصدار أيّ بيان من الإخوان، يطالب قطر بقطع علاقتها مع إسرائيل، يأتي الدور على إخوان المغرب بعد مباركة إعلان التطبيع مع إسرائيل
بعد إعلان الاتفاق، هاتف الملك محمد السادس، صاحب الرأي الأخير في القرارات الدبلوماسية الكبرى، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأخبره بأنّ بلاده ما تزال ملتزمة بحلّ الدّولتين لإنهاء الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، ووفق إعلان الرئيس ترامب؛ فإنّه بمقتضى هذا الاتفاق، ستفتح الولايات المتحدة قنصلية لها، كما أكّد مجلس الوزراء المغربي ووزارة الشؤون الخارجية، أنّ هذا الاتفاق سيكون له آثار بعيدة المدى على الصعيد الإقليميّ والدوليّ والمحلّي.
ما الجديد؟
وفق الاتفاقية؛ ستستأنف الدولتان العلاقات الدبلوماسيّة الجزئيّة في المستقبل القريب، وتطلقان رحلات جوية مباشرة، وتعززان التعاون الاقتصادي والتكنولوجي. ومع ذلك؛ فإنّ المغرب لم يلتزم بفتح سفارة في إسرائيل، لكنّه سيفتح مكاتب للاتصالات التجاريّة، كما كان قبل 2002، ولن يقيم علاقات دبلوماسية كاملة، وفق ما تداولته وكالة "فرانس 24".
وكان أهم ما ميّز التطبيع المغربيّ مع إسرائيل؛ التناقضات في الموقف الإخواني، الذي ندّد سابقاً بتطبيع الإمارات والبحرين والسودان، ثمّ استقبل تطبيع المغرب بتفهّم، بعد أن صمت ليومين كاملين، ثمّ نشر بيانه عبر موقع تويتر.
وعبّر عن معضلة الإخوان، ناشط على "فيسبوك"، قائلاً: "الإسلاميون بدؤوا يطحنون بعضهم، بعد مشاركة الحركة الإسلامية (إخوان أراضي 48)، في الكنيست الإسرائيلي، وبعد مشاركة الحزب الإسلامي (إخوان العراق) في مجلس بريمر (مجلس معين من قبل الاحتلال الأمريكي للعراق)، وبعد عشرين عاماً من حكم أردوغان وحزب التنمية العدالة التركي (جذور إخوانية واضحة) المطلق لتركيا، مع علاقات مميزة مع إسرائيل (6 مليارات دولار تبادل تجاري بين تركيا وإسرائيل العام 2019 فقط، و400 ألف سائح إسرائيلي وثلاث زيارات لأردوغان لإسرائيل)، وبعد مباركة مرسي لصديقه بيريز بعيد (الاستقلال) لإسرائيل، وبعد مباركة إخوان البحرين عن معاهدة السلام مع إسرائيل، وبعد فضيحة معارضة الغنوشي وحركة النهضة الإخوانية لمشروع قانون لتجريم التطبيع في تونس".
يتابع الناشط: "وبعد صمت مطبق عن إصدار أيّ بيان من الإخوان، يطالب قطر بقطع علاقتها مع إسرائيل ( على العكس يجري استثمار هذه العلاقة لتمرير الأموال لحماس بحماية الجيش الإسرائيلي نفسه وترتيب الهدنة تلو الهدنة بين حماس وإسرائيل )، الآن يأتي الدور على إخوان المغرب وحزبهم الحاكم بعد مباركة إعلان التطبيع بين المغرب وإسرائيل".
هل يصارع الإخوان من أجل البقاء؟
وعبر صفحته الخاصة على موقع "تويتر"، غرّد الصحفي الفلسطيني، ياسر الزعاترة، مندداً ببيان حزب العدالة والتنمية الذي وصفه بـ "التافه".
ويرى الباحث في العلوم السياسية، والكاتب الصحفي المغربي، إبراهيم حياني؛ أنّ "تناقضات الإخوان المسلمين ليست بجديدة، لا سيما أنّها تمرّ بأزمة تنظيمية كبيرة عبر العديد من بؤر تواجدها".
وقال حيّاني لـ "حفريات": "حركة الإخوان المسلمين تعيش حالة من الانهيار التنظيمي، يجعل مسألة تواجدها على الساحة مقتصراً على البحث عن أسباب البقاء على قيد الحياة، بدل سياسة الهجوم وتجييش الشارع التي كانت تعمل بها قبل تحولات ما بعد الربيع العربي، وبالتالي أيّ موقف حالي فيما يخصّ مسألة التطبيع، أو أيّة قضية من القضايا الإقليميّة الكبرى، سيجعل موقف الحركة يزيد تعقيداً، أكثر فأكثر، ذلك أنّه بحكم الضربات القاسية التي تلقتها جعل منها تنظيماً ينتقل من المعارضة رقم واحد والأشدّ شراسة لمعظم الأنظمة بالمنطقة، إلى مجرد جماعة بالكاد تبحث عن أساليب البقاء على قيد الحياة".
وهذا يعني في نظر حيّاني أنّ الهدف الحالي للحركة هو "إنقاذ نفسها بدل البحث عن إنقاذ الآخرين، ناهيك عن أنّ هناك تضييق لهامش المناورة لدى الحركة في عدد من الدول الغربية، بالنظر لتزايد دعاوى الاتهام بالإرهاب هو ما يجعلها تنأى بنفسها بالوقت الحالي عن كلّ ما من شأنه أن يدقّ المسمار الأخير في نعشها، خاصة موضوع التطبيع الذي له علاقة مباشر بإسرائيل، صاحبة الذراع الطولى في أهم المؤسسات والنخب النافذة والصانعة للقرار بالغرب بشكل عام".
الكاتب المغربي إبراهيم حياني لـ"حفريات": حركة الإخوان تعيش حالة من الانهيار التنظيمي، يجعل مسألة تواجدها على الساحة مقتصراً على البحث عن أسباب البقاء
وعلى حد تعبير حيّاني، فإن "الشارع العربي أصبح يتقبّل، شيئاً فشيئاً، الأمر الواقع وهو وجود إسرائيل، وهذا ما جعل مسألة ما كانت ورقة تجييش الشارع، وما كان يشكّل شبه إجماع سابقاً لم يعد ذلك، فنخب كثيرة أصبحت تجاهر بعلاقاتها باسرائيل وبقبولها بالتطبيع، بالتالي؛ ورقة الشارع التي كانت تستخدمها الحركة لم تعد الورقة الأقوى، وهذا في حدّ ذاته يشكّل تحولاً سلبياً ضدّ الجماعة".