عبدالسلام سكية
أدت ضغوط الجزائريين، من علماء ومشايخ وأحزاب ومنظمات جمعوية وصحافة وطنية، إلى سقوط المغربي، أحمد الريسوني من على هرم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لتضع بذلك حدا لمهمة قذرة ونهاية مسار لمن تطاول على سيادتها، ليكون عبرة للآخرين في أن الجزائر خط أحمر.
أعلن الريسوني استقالته من رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مبررا قراره بـ”الحرص على ممارسة حرية التعبير دون ضغوط”، على إثر تصريحات جد خطيرة تفوّه بها في حق الجزائر وموريتانيا والصحراء الغربية، قبل أن تكلفه المغادرة من الباب الضيق.
وقال داعية البلاد المغربي، في رسالة نشرها على موقعه الإلكتروني، الأحد، “قرّرت تقديم استقالتي من رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، زاعما أن هذا القرار جاء “تمسكا مني بمواقفي وآرائي الثابتة الراسخة التي لا تقبل المساومة وحرصا على ممارسة حريتي في التعبير، بدون شروط ولا ضغوط”، بينما لا يخفى على أحد أنها كانت نتاج ضغط عال في مستويات شعبية وربما أخرى خفيّة، جعلت المخزن يخسر موقعا مرموقا حاول استغلاله لتمرير أطروحته الاستعمارية لمغالطة الرأي العام العربي والإسلامي.
وأوضح الريسوني الذي قدم نفسه أنه من بنات أفكار علال الفاسي – صاحب الفكرة التوسعية الحالمة بضم أجزاء من الجزائر وموريتانيا ويصل حتى السنغال- في نص الاستقالة أنه حاليا “في تواصل وتشاور مع فضيلة الأمين العام” للاتحاد، علي القره داغي، “لتفعيل قرار الاستقالة وفق مقتضيات النظام الأساسي للمنظمة”.
ولاحقا، كشف مجلس أمناء الاتحاد قبوله استقالة المغربي أحمد الريسوني من رئاسة الاتحاد، مع إحالتها على الجمعية العمومية الاستثنائية للبت فيها، وفقا لما أوردته ذات المنظمة في بيان لها.
وأشار المصدر إلى أن “مجلس الأمناء للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وافق على الاستجابة لرغبة أحمد الريسوني بالاستقالة من رئاسة الاتحاد، وذلك تغليبا للمصلحة وبناء على ما نص عليه النظام الأساسي للاتحاد”، وهو ما يوحي بوضوح إلى أن المعني كان مدفوعا لترك منصبه ما يجعل استقالته إقالة في واقع الأمر، وليست خروجا طوعيّا، مثلما يحاول المعني تسويقه باسم ممارسة حق التعبير بحرية.
وإذا كان الريسوني قد صنف انسحابه الاضطراري من رئاسة الاتحاد في خانة “الاستقالة”، فإن تطور الأحداث يثبت انتفاضة المشايخ والدعاة والطبقة السياسية ضده، منذ أن أطلق تصريحاته الرعناء في حق الجزائر وموريتانيا أيضا، كما أدانت التصريحات جهات رسمية، منها المجلس الإسلامي الأعلى –تحت وصاية رئاسة الجمهورية- ولجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية.
كما لم تمض تصريحات الريسوني مرور الكرام بالنسبة للشقيقة موريتانيا التي لم تسلم هي الأخرى من سهامه المسمومة، حيث وصفت هيئة العلماء المسلمين الموريتانيين هذه التصريحات بـ”المريبة والمستفزة”، معتبرة أن هذا النوع من الدعوات “لا علاقة له بوحدة الصف الإسلامي” وأنه “تطاول” على سيادة الدول.
بدوره، اعتبر المجلس الأعلى للأئمة الصحراويين أن دعوة الريسوني الى “الجهاد” ضد الصحراء الغربية والجزائر وموريتانيا، يأتي “إرضاء وتملقا لنظامه الاستعماري التوسعي وتجاهلا للعدو الحقيقي للأمة الاسلامية ولشعوبها والذي ارتمى في أحضانه النظام المغربي”.
وكان التحرك الأكبر لقيادات جمعية العلماء المسلمين وباقي الأعضاء الجزائريين المنخرطين في الاتحاد العالمي، حيث قرر هؤلاء وعددهم 24 تجميد نشاطهم في الاتحاد إلى حين إعفاء الريسوني من منصبه إما بالاستقالة أو الإقالة، كما حرصوا على كشف الأخطاء الشرعية والفقهية التي وقع فيها الريسوني الذي يوصف بأنه “ضليع في علم المقاصد”، قبل أن يضيع البوصلة وينخرط في اللعبة السياسية التي رسمها المخزن.
واعتبر رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عبد الرزاق قسوم، أن قبول الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لرغبة الريسوني بالاستقالة، جاء استجابة للمطالب العادلة والمشروعة لعلماء الجزائر.
وأوضح قسوم في تصريح له أن استقالة الريسوني من منصبه جاءت “استجابة لمطالبنا العادلة والمشروعة”، مشيرا إلى أن الاستقالة تعد “الهدف المنشود لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وخبر استقالتها وقبولها أمر بالغ الأهمية”، ونبه أن المغربي الريسوني –وفق ما جاء في رسالة الاستقالة– “قد تصلب وبقي محافظا على مواقفه”.
وعن استئناف النشاط في الاتحاد، قال قسوم، بصفته عضوا في مجلس الأمناء، أنه سيستأنف نشاطه “بكل اعتزاز”، وذلك بعد أن “تحققت أهداف الرأي العام الجزائري”، كما أكد أنه “سيشارك في الجمعية العامة القادمة لهذه الهيئة رفقة بقية الأعضاء”.
من جانبه، أكد أبو جرة سلطاني، بصفته رئيس منتدى الوسطية وعضو في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن موافقة الاتحاد على استقالة الريسوني جاءت على خلفية “الضغط الذي مورس عليه من جميع الجهات، على غرار علماء الجزائر وموريتانيا وغيرهم”.
للعلم، فإن الريسوني، وفي حوار مع قناة محلية مغربية، دعا للجهاد ضد الجزائر وضم تندوف للمملكة المغربية وإلحاق كامل موريتانيا كذلك، ومما قاله إن “المغاربة مستعدون للزحف نحو تندوف لتحرير صحرائهم”، وأشار إلى أنه “حتى وجود موريتانيا غلط، فضلا عن الصحراء والمغرب يجب أن يعود كما كان قبل الغزو الأوروبي”، ورغم فداحة ما وقع فيه، إلا أنه بقي مصرا على الخطأ دون توبة أو اعتذار إلى أن سقط بالضربة القاضية غير مأسوف على رحيله.
عن "الشروق" الجزائرية