لعبة جر الحبل بين الأحزاب الشيعية في العراق

لعبة جر الحبل بين الأحزاب الشيعية في العراق


22/11/2021

فاروق يوسف

"اما أن ينعم الجميع بالأمن والخير أو يُحرم الجميع." قائل تلك الجملة هو أبو حسين الحميداوي زعيم كتائب حزب الله في العراق. وهي تمثل واحدا من شعارات الأحزاب الخاسرة في الانتخابات الأخيرة التي تهدد بقلب الأوضاع إذا ما تم استبعادها من الحكم وحرمانها من الجزء الأكبر من غنائمها.

ذلك منطق العصابة التي يحرص أفرادها على أن يحذر بعضهم البعض الآخر في الوقت الذي لا تكف عيونهم عن النظر إلى الآخرين باعتبارهم العدو الذي يشكل وجوده مصدر خطر. الآخرون هنا هم الشعب العراقي الذي نقلت تقارير منظمات حقوق الإنسان أن نصف مليون من أطفاله مشردون في الشوارع يعتاشون عن طريق التسول.

كانت العصابة قد عاشت زمنا خال من المنغصات والهموم في ظل ما يُسمى بالديمقراطية التوافقية التي لمت الجميع في سلة واحدة وجعلت الأطراف كلها تنعم بثروات العراق من غير أن يزيد شيء منها من أجل انفاقه على البنية التحتية التي ظلت مدمرة ناهيك عن زيادة مستمرة في اعداد الفقراء والعاطلين عن العمل وبالأخص بين صفوف خريجي الجامعات.

بعد فوز التيار الذي يقوده مقتدى الصدر في الانتخابات صار لزاما ان يحدث انقلاب في تلك المعادلة الجاهزة. فنظام المحاصصة الحزبية "الطائفية" قد صار في حكم المنتهي بسبب فشله السياسي والفساد الذي هو العمود الفقري الذي يستند إليه الجسم السياسي لتحالفات هي في حقيقتها بيوت مافياوية كانت عاجزة عن انتاج العناصر التي يمكن من خلالها أن تتجدد وتثبت قدرتها على احتواء تداعيات المشهد العراقي المتفجر.

لقد هُزمت أحزاب النظام الطائفي في أول مواجهة حقيقية مع الشعب في تشرين 2019 بحيث أنها تخلت عن منصب رئيس الوزراء لتسلمه إلى رجل لا تثق به هو مصطفى الكاظمي والذي تتهمه بالولاء للولايات المتحدة ومعاداة إيران وهي تهمة تكفي لتصفيته جسديا لو لم يشكل الرجل لها طوق نجاة. وقد كان كذلك، ولكن مؤقتا في انتظار أن يلحق بها الشعب العراقي الهزيمة النهائية. وكانت ضربة الانتخابات إيذانا بإعلان النهاية.

قبل الانتخابات كان مشروع الأحزاب وهو مشروع إيراني يقوم على أن يتم اعلان موت نظام المحاصصة الطائفية لفشله وفساده تمهيدا لقيام نظام الغالبية الطائفية. تلك فكرة لطالما جهر بها نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق وهو أكثر الطائفيين تشددا في انحيازه لضرورة استمرار النزاع الطائفي المسلح إلى يوم الدين. ومن الطبيعي أن يكون الحشد الشعبي الذي هو مجموعة الميليشيات الشيعية لموالية لإيران هو جيش ذلك النظام. بمعنى أن نظام الأغلبية الطائفية هو الواجهة لدولة الحشد الشعبي.

حدث وأن انقلبت الآية وجاءت الانتخابات بنتائج تعكس على نحو نسبي واقع الحال الذي انتهى إليه النظام الطائفي والذي اتفق الجميع على فشله غير أن الخلاصة لم تكن في صالح الميليشيات والأحزاب التي كانت تخطط من أجل الانقلاب على الشعب والذهاب بالعراق إلى الجحيم الإيراني. لقد هُزمت الأحزاب التي أدارت النظام الطائفي وحُرمت من إمكانية الاستفادة من موته. ولذلك تراجعت عن خططها السابقة وصار جل ما تتمناه أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات. لا غالب ولا مغلوب ولتذهب الديمقراطية وأصوات الشعب والثلاثة مليارات دولار التي أُنفقت من أجل اجراء الانتخابات ولجان الرقابة الدولية إلى بلاد الواق واق. فالهدف أن يعيش المرتزقة في حالة صلح داخلي تحاشيا لقيام حرب شيعية شيعية يُقال إن إيران غير راغبة في وقوعها. فهل ترغب الأحزاب في أن تتورط في حرب من ذلك النوع وفي مواجهة عدو رث غير أنه خشن هو مقتدى الصدر؟

التهديد بحرمان الجميع من الغنائم إذا لم تبق الأحزاب ترفل في نعيم مكتسباتها التي صارت بمضي الوقت حقوقا يشير إلى أن هناك أطرافا تستعد للحرب بغض النظر عن الرأي الإيراني المعلن الذي قد يكون عبارة عن محاولة منافقة لتضليل الرأي العام في العراق. فتلك الحرب إن قامت فإن إيران ستكون طرفا رئيسا فيها وقد تكمل من خلالها حرب الثمان سنوات التي وقعت في ثمانينات القرن الماضي.              

مقتدى الصدر من جهته كونه الطرف المقصود بالتهديد يدرك أن الميليشيات والأحزاب الشيعية الخاسرة جادة في ما تقول. فمن الجنون تصديق أن تلك القوى الغارقة في الفساد سترضى بالذهاب إلى المعارضة والتخلي عن ملذات الحكم. لذلك كانت شروطه من أجل البدء بحوار جاد مع المهزومين تعجيزية ولن يقوى أحد منهم على تنفيذ جزء بسيط منها.

لعبة جر الحبل مستمرة في انتظار أن ينقطع الحبل فيما يظل نصف مليون طفل يتسولون في شوارع المدن العائمة على بحر من نفط.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية