لبنان جديد ينبعث من رماد الكارثة

لبنان جديد ينبعث من رماد الكارثة


10/08/2020

بقي لبنان لسنوات من غير رئيس إلى أن فرض حزب الله الجنرال ميشال عون رئيسا. كان عون آخر جنرالات الحرب الأهلية.

بعد استقالة سعد الحريري من منصب رئاسة الوزراء فرغت الساحة إلى أن أتى حزب الله بحسان دياب من الجامعة الأميركية ليكلفه بتأليف حكومة، لم يكن مفاجئا أنها صافية الولاء لحزب الله.

هكذا اختتمت الحفلة.

استطاع حسن نصرالله أخيرا أن يكون المرشد الأعلى الصغير.

نجح سيد المقاومة في أن يضع الدولة اللبنانية تحت ابطه ليكون مرجعها السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري.

كان الأصل لديه يعود إلى الجمهورية الإسلامية في إيران. شبيه خامنئي الذي هو خادمه يضع عون ودياب وأفراد حكومته في مكانة التابعين الذين ينفذون أوامره وما عليهم سوى السمع والطاعة.

هذا هو الوضع السياسي في لبنان الذي كان الانهيار الاقتصادي من نتائجه.

وإذا كانت الحكومة لم تصدر بيانا يوضح ما جرى في ميناء بيروت فإن الرئيس اللبناني قد برأ نفسه وعهده من مسؤولية ما جرى. غير أنه في الوقت نفسه رفض أن يُجرى تحقيق دولي.

إذا كنت بريئا فخامة الرئيس فلماذا ترفض التحقيق الدولي؟

إعلان البراءة هو رسالة إلى المرشد الأعلى الذي أعلن هو الآخر عن رفضه إجراء تحقيق دولي، كونه يشكل تدخلا في شؤون لبنان الداخلية. فنحن يقتل بعضنا البعض البعض الآخر ويهدم بيته على رأسه وذلك شأننا.

وبذلك يكون حزب الله قد أقام نظاما سياسيا جديدا لا علاقة له بالنظام الذي أنشئت على أساسه الجمهورية اللبنانية. لم يعد لبنان المستقل موجودا.

ذلك ما أشار إليه الرئيس الفرنسي ماكرون حين اجتمع بالسياسيين. ينقصه أن يسألهم "أين لبنان؟"

قال حزب الله من خلال إعلامه إن معلومات الرئيس الفرنسي استخبارية وعن بعد. لقد هالهم أن يكون ماكرون أكثر قربا إلى الشعب في محنته من رئيسهم الدمية الذي خشي أن يقترب من الشعب. فالجريمة التي تبرأ منها تلاحقه أشباح ضحاياها.   

المرشد الأعلى هو الآخر نفى أية علاقة بين حزبه وميناء بيروت في حين تؤكد جميع المصادر على أن العنبر 12 حيث حفظت المادة القاتلة عائد إلى حزب الله إذا لم يكن الميناء كله كذلك.

لقد اعتبر نصرالله الانفجار العظيم الذي دمر نصف بيروت مجرد حادث. غير أنه سعد بذلك الحادث سرا إذ اعتبره بداية للانفراج بعد أن أدار المجتمع الدولي ظهره للبنان بسبب امتناع حكومته عن التعامل جديا مع وصايا الاصلاح التي جعل منها صندوق النقد الدولي قاعدة لانقاذ الوضع المالي.

وإذا ما كان الرئيس الفرنسي ماكرون قد أكد على أن العالم لن يقدم للبنان شيكا على بياض وأنه بات ضروريا أن يتم تغيير النظام السياسي الغارق في الفساد فإن الوضع المأساوي الذي خلفه الانفجار سيشكل عنصر ضغط من أجل تأجيل ذلك الشرط.

"فك الحصار الأميركي" ذلك هو الشعار والمحتوى الذي تدور حوله فكرة حزب الله مرحلة ما بعد الانفجار العظيم. ذلك ما يؤكد انفصال الحزب عن الواقع. فالجريمة التي وقعت بتدبير مبيت قد خلقت واقعا لن تستطيع الطبقة السياسية الفاسدة أن تدرك معطياته. ذلك واقع يتخطى الأسئلة التقليدية إلى العمل المباشر وهو ما ينقل التظاهرات من طابعها الاحتجاجي إلى الضغط في اتجاه تغيير النظام السياسي القائم وهدم كل مرتكزاته الطائفية ونزع سلاح الميليشيات الذي يستند إليه ويستقوي به على الشعب.

من المؤسف القول إن العالم ينتظر عما يمكن أن يسفر عنه صدام الشعب بالطبقة السياسية التي تنتظر المساعدات الدولية لكي تباشر القيام بدورها في سرقة المال العام.

نحن إزاء مشهد سيُعاد تركيبه مرات عديدة من أجل أن يثق العالم بسلامة موقفه من الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان التي لا يهمها شيء بقدر ما يهمها الحفاظ على مصالحها.

هناك حاجة لأن يثق الشعب اللبناني بالمجتمع الدولي لكي يرى في صدامه مع الطبقة السياسية معنى ولو سارت الامور مثلما تحلم دمى حزب الله فإن كل شيء سيأخذ طابعا عبثيا. لذلك فإن البدء بالتحقيق الدولي مقترنا بالإشراف الدولي على المساعدات من شأنه أن يشكل عنصر ضغط ايجابي بالنسبة للشعب الذي صار على يقين من أن عهد الفساد قد شارف على نهايته.

لا يرى الشعب مستقبله إلا مع ولادة نظام سياسي جديد. ولن يولد ذلك النظام إلا إذا استعد العالم لاستقبال لبنان جديد.

عن "ميدل إيست" أونلاين


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية