
تواجه جماعة حزب الله في لبنان صعوبة في تلبية التزاماتها المالية بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وما ألحقته من أضرار جسيمة على بنية الحزب مادياً وبشرياً، في ظل إغلاق الكثير من أبواب التمويل.
وأحبط جهاز أمن المطار اللبناني محاولة تهريب أكثر من مليوني دولار أمريكي من إيران إلى لبنان عبر مطار صبيحة في تركيا يعتقد أنّها مرسلة إلى (حزب الله)، وذلك بعد حظر هبوط الطائرات المدنية الإيرانية في مطار بيروت، وإخضاع الرحلات المقبلة من العراق للتفتيش الدقيق، فيما يبدو أنّ الجماعة المدعومة من إيران تبحث عن طرق جديدة لإمدادها بالمال والسلاح بعد انحسار نفوذها في سوريا إثر سقوط نظام بشار الأسد.
ولم تعلن السلطات اللبنانية أيّ تفاصيل عن الحادثة، وتُجرى تحقيقات للكشف عن الجهات المتورطة في عملية التهريب، وكشفت مصادر لبنانية أنّها المرة الأولى التي يجري فيها ضبط نقود، ولم تُعلق جماعة حزب الله بعد.
وقالت وزارة المالية اللبنانية: إنّ الشخص الموقوف والأموال المضبوطة ستحال إلى قسم التحقيقات في المديرية العامة للأمن العام.
وأضافت في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية، دون الإشارة إلى حزب الله: "بإشارة من مدعي عام التمييز سيصار إلى تسليم الموقوف والمضبوطات إلى دائرة التحقيق في المديرية العامة للأمن العام".
ولم تُعلق جماعة حزب الله اللبناني حتى اللحظة، بحسب وكالة (رويترز) التي حاولت التواصل مع قادته والناطقين الإعلاميين باسمه.
في عام 2022 قدرت وزارة الخارجية الأمريكية أنّ إيران تزود حزب الله بما يصل إلى (700) مليون دولار سنوياً.
وكانت السلطات اللبنانية قد أوقفت رحلة جوية إيرانية إلى بيروت في وقت سابق من هذا الشهر بعد تهم وجهت لإيران باستخدام طائرات مدنية لتهريب الأموال إلى بيروت لتسليح الحزب.
ويخشى المسؤولون اللبنانيون من تهريب إيران أموال لحزب الله عبر الطيران المدني، ممّا يعطي ذريعة لإسرائيل لاستهداف المطار.
وتأتي محاولة تهريب الأموال من إيران إلى (حزب الله) عبر تركيا، بعدما أقفلت الأجواء اللبنانية أمام الطائرات المدنية الإيرانية، وفرض رقابة مشددة وتفتيش دقيق على الطائرات المقبلة من العراق.
ونقلت صحيفة (الشرق الأوسط) بعد الكشف عن هذه العملية: أنّها "محاولة جديدة من حزب الله للحصول على الأموال من إيران عبر تركيا بعد إقفال وسائل تمويله من البرّ عبر سوريا، وبعد حظر الرحلات المقبلة من إيران، والتفتيش الدقيق لمئات القادمين من الخارج إلى بيروت في حال توفّر شبهات عن دور لهم في عمليات مثل هذه"، لافتة إلى أنّ ذلك "ينسجم مع الإجراءات الأمنية التي فرضتها ظروف الحرب الإسرائيلية على لبنان، وحتى لا يكون المطار موضع شبهة أو عرضة للاستهداف".
في عام 2022 قدرت وزارة الخارجية الأمريكية أنّ إيران تزود حزب الله بما يصل إلى (700) مليون دولار سنوياً.
وتفاخر زعيم حزب الله الراحل حسن نصر الله في خطاب ألقاه عام 2016 بأنّ تمويل الجماعة يأتي بشكل أساسي من إيران. ولم يكشف عن أيّ أرقام مالية قائلاً: "ميزانيتنا ورواتبنا ونفقاتنا وطعامنا ومياهنا وأسلحتنا وصواريخنا من الجمهورية الإسلامية الإيرانية".
وبحسب شبكة (بي بي سي) فإنّ تمويل إيران لحزب الله يتمّ من خلال الحرس الثوري الإيراني الذي ساعد في تأسيس الحزب في الثمانينيات، كما أنّه هو أيضاً المورّد الرئيسي للأسلحة لحزب الله اللبناني، بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار المتقدمة.
هذا، ويعتمد الحزب بشكل متزايد على مصادر أخرى، وفقاً للباحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى حنين غدار، التي قالت: إنّه "بسبب العقوبات المفروضة على إيران، وصل الأمر إلى نقطة، لم يعد الإيرانيون قادرين فيها على إرسال المبلغ نفسه من المال إلى حزب الله".
ووفقاً لمؤلف كتاب "حزب الله: البصمة العالمية لحزب الله اللبناني" لماثيو ليفيت، فإنّ الجماعة، بالإضافة إلى تمويلها من إيران، تعتمد أيضاً على عائدات ناتجة عن أنشطة مالية غير مشروعة، من بينها غسيل الأموال، عن طريق جمعية القرض الحسن، وهي إحدى المنظمات المتهمة بغسيل الأموال، نيابة عن حزب الله. وتُعدّ هذه الجمعية جزءاً رئيسياً من شبكة الخدمات الاجتماعية لحزب الله.
غدار: لدى حزب الله العديد من الشركاء التجاريين في العديد من الدول الأفريقية، إنّهم متورطون في جميع أنواع الصناعات، بما في ذلك أعمال الماس والفنون.
وقبل الضربات الإسرائيلية على لبنان في 20 تشرين الأول (أكتوبر)، التي استهدفت مقرات الجمعية، كان لديها أكثر من (30) فرعاً، وكانت تتيح للأفراد الحصول على قروض صغيرة بالدولار معفاة من الفوائد، ومدعومة بالذهب أو بضامن، إضافة إلى تمكينهم من فتح حسابات توفير.
وقال نصر الله، في خطاب ألقاه عام 2021: إنّ جمعية القرض الحسن قدمت (3.7) مليارات دولار، على شكل قروض، لـ (1.8) مليون شخص في لبنان منذ تأسيسها في أوائل الثمانينيات.
"البنك لا يهدف إلى تحقيق الربح، فهو يقدّم المساعدة المالية، في المقام الأول، لقاعدته الشعبية"، وهذا تحليل جوزيف ضاهر مؤلف كتاب "حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله في لبنان".
ويضيف ضاهر: "رغم ذلك، فمن المرجح أن يكون متورطاً في غسيل الأموال، لصالح الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية لحزب الله".
وكانت تقارير إعلامية قد تداولت أنّه في كانون الأول (ديسمبر) عام 2020، قامت مجموعة تُسمّى Spider Z باختراق حسابات الجمعية، وكشفت عن معلومات حساسة، مثل قوائم المقترضين والمودعين، بالإضافة إلى فيديوهات من كاميرات أمنية خاصة بفروعها.
وأكدت جمعية القرض الحسن وقوع اختراق "محدود" عام 2020، لكنّها نفت تورطها في الأنشطة غير الشرعية، والمزاعم حول هوية بعض عملائها.
بدورها قالت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرها واشنطن: إنّ الوثائق المسربة تظهر أنّ القرض الحسن لديه أكثر من (400) ألف حساب، ويرتبط العديد منها بمؤسسات تابعة لحزب الله وإيران.
وفي السياق أظهرت الوثائق المسرّبة عام 2020 أيضاً أنّ جمعية القرض الحسن كانت تحتفظ بحسابات لأشخاص مقيمين خارج لبنان، بما في ذلك في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وفقاً لمؤسسة FDD البحثية.
وتقول غدار: إنّ "لدى حزب الله العديد من الشركاء التجاريين في العديد من الدول الأفريقية"، وتضيف: "إنّهم متورطون في جميع أنواع الصناعات، بما في ذلك أعمال الماس والفنون".
في عام 2019 فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على جامع الأعمال الفنية ناظم سعيد أحمد، متهمة إيّاه بأنّه "أحد أكبر المتبرعين لحزب الله". وقال المسؤولون الأمريكيون: إنّ أحمد لديه "علاقات طويلة الأمد بتجارة "الماس الدموي"، ومكان وجوده غير معروف.
وورد أنّ حزب الله يجني المال من الاتّجار بالمخدرات في أمريكا الجنوبية، فوفقاً لتقرير حديث صادر عن مؤسسة بحثية تابعة للأمم المتحدة، كشفت التحقيقات في فنزويلا عام 2011 عن مخطط معقد لتهريب المخدرات وغسيل الأموال بملايين الدولارات.
الخطيب: لم يعد حزب الله يملك المال الكافي لتعويض أنصاره، ومن المرجح أن يتضاءل الولاء للجماعة في الأمد البعيد.
وأوضح معهد الأمم المتحدة لبحوث الجريمة والعدالة بين المناطق (يونيكري) أنّ حزب الله كان له علاقات بكولومبيا، وجماعة فارك المسلحة وكارتل فنزويلي.
كما أفاد معهد (يونيكري) أنّ الجماعة المسلحة طورت حضوراً قوياً في منطقة الحدود الثلاثية، بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، وفق شبكة (بي بي سي).
ووفقاً لورقة بحثية صادرة عن (تشاتام هاوس) عام 2021، يستفيد حزب الله من التشريعات المالية والعقود العامة المتساهلة في لبنان، ويستخدم شركات خاصة مرتبطة به للمزايدة على العقود العامة والفوز بها.
وقد وجد البحث نفسه أنّ حزب الله يحصل على حوالي (300) مليون دولار شهرياً، من خلال تهريب وقود الديزل عبر الحدود مع سوريا، وذلك قبل الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد من السلطة في كانون الأول (ديسمبر) 2024.
من جانبها، قالت الباحثة في مركز (تشاتام هاوس) لينا الخطيب لـ (سكاي نيوز): "لم يعد حزب الله يملك المال الكافي لتعويض أنصاره، ومن المرجح أن يتضاءل الولاء للجماعة في الأمد البعيد عندما يدرك أنصار حزب الله أنّه لم يعد بوسعه أن يقدم لهم فوائد مالية أو سياسية أو أمنية".
ومنذ وقف إطلاق النار في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، حاول حزب الله إعادة تنظيم صفوفه، فقد قامت اللجان التي يديرها حزب الله بتقييم مئات الآلاف من المنازل المتضررة، وأصدرت المجموعة (630) مليون دولار كمدفوعات للأشخاص عن الخسائر أو الأضرار التي لحقت بمنازلهم، وفقاً لمسؤول في مؤسسة "القرض الحسن".
بلغت المدفوعات الفردية (12) ألف دولار إلى (14) ألف دولار سنوياً للإيجار، إلى جانب مدفوعات إضافية للأثاث، إلا أنّ الأزمة المالية بدأت تظهر جليّاً.
وبحسب صحيفة (وول ستريت جورنال)، يقول بعض أتباع الحزب: إنّ المؤسسة المالية الأساسية للجماعة جمدت في الأسابيع الأخيرة مدفوعات شيكات التعويض التي تم إصدارها بالفعل.
وفي الوقت نفسه، ربط تحقيق أجرته (بي بي سي عربي) عام 2023 المجموعة بتجارة مخدرات الكبتاجون، التي تقدّر بمليارات الدولارات.