لأي هدف يقاتل حزب الإصلاح الإخواني في اليمن؟

لأي هدف يقاتل حزب الإصلاح الإخواني في اليمن؟

لأي هدف يقاتل حزب الإصلاح الإخواني في اليمن؟


03/12/2023

مفهوم الوطن عند حركات الإسلام السياسي مرتبط بالدين. والوطن، كجغرافيا، "وسيلة وليس غاية" وهو "حدود على خرائط صنعها الاستعمار" في نظر حسن البنا الذي نقل مفهوم الدولة من مجالها السياسي إلى مجال ديني قائلاً: "إنّ وجه الخلاف بيننا وبينهم هو أنّنا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية، والحدود الجغرافية، فكل بقعة فيها مسلم هي وطن عندنا، وله حرمته وقداسته وحبه، والإخلاص له، والجهاد في سبيل خيره، ودعاة الوطنية ليسوا كذلك؛ فلا يعنيهم إلا أمر تلك البقعة المحدودة الضيقة من رقعة الأرض". والوطن في نظر سيد قطب "ما هو إلا حفنة تراب عفن"، ولأنّه كذلك فقد شتمه مهدي عاكف في جملته "طز في مصر"؛ فالإخوان بالنسبة إليه هم الوطن، وهم "فوق الجميع"، ولذلك يمكن لإخواني ماليزي، كما قال، أن يحكم مصر، بالنص: "إيه يعني لما يحكمنا واحد ماليزي"!

ولذلك يمكن لهذه الجماعات الاكتفاء برقعة جغرافية تحكمها، مثلما فعلت حركة حماس، انتظاراً لتحقيق حلم/ وهم الوطن الأكبر، الذي ينبغي أن يُحكم بالطبع على مبدأ الخلافة.

الدفاع عن دولة الحزب

فيما يتعلق بالشأن اليمني، الشاهد الأبرز لتقديم "حزب الإصلاح" للمصلحة الدينية والخاصة على حساب المصلحة العامة، هو عداء قيادة الحزب للعميد الركن عدنان الحمادي، قائد اللواء (35) مدرع. كان الحمادي قد حقق انتصارات مهمة ضد ميليشيات الحوثيين، وحرر مناطق عديدة كانت قد استولت عليها. ولأنّ الحمادي كان وطنياً، غير مُنتمٍ إلى قوة معينة، ويحث جنوده على التخلق بالثقافة الوطنية نفسها، ولأنّ اللواء الذي كان يقوده خارج سيطرة قيادة حزب الإصلاح، فقد رأت فيه خصماً، وتهديداً لمستقبلها في المدينة وإحكام سيطرتها عليها؛ خاصة أنّ معظم القيادات العسكرية والألوية الأمنية في تعز كانت تابعة أو موالية لها.

خاضت القوات التابعة لحزب الإصلاح معارك ضد الجماعة السلفية بقيادة أبو العباس، التي كانت تحت مظلة اللواء (35)، ومن خلال اللواء الرابع مشاة جبلي، في منطقة التربة، طوَّقت قوات الإصلاح اللواء (35)، واشتبكت مع جنوده. رأت قيادة الإصلاح في جماعة العباس وفي اللواء (35) مدرع، وفي المؤتمريين والناصريين، منافساً سياسياً وعسكرياً لسلطتها في المدينة. وتحركاتها تشهد بأنّ توطيد سلطة الحزب في تعز مُقدّم على تحرير بقية مناطقها من قبضة الحوثيين، وإلّا لماذا لم تبحث عن فرص للتحالف مع هذه القوى من أجل الخلاص من الحوثيين أوّلاً، ثم إدارة المصالح بعد التحرير بمحاصصة تكفل حق الجميع، أو بطريقة ديمقراطية تعطي الكلمة فيها للشعب!

العميد الركن عدنان الحمادي، قائد اللواء (35) مدرع

صاحَب هذه العمليات حملة لتشويه الحمادي بهدف تقويض شعبيته. من ذلك القول إنّه أداة عسكرية لسيطرة العميد طارق محمد صالح على المدينة، وإنّه متمرد على الشرعية ويدعم الجماعات الإرهابية...، وبعد انتهاء الأمر باغتيال الحمادي على يد شقيقه، وُجِّهت أصابع الاتهام لحزب الإصلاح؛ كونه، وجماعة الحوثيين، المستفيد الأوّل من اغتيال الحمادي. وما زالت الجهة التي تقف خلف عملية الاغتيال مجهولة، لكنّ ما دعم أكثر مسؤولية الإصلاحيين في عملية الاغتيال هو أنّها جاءت عقب أيام قليلة من تولي قيادي في حزب الإصلاح قيادة جميع الألوية العسكرية، بما في ذلك اللواء (35) المدرع، بموجب مرسوم رئاسي في تعز.

حصان طروادة

يملك حزب التجمع اليمني للإصلاح اليوم معسكرات تضم آلاف الجنود، وقبلها كان يملك ميليشيات حزبية، إضافة إلى ولاء الفرقة الأولى مدرع، بقيادة علي محسن الأحمر، التي كانت تتكون من حوالي (23) لواءً، موزعة في أنحاء الجمهورية، منها حوالي (5) ألوية عسكرية، مدرعات ودفاع جوي وصواريخ، في صنعاء، وأكثر من (20) كتيبة عسكرية مدربة على استخدام المدرعات والأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وحرب الشوارع، ولها خبرة كبيرة في القتال. مع ذلك لم تدافع عن صنعاء؛ لسبب وجيه هو أنّ قرار الدفاع ينبغي أن يصدر من الدولة، ممثلة حينها بالرئيس عبد ربه منصور هادي الذي بدا أنّه لم يكن يرغب في قتال الحوثيين منذ سيطرتهم على محافظة عمران، وعبارته الشهيرة "عمران سقطت بيد أهلها" تؤكد ذلك.

الوطن في نظر سيد قطب "ما هو إلا حفنة تراب عفن"، ولأنّه كذلك فقد شتمه مهدي عاكف في جملته "طز في مصر"؛ فالإخوان بالنسبة إليه هم الوطن، وهم "فوق الجميع"

يبدو أنّ صفقة ما جمعت هادي بالحوثيين، كما هو شائع. لعلّ هادي أراد استعمال ميليشيات الحوثيين للخلاص من قبضة قيادة الإصلاح، والنتيجة أنّ من استعملهم فرضوا عليه الإقامة الجبرية قبل أن يفرّ إلى عدن ومنها، بعد مطاردتهم له، إلى الخارج، مثلما تخلص الحوثيون أيضاً من صالح بعد أن استعملوه لفترة. وثمّة من يقول إنّ الإصلاحيين استفادوا من تجربة الإخوان في مصر، ففضلوا الاحتفاظ بقواتهم وعدم الزج بها في معركة الدفاع عن صنعاء. وإن صحت هذه الرواية أو سابقتها، فإنّهم بذلك يثبتون أنّهم يدافعون عن مصالحهم الخاصة لا عن مصلحة اليمن.

السؤال: ما الذي فعله قادة الإصلاح بالرئيس هادي لدفعه إلى الارتماء في حضن الحوثيين؟ هذا سؤال يملك الإجابة عنه هادي. وما يهم هنا أنّ قادة الإصلاح ساهموا في دخول الحوثيين إلى صنعاء، وكانوا بذلك حصاناً امتطاه الحوثيون مستغلين نقمة بعض القوى من حزب الإصلاح الذي على ما يبدو أنّه مستمتع بكونه "بُعبُعاً" يُستعمل لتحقيق أهداف الآخرين! على سبيل المثال: يواجه الباحث في شأن حزب الإصلاح بكمٍّ كبير من المعلومات واللغة الإنشائية التي ينم بعضها عن مكايدات يمكن أن يتخذها الحزب مناسبة لمراجعة نفسه بسؤال: لماذا يكرهوننا؟

من معارك التحرير

اليوم تدير قيادة الإصلاح "أكثر من (35) ألف جندي مسجلين في (7) من ألوية الجيش التي يقودها منتمون لجماعة الإخوان، إلّا أنّها عجزت عن تحرير الأجزاء الشرقية من مدينة تعز التي ما تزال تحت سيطرة ميليشيات الحوثي، التي لا يزيد عدد أفرادها المنتشرين في المحافظة على (7) آلاف مسلح". وتفيد المواقع الإخبارية بأنّ قوات الإصلاح لم تشارك في تحرير الساحل الغربي من ميليشيات الحوثي. "كان لقوات العمالقة الجنوبية الدور الأبرز في تحرير المخا وباقي مناطق الساحل الغربي وصولاً الى الحديدة". وعلى العكس من ذلك، في وقت سابق "هدد قائد محور تعز الإخواني خالد فاضل بتحرير المخا من سيطرة القوات المشتركة".

يملك حزب التجمع اليمني للإصلاح اليوم معسكرات تضم آلاف الجنود

وبدلاً من الانشغال فقط بتحرير ما هو محتل من قبل الحوثيين، سارع حزب الإصلاح عبر قوات "الحشد الشعبي" إلى السيطرة على مدينة التربة، "واقتحام مقرات المؤسسات الحكومية والتمركز فيها، ومهاجمة مواقع اللواء (35) مدرع في جبل صبران، وهو التصعيد الذي جاء بعد عملية تحشيد كبيرة لأفراد ميليشيات الإصلاح تحت يافطة الحملة الأمنية". وفقاً لما هو متداول؛ قام الحزب باستخدام نفوذه في قيادة الشرعية بتشكيل لواء عسكري تحت اسم اللواء الرابع مشاة جبلي، وتم زرع اللواء المستحدث في مسرح عمليات اللواء (35) مدرع، لتكون مهمة اللواء الجديد هي تفتيت اللواء (35) مدرع!

التقارير الإعلامية تقول إنّ حزب الإصلاح "لم يُظهر جدية في المعركة ضد جماعة الحوثي، سواء في تعز أو الساحل الغربي، في حين يُظهر الحزب جهوزيته العسكرية الكاملة ويُخرج أسلحته المخبأة في المخازن في معاركه مع خصومه، مثلما حدث في اشتباكات تعز في آب (أغسطس) 2018 عندما استعان بأسلحة حديثة لم يسبق استعمالها في المعارك ضد الحوثي، لكنّها خرجت واستُعملت ضد أفراد المقاومة اليمنية الذين تنازعوا مع الجماعة على مواقع السيطرة والنفوذ داخل المدينة".

تدير قيادة الإصلاح أكثر من (35) ألف جندي مسجلين في (7) من ألوية الجيش التي يقودها منتمون لجماعة الإخوان، إلّا أنّها عجزت عن تحرير الأجزاء الشرقية من مدينة تعز التي ما تزال تحت سيطرة ميليشيات الحوثي

ومقابل جهود الحزب في السيطرة على المناطق غير المحتلة من قبل الحوثيين، يُتهم الحزب بتسليمه للحوثي مواقعه في نهم وصرواح، والمنطقة السابعة، وغيرها من المعسكرات. كلّ هذه مؤشرات تدعم فكرة أنّ الحزب يقاتل من أجل دولته. وهي سياسة تسهم في مساعدة الحوثيين؛ فهي تثير شكوك المجلس الانتقالي، وتجعل حزب الإصلاح وقواته عدواً، في وقت يفترض فيه تطمين القوى كافة لتوحيدها ضد الحوثيين الذين لم ينتصروا من قوة، ولكن بسبب تشرذم القوى المناوئة لهم.

جهود قوات الإصلاح في حرب الحوثيين لا تخفى، وقد قدّموا الكثير من الضحايا. لكنّ السؤال هو عن الهدف من تلك الجهود. وما يهم من هذا الاستدعاء هو تقديم الإصلاحيين لمصلحة حزبهم على المصلحة العامة. مع أنّهم في صراعات سابقة، في ساحة التغيير مثلاً، دعوا للتصالح مع الحوثيين، والمستقلين؛ حتى لا تتفرق جبهة الثورة، وإسقاط علي عبد الله صالح، فلماذا لم يفعلوا المثل مع الحمادي وبقية القوى في حربهم ضد الحوثي؟

مواضيع ذات صلة:

الغاية تبرر الوسيلة.. أيّ دور لعبه حزب الإصلاح في اليمن منذ تأسيسه؟

الهرب من القانون... بين صنعاء وحزب الإصلاح الإخواني

حزب الإصلاح اليمني والحوثي: فصل من حكاية الإخوان وإيران



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية