
أصبحت كينيا في مرمى الإرهاب العالمي المتمثل في حركة شباب الإسلام، المنتمية للقاعدة، وكذا تنظيم داعش، وكلاهما يمتلك العديد من المعسكرات والعناصر والعتاد، ويعملان على تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية في الدولة الأفريقية، التي تعاني من العديد من المشكلات التي أسهمت في تنامي هذه الظاهرة.
حركة الشباب تتمدد في كينيا
تمتلك حركة الشباب الصومالية في كينيا فرعين رئيسيين لها، وهما جماعة الهجرة، وجيش أيمن، والأولى هي شبكة لها وجود حتى في تنزانيا المجاروة، أسسها رجل الدين الكيني "بومواني" في مدينة ماجينجو عام 2007، وقد سيطر على عدد من المساجد في متوابا ومسجد موسى ومسجد السكينة في مومباسا، وأسس مركز الشباب المسلم (MYC) ليقود عملية تجنيد الكينيين وضمهم إلى حركة الشباب في الصومال، وردّاً على هذا التمدد والتوغل، أطلقت الحكومة الكينية عام 2011 عمليتها العسكرية ليندا نيشي (حماية البلد) في جنوب الصومال ضد هذه التوجهات، وهو ما دفع حركة الشباب للردّ والاندماج رسمياً مع مركز الشباب المسلم وتكوين جماعة (الهجرة) بكينيا.
في تموز (يوليو) 2018 أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في الأمر التنفيذي رقم (13224)، تصنيف جماعة "الهجرة" في كينيا جماعة إرهابية لتبعيتها لحركة الشباب، ونشاطها في تجنيد الشباب الكينيين وتسهيل سفرهم إلى الصومال.
أمّا الجماعة الثانية، فهي "جيش أيمن" في لامو، التي تشكلت من وحدة مسلحة تُسمّى "نبوسيا" تحت قيادة تيتوس نبسيوا، المعروف أيضاً باسم "مُعلم خالد" و"مُعلم كينيا"، والتي عملت في كينيا بأوامر "أحمد عبدي غودان" زعيم الشباب السابق.
كان أعضاء الجماعة على اتصال بجماعة "الهجرة"، وعملت وحدة "نبوسيا" على شنّ هجمات بالقنابل اليدوية على نطاق صغير في غاريسا ونيروبي ومومباسا بعد وقت قصير من بدء عملية "ليندا نشي" ضد حركة الشباب في تشرين الأول (أكتوبر) 2011.
تغير اسم هذه الوحدة المسلحة في أعقاب هذه العمليات إلى اسم "جيش أيمن"، واتخذت من غابة بوني بمنطقة الغابات الشاسعة في لامو ملاذاً لها. وأقام جيش أيمن صلات مع كتيبة "نبهان" بين شمال شرق كينيا وجنوب الصومال، بقيادة لقمان عيسى عثمان، شقيق عثمان عيسى عثمان، أحد المدبرين لهجوم فندق بارادايس المملوك لإسرائيل في مومباسا عام 2002، وهي ما تُعرف بـ "هجمات مومباسا 2002".
ووفق مؤشر الإرهاب العالمي، فقد ارتبط جيش أيمن بالعديد من الهجمات البارزة في كينيا، وعلى رأسها هجوم ويستجيت مول (Westgate Mall) في عام 2013، والذي يعتقد أنّ أحد كبار قادة جيش أيمن، عبد اللطيف أبو بكر، لعب دوراً في التخطيط والتنفيذ، كما هجم على جامعة غاريسا في عام 2015، الذي أسفر عن مقتل (147) شخصاً على الأقل، وهو الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في كينيا منذ تفجير القاعدة للسفارة الأمريكية عام 1998. هذا إلى جانب معركة كولبيو في عام 2017، التي قام خلالها إريك أشيو أوجادا وأنور يوغان مووك بقيادة سيارة مفخخة على قاعدة عسكرية مشتركة بين قوات الدفاع الكينية والصومالية، ممّا أسفر عن مقتل العشرات من الجنود.
شبكة (أبو الفداء) مختصة بالتجنيد في الجامعات الكينية، وتنشط بشكل خاص في جامعة (MOI) في غرب البلاد.
ونتيجة لهجمات جيش أيمن، دعت حركة الشباب الصومالية إلى الاحتذاء به في حملاتها الدعائية التي جاءت تحت اسم "لا حماية إلا بالإيمان"، وهو ما جاء على لسان المتحدث باسم الحركة علي محمود راج، بقوله: "الآن، مع اقتحام المجاهدين للأراضي الإسلامية المحتلة في كينيا وخارجها، حان الوقت لإعادة رسم خريطة شرق أفريقيا".
تنظيم (داعش) يتمدد أيضاً
نجح تنظيم داعش الصومال في التمدد إلى كينيا عن طريق الأموال الطائلة التي دفعها لعملية نشر التطرف والتجنيد، وأشار تقرير للأمم المتحدة صدر في منتصف عام 2022 إلى أنّه سيطر على ما يُعرف بـ (مكتب الكرار)، وهو بمثابة مركز مالي يحول أموالاً طائلة لتمويل أفرع تنظيم داعش في القارة الأفريقية في موزمبيق وفي خراسان بأفغانستان، وتربطه صلات كبيرة بعناصر التنظيم في كينيا.
وعن طرق العمليات الإعلامية وشبكات نشر التطرف تواجد تنظيم داعش في كينيا عن طريق شبكة (أبو الفداء)، وهي شبكة التجنيد في الجامعات الكينية التي كشفتها المخابرات الكينية في عام 2016، ونشطت بشكل خاص في جامعة (MOI) في غرب البلاد، وكان قائدها محمد عبدي علي وزوجته نسيبة محمد حاج، وهما معروفان باسم "أبو فداء، وأم فداء".
لقد تم جذب عناصر هذه الشبكة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات (الواتساب) من خلال عرض قروض منخفضة الفائدة مع خطط سداد مرنة. وكان أحد شروط الحصول على هذا القرض ينطوي على التحول إلى الإسلام، مع قيام المسؤول عن القروض بإشراك الطالب في عملية تطرف تدريجي ومقدمة إلى إيديولوجية تنظيم داعش.
وتحدثت تقارير عن انضمام عدد من قيادات "الشباب" في كينيا إلى تنظيم داعش، إذ ورد أنّ (أبا بكر عبدي)، وهو قائد رئيسي في وحدة جيش أيمن التابعة لحركة الشباب في كينيا، قد انشق وبايع التنظيم في كانون الثاني (يناير) 2021، وأخذ معه حوالي (20) من مقاتليه.
كانت أول عمليات عناصر تنظيم داعش في كينيا سلسلة من الهجمات، منها هجومان في عام 2016؛ الأول حين قيام خلية مكونة من (3) أعضاء من التنظيم، إحداهن ترتدي سترة ناسفة، وتتألف من تسنيب يعقوب عبد الله فرح، وفاطمة عمر يوسف ومريم (سنو)، بتفجير مركز شرطة مومباسا المركزي، والثانية في 27 تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه، حينما قام عبد الرحيم إبراهيم حسن بعملية طعن لأحد رجال الشرطة.
وتفيد تقارير الأمم المتحدة بأنّ هناك أسباباً في كينيا دفعت لهذا التواجد لحركة الشباب وداعش، ومنها أنّ كليهما يستخدمان العديد من الأساليب، ومنها الاعتماد على العلاقات مع قادة العشائر المُتعاطفين للحصول على الدعم، حيث سهلت ظروف وأوضاع الفقر السائدة في شرق القارة والتهميش الاجتماعي وعدم الاستقرار هذه الأساليب.
واستثمر كلا التنظيمين من الشباب وداعش الصراعات والضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الهشة في شرق أفريقيا من خلال تزويد الصوماليين العاديين بما يشبه الحكم والأمن وحلّ النزاعات في المناطق الواقعة تحت سيطرتهما.
وأشارت دراسة بحثية للكينية فاطمة أزماية أجريت على (36) امرأة وفتاة كينية، انضمت في وقت سابق إلى تنظيمات إرهابية، (16) منهن كنّ ضمن صفوف حركة الشباب في كينيا، إلى أنّ "الانتقام" من السلطة هو أحد الأسباب الرئيسية لانضمامهنّ لحركة الشباب.
وهناك أسباب متعلقة بالتهميش والفقر والحرمان الاجتماعي والسياسي من الحقوق والمظالم السائدة في شرق القارة، حيث عمل تنظيما الشباب وداعش على توظيف مقاربات اجتماعية واقتصادية بديلة للفقر والتهميش لكسب المواطنين إلى صفوفهم، مثل إقامة روابط وشبكات "صلبة" مع مواطني الشريط الحدودي، أو دمج المقاتلين في السياق المحلي الكيني، عبر منازل آمنة للأعضاء والمتعاطفين الذين كانوا يمرون في المنطقة، وافتتاح العديد من الشركات الصغيرة والمنظمات الإغاثية، وتقديم السلع المادية والأموال في المناطق الهشة شمال شرق كينيا، واختراق المدارس والجامعات والمنظمات المدنية، والأهم هو استغلال مخيمات اللاجئين الحدودية مثل داداب وكاكوما.