كيف ينظر إخوان الجزائر إلى أزمة النيجر؟

كيف ينظر إخوان الجزائر إلى أزمة النيجر؟

كيف ينظر إخوان الجزائر إلى أزمة النيجر؟


08/08/2023

حرص التيار الإخواني في الجزائر، ممثلاً بحركة (السلم)، على التشكيك في راهن ومؤدى الشأن النيجري، وقرؤوا أزمة النيجر على أنّها "معركة نفوذ أكثر من كونها انقلاباً عسكرياً كاملاً"، فما التفاصيل؟

قال الوجه الإخواني الجزائري عبد الرزاق مقري (62) عاماً: لا أحد صدّق "الانتقال الديمقراطي السلس" بين الرئيس السابق محمد إيسوفو والرئيس الحالي محمد بازوم في نيسان (أبريل) 2021، على أنّه كان "عملية ديمقراطية كاملة الأركان"، مسجّلاً أنّ "الأيادي الفرنسية بادية ومؤثرة" في بلد يكتسي أهمية اقتصادية وجيو ـ استراتيجية بالنسبة إلى الأطراف الدولية المتصارعة.

ولاحظ مقري أنّه "تمّ طمأنة الدول المجاورة، وعلى رأسها الجزائر التي رحّبت بالانتقال وساندت الوافد الجديد واستقبلته في العاصمة الجزائرية، واعتبرت قدومه فرصة لتطوير العلاقة بين البلدين واستعادة الجزائر مكانتها التي كانت عليها في دول الساحل الأفريقي".

وخلافاً للدعم الجزائري الرسمي للرئيس المحتجز محمد بازوم، جرى اتهام الأخير من لدن مقري بـ "الميولات الفرنسية"، على نقيض المزاج الشعبي المتصاعد في النيجر ضدّ فرنسا، مشيراً إلى أنّ "بازوم منتمٍ لعمق قبلي ضعيف في النيجر، وذهب بعيداً في محو آثار الرئيس السابق محمدو إيسوفو الحريص على البقاء في اللعبة من خلف المشهد من خلال نفوذه في المؤسسة العسكرية وفي حاضنته القبلية القوية".

هجوم مركّز على الإليزيه  

شدّد قائد (السلم) بين عامي 2013 و2023 على أنّ النيجر بلد استقرت فيه المحن منذ أن وطئت أقدام الاستعمار الفرنسي أرضه، وحتى بعد الاستقلال عام 1960، وقد بقي النيجر سابع منتج لليورانيوم في العالم من أفقر الدول في العالم، وظلّ موقد المفاعلات النووية الفرنسية والكثير من الصناعات وإنتاج الكهرباء لصالح الشعب الفرنسي وحكوماته.

عبد الرزاق مقري

واعتبر مقري أنّ النيجر ضحية الاستعمار الفرنسي، أكثر أنواع الاستعمار وحشية وتدميراً لآدمية الإنسان، مشيراً إلى أنّ فرنسا تبقى هي الآمر الناهي لهذا البلد، من خلال مؤسساتها الاستغلالية لخيرات النيجر، وعلى رأسها شركة (أريفا)، وعبر قواعدها العسكرية ومؤسساتها الأمنية والإدارية، وربط عملتها الوطنية بالبنك المركزي الفرنسي.

وتصوّر مقري أنّ السياسات الاستعمارية في أفريقيا، خصوصاً في شقّها الغربي، أدّت إلى انتشار الفقر المدقع للشعوب، وديمومة التخلف بكل أنواعه، مع استمرار حكمها من أنظمة دكتاتورية مرتشية، وضعتها وحافظت عليها القوى الأمنية والعسكرية الفرنسية بدعم دائم من أمريكا.

وخلُص الوجه الإخواني إلى أنّ التراكمات المذكورة أنتجت يقظة وطنية لدى كثير من المثقفين والنخب الأفريقية خصوصاً لدى الشباب. ولمّا بدأ النظام الدولي يتغير ببداية نهاية الأحادية الدولية الغربية الأمريكية، وبروز معالم نظام دولي جديد متعدد الأقطاب صنعه صعود الصين وروسيا والهند خصوصاً ثمّ تركيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، مثَّل ذلك هوامش مناسبة للقوى الوطنية الأفريقية لكي تتخلص من عبء التحكم الاستعماري الفرنسي في أفريقيا الغربية، والاستعمار الغربي بشكل عام في أفريقيا.

اللاعب الروسي في مواجهة لوبيات فرنسا

يربط إخوان الجزائر ما يحدث في النيجر بروسيا وطموحها الاستراتيجي الأكبر غير المفصول عن تجربتها القديمة في أفريقيا أثناء الحرب الباردة، ويسجلون أنّ موسكو وجدت سهولة أكبر للانتشار العسكري غير المباشر من خلال مرتزقة فاغنر، وحُظي وجودها ـ في نظرهم ـ بترحيب حذر لدى القوى الدولية والإقليمية الجديدة الصاعدة المتعاونة بينها في مواجهة الهيمنة الغربية في منظمتي شنغهاي الأمنية والبريكس الاقتصادية.

خلافاً للدعم الجزائري الرسمي للرئيس المحتجز محمد بازوم، جرى اتهام الأخير من لدن مقري بـ "الميولات الفرنسية"

لكنّ مقري يتدخل جازماً لينفي الاعتقاد بـ "قدرة الروس على زعزعة النفوذ الفرنسي في النيجر وأفريقيا الغربية"، ويبني حكمه على استطاعة فرنسا تدمير البنى الثقافية والاجتماعية المحلية في دول أفريقيا الغربية وجعلها لغة موليير لغة التفاهم بين المكونات القبلية المختلفة داخل البلد الواحد، ولغة الإدارة والتعليم والاقتصاد والعلاقات الدولية، إلى جانب بنائها شبكات أخطبوطية من المصالح والتبعية الثقافية داخل المؤسسات الرسمية وفي المجتمع، وصنعها لوبيات قوية من الأفارقة والأوروبيين المقيمين تدافع عن مصالح فرنسا ومكانتها.

وذهب مقري إلى أنّ "واشنطن، قائدة المعسكر الغربي، تتحكم في اللعبة بمجملها في منطقة الساحل من خلال قاعدتيها العسكريتين في النيجر، وفي دول أفريقية أخرى، لمحاربة الإرهاب ومواجهة تمدّد النفوذ الصيني والروسي والتركي والإيراني في أفريقيا".

ويرى مقري أنّ الولايات الأمريكية المتحدة توكل لكل بلد أوروبي جهة جغرافية، وفق المعطيات التاريخية والخلفيات الاستعمارية القديمة وقوة النفوذ وتأثيره، وفي هذا الإطار تقع أفريقيا الغربية ضمن النفوذ الفرنسي تحت الرعاية الأمريكية على قاعدة تبادل المصالح وتقاسم النفوذ والموقف المشترك ضد القوى الدولية والإقليمية والمحلية الأخرى المناهضة للغرب.

الحرب الباردة الجديدة

يعتقد إخوان الجزائر أنّ "مكوّنات الصراع الداخلي في النيجر لم تحسن الحساب جيداً قبل شروعها في المواجهة"، ويقرؤون المشهد على أنّه يحيل إلى دخول العالم "حرباً باردة جديدة قد تصبح دول الأطراف الضعيفة هي ساحتها"، بعدما كان ردّ الفعل الغربي ضد الانقلاب حاسماً وقوياً من خلال المواقف الدبلوماسية والتصريحات الرسمية لفرنسا والولايات الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وعبر التهديد بوقف المساعدات، ولكن خصوصاً من خلال التهديدات الميدانية بالتدخل المباشر، فقد التقى قادة مجموعة ا(لإكواس) بغرض وضع خطة لتدخل عسكري غربي-أفريقي في نيامي، بينما أبرز الموالون للجنرال عبد الرحمن تشياني رئيس المجلس العسكري عزم النيجيريين على الدفاع عن بلدهم، جيشاً وشعباً.

الجنرال عبد الرحمن تشياني

ويقدّر مقري أنّ الهدف من تدخل الحرس الرئاسي المسنود لاحقاً من قادة الجيش في مجملهم هو التوصل إلى ميزان قوة يحفظ استمرار نفوذ الرئيس النيجري السابق محمدو إيسوفو، ويُبقي على رئاسة بازوم، ويتكئ مقري في ذلك على أنّ السعي المعلن لإيسوفو إلى الوساطة لحلّ الأزمة يدخل في هذا السياق.

ويتابع مقري: "قد لا يكون قادة الانقلاب، والقوى العسكرية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية التي خلفهم، أقلّ تأثراً بالثقافة الفرنسية وارتباطاً بمصالحها، ولكنّ لعبة الصراع السياسي وانحياز فرنسا والغرب للرئيس بازوم، يدفعهم للقوة الجاهزة لمواجهة النفوذ الغربي وهي روسيا، عبر مرتزقة فاغنر، وبالفعل أعلن بريغوجين ـ المثير للجدل ـ تأييده للانقلاب واستعداده للدعم".

السيناريو الأوفر حظاً

يوقن إخوان الجزائر أنّه لا يمكن للتدخل الأجنبي "حلّ أزمة النيجر"، ويحذّرون من أنّ التدخل سيحوّل النيجر إلى ساحة حرب أهلية، كما حدث في ليبيا واليمن وسوريا وغيرها من الدول في العالم، ويجزمون أنّ "الانقلاب أمر سيّئ، ولا يمكن للعسكر أن يصلحوا البلاد إذا بقيت السياسة في يدهم، فليس ذلك اختصاصهم ولا ذلك من حقهم ولا شرعية لهم فيه".

يبدي التيار الإخواني في الجزائر قناعةً بأنّ "فرنسا ـ ومن ورائها أمريكا ـ لن تستطيع إبقاء نفوذها في النيجر والمنطقة إلى الأبد"

ويبقى السيناريو "الأوفر حظاً" و"الحلّ الأنسب"، بمنظور مقري، هو "التوافق بين مختلف القوى الوطنية النيجيرية على قاعدة السيادة الشعبية ونبذ التدخل والنفوذ الأجنبي بكل أنواعه، والمضي وفق ذلك إلى بناء دولة ديمقراطية عصرية ضمن إطار ثقافة البلد، وأبعاده الحضارية الإسلامية".

في المقابل، يبدي التيار الإخواني في الجزائر قناعةً بأنّ "فرنسا ـ ومن ورائها أمريكا ـ لن تستطيع إبقاء نفوذها في النيجر والمنطقة إلى الأبد"، ويعزو ذلك إلى "التطورات الدولية والإقليمية والمحلية التي لا تسير في صالحها".

وعلى المنوال ذاته، يستبعد أتباع "عبد العالي حساني شريف" رئيس (السلم) "قدرة روسيا على غرس وجود عميق ودائم يقابل عمق الوجود الفرنسي"، ويضيف قائدهم السابق عبد الرزاق مقري: "لن يكون لروسيا ـ على المدى المنظور ـ دعم دولي يشاركها المغامرة، فالصين لا تهمها في المرحلة الراهنة سوى التجارة والمنشآت القاعدية لنقل البضائع والمواد الأولية، وقلب المعادلة الاقتصادية كليّة من خلال منظمة (البريكس) ما يزال أمامه أعوام طويلة، كما أنّ صراع المصالح بين الدول المنقطعة ثقافياً وجغرافياً عن المنطقة لا يزيد شعوب هذه الأخيرة إلّا إرهاقاً وتخلفاً".

الحاجة إلى الجزائر ومصر  

يرافع إخوان الجزائر لـ "قيام الدول العربية في شمال أفريقيا بدورها التاريخي في دعم دول جنوب الصحراء الكبرى في شرق أفريقيا وغربها"، والطريق إلى ذلك، برأيهم، هي الجزائر، بحكم دورها وتأثيرها الكبير في عدّة دول أفريقية بفعل الثورة التحريرية ودعم حركات التحرر، ثم الدعم الاقتصادي الطاقوي والمالي والتعليمي والدبلوماسي وفي حلّ الأزمات السياسية لأعوام عديدة.

محمد بازوم

ويقول مقري: "إنّ من مصلحة الجزائر أن تتحول إلى اللاعب الأساسي الأول في دول جنوب صحرائها الكبرى، غير أنّها لن تستطيع أن تفعل ذلك وحدها، في ظل الصراعات الدولية الكبرى في أفريقيا، ولكن من خلال تحقيق وحدة شمال أفريقيا".

وعليه، يدعو مصر لتحقيق ما سمّاها "وحدة شمال أفريقيا" بعيداً عن "التنافس والاحتراب"، منطلقاً من أنّ "مصر دولة عظيمة ذات تاريخ عريق وحضور إسلامي شاهد ومؤسسات عريقة ومقدّرات سكانية وجغرافية وطبيعية جبارة، فلو نهضت مصر، فستقود كلّ دول النيل وأفريقيا الشرقية".

في غضون ذلك، ردّ ناشطو شبكات التواصل بقوة على مقاربة الإخوان للوضع في النيجر، ولاحظ عباس فرّاج أنّ "الدول تبسط نفوذها بالشركات والمؤسسات العملاقة وليس بالجغرافيا والتاريخ والهوية الدينية والعرقية، والاقتصاد هو ميدان المنافسة اليوم والنجاح فيه هو الذي يحقّق الحلم ويحدد المصير".

من جهته، قال عمر لوكاش: "مؤسسات الدولة الأمنية أعرف بهذه القضايا وخباياها، وليس التنظير كالعمل الميداني، ولولا قوة هذه المؤسسات، لحوّلنا السطحيون إلى أفغانستان في تسعينات القرن الماضي، مع كيد الدول الكبرى العريقة في التخابر".

مواضيع ذات صلة:

مؤتمر حركة البناء الجزائرية ... لم يتغيّر أي شيء!

كيف دعمت إيران جبهة الإنقاذ الجزائرية؟

الجزائر: إجماع على رفض عودة فلول الإنقاذ.. ما الجديد؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية