كيف يستجيب الأردن لأزمة أكثر من 75 ألف طفل عامل؟

كيف يستجيب الأردن لأزمة أكثر من 75 ألف طفل عامل؟


12/07/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

على جانب طريقٍ في منطقة الرّامة بالأردن، يبيع عُبادة الفاكهة إلى حدّ كبير بنفسه. اعتاد شقيقه، البالغ من العمر 14 عاماً، على القيام بمعظم الأعمال، لكن بعد أن صدمته سيّارة قادمة من الاتّجاه الخطأ، تدخّل عُبادة لإدارة كُشك العائلة. يقول عبادة: "كُسر ذراعه". وعندما سُئل عمّا إذا كان يشعر بالقلق من أنّ هذا قد يحدث له، أيضاً، قال: "لا، لستُ خائفاً على الإطلاق".

هذا الشّابّ، البالغ من العمر 16 عاماً، هو، الآن، المُعيل الرّئيس لأسرته. فقد والده ساقيه بسبب الغرغرينا قبل سبعة أعوام. ولأنّه مبتور القدمين، فإنّ مساهمته الاقتصادية الرّئيسة هي الـ150 ديناراً التي يتلقّاها شهريّاً من الدّولة بصفته مواطناً أردنيّاً. في الوقت نفسه، تنشغل والدة عُبادة برعاية إخوته الصّغار. يقول عبادة: "أنا أكثر من يعمل - أعمل كلّ يوم". ويضيف: "أنا فخور بذلك. أشعر أنّ هذا طبيعيّ... أذهب إلى المدرسة، لكن في بعض الأحيان فقط. والدي لا يستطيع العمل في الكُشك بمفرده".

قال عُبادة إنّه يدخر لشراء "آي فون"، وإنّه في مرحلة ما يودّ أن يتدرّب ليكون حلّاقاً. هذه الطّموحات المتواضعة، إلى جانب مطالب كسب لقمة العيش لعائلته، تجعل العمل ضرورةً لهذا المراهق. وعلى الرّغم من التّحدّيّات، يقول إنّه لا يفهم سبب رغبة بعض النّاس في منع الأطفال من العمل. يسأل: "من سيأتي بالمال إلى البيت؟ إذا كان علينا أن نتوقّف عن العمل، فمن الذي سيأتي بالمال؟"، قبل أن يركض للتّحدّث إلى زبون كان قد توقّف للتّوّ بجوار كُشكه.

بحسب آخر الإحصاءات الرّسميّة الصّادرة عام 2016، يعمل في الأردن حوالي 75 ألف طفل. يعتقد أحمد عوض، مدير "مرصد العمل الأردنيّ" بـ"مركز الفينيق للدّراسات الاقتصاديّة والمعلوماتيّة"، أنّ العدد، الآن، أعلى. تُعدّ بطالة البالغين، وإغلاق المدارس أثناء الجائحة، وتناقص جودة المدارس عوامل دفعت الأطفال إلى العمل في الأعوام الماضية. يقول: "الظّروف التّعليميّة سيئة للغاية"، وعلى الرّغم من أن العقاب البدنيّ غير قانونيّ في الأردن، فإنّ سوء معاملة المعلّمين للتّلاميذ أمر شائع. يجعل هذا المدرسة أقلّ جاذبيّة للتّلاميذ. ويضيف عوض أنّ ضغط اللاجئين على سوق العمل يؤدّي إلى تفاقم المشكلة. ويقدّر أنّ "16 في المائة من عمالة الأطفال تعود لعائلات سوريّة".

طفل عامل في مزرعة عائلية في غور الأردن

ومع ذلك، يشدّد عوض على أنّ هذه العوامل ثانويّة بالنّسبة إلى مستوى الفقر المرتفع بشكل عامّ في الأردن، والذي تُفاقمه، الآن، إجراءات التّقشّف. يقول: "لم أستطع فهم البنك الدّوليّ عندما أعلن عن دعمه للجهود العالميّة... للقضاء على عمالة الأطفال، بينما يدعم الحكومات لتنفيذ إجراءات تقشّفيّة". ويضيف: "إنّهم يشجّعون حكوماتنا على خفض الميزانيّة العامّة من خلال خفض النّفقات الاجتماعيّة، ممّا يعني خفض ميزانيّة التّعليم، بينما يعلنون أنّهم سيقضون على عمالة الأطفال. هذا كلام ينقض بعضه بعضاً".

القضاء على عمالة الأطفال بحلول عام 2025

إنّ التّناقضات على مستوى السّياسات تُعزّزها الفجوة بين أهداف هذه السّياسات والتّنفيذ على أرض الواقع. "منظّمة الأمم المتّحدة للطّفولة" (اليونيسف)، وهي إحدى الجهات الفاعلة الرّئيسة التي تستجيب لعمالة الأطفال في الأردن، التزمت بالقضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال بحلول عام 2025 (هدف "منظّمة العمل الدّوليّة" يصل إلى أبعد من ذلك ويهدف إلى القضاء على أشكال عمالة الأطفال كافّة بحلول عام 2025). من النّاحية العمليّة، غالباً ما يعني هذا العمل على الحدّ من عمالة الأطفال في الأردن وليس القضاء عليها.

يقرّ مهند الحامي، مسؤول حماية الطّفل بـ"اليونيسف"، بوجود تحدّيّات في السّعي لتحقيق هدف 2025. لكنّه يدافع عن خيار إبقاء القضاء على عمالة الأطفال كهدف. يقول: "أعتقد أنّك إذا استهدفت القمر، على الأقلّ عندما تسقط، ستُدرك نجماً". ويوضّح أنّه بالنّسبة إلى 700 طفل عامل تدعمهم "اليونيسف" حتّى الآن ضمن برنامج حماية الطّفل الخاصّ بها، هناك مجموعة متنوّعة من النّتائج. يقول: "نتيجة للبرامج، توقّف بعض الأطفال عن العمل، أو غيّر بعضهم شكل العمل، أو قلّل من العمل وعاد إلى المدرسة". ويتابع: "أعتقد أنّ الأطفال هم الأبطال أنفسهم. عندما تسألهم، فإنّهم في الغالب يريدون العودة إلى التّعليم".


تفرض قوانين العمل في الأردن على أصحاب العمل دفع غرامة قدرها 50 ديناراً إذا كان هناك طفل أقلّ من 16 عاماً يعمل لديهم، و100 دينار عند تكرار المخالفة

حنين محمّد، مستشارة حماية الطّفل في منظّمة "روّاد الخير"، أحد شركاء "اليونيسف" التّنفيذيّين في الأردن، توافق على ضرورة اتّخاذ قرارات عمليّة على أرض الواقع. تقول: "سيكون حلماً أن نقول إنّنا نستطيع وقف عمالة الأطفال. لكن، في بعض الأحيان، يتعيّن علينا إشراك الأطفال و[مساعدتهم] على تقليل ساعات العمل، بحيث يؤدّي ذلك فعلاً إلى تقليل عمالة الأطفال".

مهند الحامي وحنين محمّد يقومان حالياً بتأسيس برنامج يخصّ عمل الأطفال تابع لـ"اليونيسف" في غور المزرعة، وهي منطقة زراعيّة ريفيّة جنوب البحر الميت. حمزة هو أحد الأطفال الذين قرّر البرنامج دعمهم. حمزة، الذي يبلغ الآن 14 عاماً، يعمل في مزرعة عائلته لمدة 12 ساعة في اليوم، على مدار 6 أيّام في الأسبوع، منذ أن كان في الحادية عشرة من عمره. يقول: "كان لديّ شعور سيء عندما اضطّررت إلى ترك المدرسة. كان الأمر صعباً. أحببت المدرسة، لكن كان عليّ المغادرة".

اليونيسف هي إحدى الجهات الفاعلة الرّئيسة التي تستجيب لعمالة الأطفال في الأردن

من بين واجباته، رشّ المبيدات الحشريّة ومبيدات الأعشاب على المحاصيل. بسبب المخاطر المرتبطة برش الكيماويّات، يعتبر العمل الزّراعيّ من بين أسوأ أشكال عمالة الأطفال. وعندما سُئل عن شعوره حيال عمله، قال حمزة: "لا أعرف كيف أشرح ذلك. يمكنك القول، الحمد لله، أنّني أعول عائلتي. لكن عندما أعود إلى المدرسة، وبعد ذلك ربما أذهب إلى الجيش، سأشعر بتحسّن".

كجزء من برنامج حماية الطّفل الخاصّ بها، قامت منظّمة "روّاد الخير" بإحالة حمزة إلى وزارة التّربية والتّعليم من أجل دعم عودته إلى المدرسة. تقول حنين محمّد إنّه لتسهيل ذلك، ستتلقّى عائلة حمزة مساعدة نقديّة طارئة حتّى يتمكّنوا من سداد الدّيون التي يساعد دخله على تغطيتها. تقول إنّ الأمر يتعلّق بالدّعم وليس الّلوم: "لا نُعامل الأب أو الأمّ على أنّهم جناة. إنّهم أسر محتاجة نعمل معها على كيفيّة احترام حقوق الأطفال".

الاستجابات العقابيّة لعمالة الأطفال

بينما يتركّز السّرد الرّسميّ للحكومات والمنظّمات غير الحكوميّة حول الدّعم، يمكن أن تبدو الاستجابة في الشّوارع مختلفة تماماً. غالبًا ما تفضّل السّلطات التّدابير العقابيّة، التي تؤدّي عموماً إلى تفاقم الأسباب الجذريّة، مثل الفقر، بدلاً من معالجتها. تفرض قوانين العمل في الأردن على أصحاب العمل دفع غرامة قدرها 50 ديناراً إذا كان هناك طفل أقلّ من 16 عاماً يعمل لديهم، و100 دينار عند تكرار المخالفة. ومع ذلك، في كثير من الأحيان، قد يكون صاحب العمل والطفل أعضاء ضمن العائلة نفسها، ويمكن للعلاقات المعقّدة أو أوضاع الإقامة أن تشوّه الصّورة. "تمكين"، وهي جمعيّة تقدّم المساعدة القانونيّة للأطفال العاملين، تجد نفسها، في كثير من الأحيان، تسوّي قضايا خارج المحكمة بسبب ذلك. تقول ليندا كلش، مديرة "تمكين": "تخشى [العائلات] أن يتسبّب ذلك في مشكلات لها، خاصّة إذا كانت عائلات لاجئة... والعديد منها على علاقة جيّدة بأرباب العمل".

يقول عُبادة إنّه يدخر لشراء "آي فون"، وإنّه يودّ أن يتدرّب ليكون حلّاقاً. هذه الطّموحات المتواضعة، إلى جانب مطالب كسب لقمة العيش لعائلته، تجعل العمل ضرورةً لهذا المراهق

كما يتعرّض الأطفال الذين يعيشون في العاصمة للعقاب على أيدي السّلطات. يُعتبر التّسوّل جريمة جنائيّة في الأردن، ويمكن اتّهام أيّ شخص يزيد عمره عن 12 عاماً بها. يقول أصحاب المحلّات، في وسط عمّان، إنّ أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 9 أو 10 أعوام أخبروهم أنّه قُبض عليهم واحتُجزوا لبيعهم أشياء في الشّوارع أو التّسوّل. قال بعض الأطفال إنّهم احتُجزوا لمدّة تصل إلى أسبوع. يقول فادي عميرة، مؤسّس "جدل"، وهو مركز ثقافيّ وسط عمّان: "رأيت أحدهم وقد تمّ حلق شعره بالكامل". ويضيف: "سألته إذا كان على ما يرام، فقال لي إنّ السّلطات اعتقلته في جبل اللويبدة [وسط عمان] بسبب بيعه أشياءً".

تباع القهوة والفواكه من الأكشاك على جانب الطريق في الأردن

ويضيف عميرة أنّ السّياسات الحكوميّة تجعل الأمور أسوأ وليس أفضل. يقول: "قبل بضعة أعوام، كان معظم الأطفال العاملين الذين رأيتهم من السّوريّين. الآن، الوضع مختلط. الوضع الاقتصاديّ يضع المزيد والمزيد من الضّغط على النّاس، ويؤدّي إلى مثل هذه الظّواهر".

ردّاً على مزاعم اعتقال الأطفال، يقول متحدّث باسم وزارة التّنمية الاجتماعيّة إنّ الأطفال الذين يتمّ العثور عليهم وهم يتسوّلون "يوضعون في مركز رعاية بأمر من المحكمة وليس في السّجن". ويضيف أنّ الرّقابة على عمل الأطفال في الأردن تقع على عاتق وزارة العمل. ويصرّح متحدّث باسم وزارة العمل أنّ الوزارتين تعالجان عمالة الأطفال من خلال مشاريع مشتركة تقدّم الدّعم الاجتماعيّ و"جلسات حوار وتوعية لأصحاب العمل والأسر".

في حين أنّ مثل هذا الحوار قد يلعب دوراً مهمّاً، فإنّه لا يعالج الظّروف البنيويّة والمادّيّة التي تدفع العديد من الأطفال إلى العمل في المقام الأوّل. يصل معدّل البطالة في الأردن إلى ما يزيد قليلاً عن 23 في المائة، وهو معدّل يتزايد باطّراد على مدى خمسة أعوام. وطالما استمرّت هذه الظّروف، واستمرّت الاستجابات لعمالة الأطفال في وضع حلول مؤقّتة بيد والعقاب باليد الأخرى، سيستمر الأطفال العاملون في تحمّل العبء الأكبر.

بالنّسبة إلى العديد من هؤلاء الأطفال، فإنّ الصّورة أصغر إلى حدّ ما. النّجاة اليوميّة هي الأولويّة. يقول يوسف، البالغ من العمر 17 عاماً والذي يعمل في كُشك قهوة، على الطّريق من عُبادة في الرّامة، إنّه يشعر بالفخر لأنّه يعمل، وأنّ عدم العمل سيكون "خطأ". يسأل: "لماذا يجب أن أبقى جالساً، بينما سأكبر غداً، وسيكون من الصّعب عليّ الاعتماد على نفسي؟". ويضيف: "والداي مهمّان للغاية بالنّسبة إليَّ. إذا كان بإمكاني مساعدتهم ألف مرّة إضافيّة، فسأفعل ذلك".

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ميليسا باوسون، أوبن ديموكراسي، 28 حزيران (يونيو) 2022



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية